فترة الحصار الخانق على قطاع غزة أي قبل إزدهار ثقافة الأنفاق كانت السيارات تعمل على "زيت القلي" وكان ثمن 20 لتر من البنزين حوالي 100 دولار هذا إن وجد وقس على ذلك في كل الأمور وإنقطاع الغاز بشكل نهائي جعل الناس يعودون إلى وسائل بدائية عند الطهي منها مواقد الخشب أو "البابور" وكل هذه الأمور ناهيك عن عدم كفائتها كان لعوادمها وروائحها مخاطر صحية كبيرة وعاش قطاع غزة مع هذه الامور فترة طويلة تحت الحصار مع إنقطاع الكهرباء حتى عن المستشفيات ونقص في الأدوية وأدى ذلك إلى موت مئات المرضى بسبب هذا الأمر فقط.
أذكر أنني كنت أشتهي "الشوكلاتة" أثناء حصار غزة فلا أجد إلا نوع واحد منها منخفضة الجودة وكان اسمها "هوهوز" وكانت تهرب لنا عبر الأنفاق إذ كانت تعتبر أيضاً من الممنوعات.
وطال الحصار آنذاك كل جوانب الحياة من الأبرة حتى مواد البناء فأصيبت البلد بشللٍ في معظم مناحي الحياة ولازلنا نعاني من آثار ذلك حتى اليوم.
لاشك أن من يزور غزة اليوم لا يرى وجوه ذلك الحصار الذي لطالما سمع عنه عبر الفضائيات والذي تحرك له ذلك الإنجليزي من لندن بقوافل توقفت كثيراً عند المعبر وما أدراك ما المعبر! ، لذلك قرر التركي معه أجانب وبعض العرب أن يسلك سبيله في البحر في أسطول الحرية الذي وأن لم يصل فقد أوصل رسالته.
بعد هذا كله ما كان أمام أهل غزة أن يتركوا سطح الأرض إلى باطنها ويحفروا أنفاقهم باحثين عن سبيل إلى الحياة بعد أن سدت كل أبواب الدنيا في وجوههم، وأصبحت هذه الأنفاق شريان الحياة الحقيقي لأهل غزة تدخل منها ألعاب الأطفال ووسائل المقاومة والكماليات من عصائر وبسكويت إلى أكياس الطحين وكل أنواع المواد الغذائية ومواد البناء المختلفة حتى أصبح هناك أنفاق متخصصة لكل أمر، ومنها ما هو لأنابيب الوقود.
عزيزي المصري لا تجعل الإعلام يخدعك فالفلسطينيون في غزة يشترون كل ما سبق ولا يسرقون وحتى حينما كانت الحملات على الأنفاق تشتد ويغلق رمق الحياة كان ابناء هذا الشعب يصبرون ولكن إذا طفح بهم الكيل فتحوا الحدود على مصراعيها ودخلوا إلى إخوانهم يشترون ويبتاعون ما يعينهم على العيش، وكان أهل العريش والإسماعلية وكل المناطق القريبة من غزة يساعدون أهل غزة في الحصول على حاجياتهم عندما حصل فتح الحدود "مرتين" واستقبلونا في بيوتهم خير استقبال (كانت لحظات مؤثرة)، إلا أن أهالي القطاع المحاصر المقهور كانوا بمجرد شرائهم حاجياتهم يعودون إلى موطنهم الذي يحابون ليواصلوا مسيرة كفاح وصمود مستمرة يكللها حب هذه الأرض.
أخي المصري إن غزة لم ولن تكون سبباً في مشكلة الكهرباء أو الوقود أو نقص الدواء في مصر فعدد سكان هذه المدينة المظلومة لا يتجاوز الـ2 مليون مواطن في أكبر الإحصائيات وأنها تدفع مقابل كل ما تأخذه، وهي تدفع مقابل عزة الأمة وصيانة مقدساتها دماء لترد أعداء الله، لا تستوي غزة المجاهدة المرابطة مع هؤلاء الرويبضة الذين يحاولون النيل من سمعتها صباح مساء.
ولازالت الأنفاق حتى يومنا هذا شريان الحياة لأهالي قطاع غزة فلا تكسروها قبل كسر الحصار، بينما معبر رفح لعبور الأفراد فقط من المرضى والطلبة وأصحاب الضرورى وغير مسموح بدخول البضائع من خلاله، إن كل مواطن في غزة سيقول لكم أغلقوا الأنفاق وأفتحوا المعبر بشكلٍ جيد لعبور كريم للأفراد والبضائع ، هذا المعبر شديد الحساسية الذي يفتح أبوابها من العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساءً، وسرعان ما يتأثر بأية أحداث وإن كانت بعيدة عنه عشرات أو مئات الكيلومترات ويا ليت كل الناس مثله يشعرون بالناس.