غزة – خاص قدس الإخبارية: "الفشل بالاستعداد للمسيرات أدى ليس فقط لإصابة جندي بجروح حرجة بل وجه ضربة قوية للردع الإسرائيلي"، يقول المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي يهوشاع لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية تعقيبًا على قنص أحد الشباب الغزي جنديًا إسرائيليًا من نقطة صفر على الحدود الشمالية لقطاع غزة، في يوم غضب دعت له الفصائل الفلسطينية أمس السبت 21 أغسطس 2021.
وقبيل أيام، اجتاحت الأوساط "الإسرائيلية" موجة انتقادات طالت الحكومة الائتلافية برئاسة نفتالي بينيت، بعدما لم ترد الأخيرة على صواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي رده على سؤال حول الأسباب التي دفعت لعدم الرد عسكريا من طرف جيش الاحتلال على هذه الصواريخ، أجاب وزير حرب الاحتلال بني غانتس قائلًا "أنا لا أعمل لدى حركة حماس، بحيث تتحكم فينا متى نهاجم أو نرد."
حول ذلك، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، في حديثه لـ "شبكة قدس"، أن "إسرائيل" انتقلت من مرحلة الهجوم الدائم والمستمر إلى مرحلة الدفاع، أي أن العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي بُنيت على فرضية الهجومية قد انتهت، ما سيؤدي إلى تراجع في هيبة الجيش الإسرائيلي أمام خصومه في المنطقة من فصائل فلسطينية وحزب الله وإيران.
حكومة ائتلافية هشّة
في مطلع شهر يونيو المنصرم، اتفقت أحزابٌ عدة من أقصى اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى أقصى اليسار على تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها نفتالي بينيت ويائير لابيد بالتناوب، ومنذ تشكيلها، بدأت الأسئلة تطفو على السطح، حول إمكانية استمرارها وسط تناقضات منطلقات أفرادها.
يعتقد شديد أن تشكيلة الحكومة الحالية، سبب في ضعف الرد الإسرائيلي وتآكل منظومة الردع بشكل واضح، موضحًا:" لحكومة الحالية تضم كل تناقضات الحالة والخارطة السياسية والحزبية في "إسرائيل"، وبالتالي الذهاب في اتجاه حرب، قد يؤدي إلى انسحاب عضو أو أكثر خاصة من حزب ميرتس اليساري الرافضين للحرب من الحكومة، وبالتالي انهيارها."
وينوّه المحلل الإسرائيلي إلى أن منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة في الكنيست والمشارك في الائتلاف الحكومي، قد غير من أقواله بشكل واضح، بعد تصريحاته أمس السبت أن قرار الحرب بيد رئيس الحكومة، ولا علاقة للقائمة العربية به في الموضوع، ويشير شديد إلى أن موقف منصور عباس سيشجع حزب ميرتس لتحدي رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت للحصول على الأصوات العربية، مما سيشكل معضلة أمام الردع الإسرائيلي.
الأزمات الداخلية
مع تصاعد أزمة كورونا مرة أخرى في الداخل المحتل، والحديث عن إغلاقات جديدة ستعود إلى الواجهة، صرح رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت بأن "الإغلاقات كلفت إسرائيل حوالي 200 مليار شيقل، وإذا فرضت الحكومة إغلاقات إضافية لن نمتلك تمويلا لقذائف المدرعات، وصواريخ القبة الحديدية، لأننا أنفقناها كلها على الإغلاق."
وبحسب شديد، فإنه في ظل الموجة الرابعة من فيروس كورونا التي تجتاح الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي دخلت بقوة في إسرائيل، وقرب افتتاح العام الدراسي هناك، "تبقى فرضية الاتجاه نحو الحرب فرضية محدودة جدًا" مضيفًا أن ما كشفته الحرب الأخيرة مع قطاع غزة، من عدم قدرة الاحتلال على حماية جهته الداخلية.
بدوره، يرى، المحلل والخبير العسكري واصف عريقات أن حكومة الاحتلال الحالية، تمر بأزمات تعجز عن تصديرها في العدوان العسكري، إذ كانت كل القيادات الإسرائيلية السابقة تصدر أزماتها الداخلية عبر العدوان على الفلسطينيين بالعمل العسكري، "أما اليوم فأي عدوان عسكري على الفلسطينيين له ثمن، وسيضاعف من الأزمات ولا يحلها"
سيف القدس: كسرت قواعد الردع الإسرائيلي
يرجع عريقات بداية تآكل الردع الإسرائيلي إلى معركة الكرامة عام 1968، حين طلب الاحتلال لأول مرة وقف إطلاق النار، مؤكدًا على أن معركة سيف القدس بين الفلسطينيين والاحتلال كانت الأكثر حدة في زيادة تراجع قوة الردع.
ويعتقد عريقات، في حديثه لـ"شبكة قدس"، بوجود مؤشرات تدل على تهاوي "الردع الإسرائيلي"، تتمثل في عدم قدرة جيش الاحتلال على خوض أي معركة برية حتى لو كانت محدودة، "خاصة أنه مهما كانت القوة العسكرية، إذا لم تصحب بتدخل بري، فلن يكون هناك إنجازات، وهذا سيحرم "إسرائيل" من تحقيق أي إنجاز في المستقبل."
ويشدد المحلل العسكري على تطور أداء المقاومة كعامل أساسي في كسر قواعد الردع، مبينًا أن هذا التطور مجهول حتى الآن، وهو ما يخشاه الاحتلال، ويوضح عريقات أن الولايات المتحدة الامريكية تدخلت بكل ما أوتيت من قوة لوقف إطلاق النار خلال سيف القدس، إذ كانت تدرك أن مخزون صواريخ القبة الحديدية سينفذ فيما لو استمرت المعركة واستمرت صواريخ المقاومة في الانطلاق نحو أهدافها في فلسطين المحتلة، ما كان سيعري جيش الاحتلال بشكل واضح.
"إسرائيل لديها قوة تدميرية كبيرة، وهي مدعومة من الغرب والولايات المتحدة لأمريكية، وكل مستودعات الأسلحة الأمريكية تحت تصرفها، ولكن هناك فرق ما بين استخدام القدرة التدميرية، وما بين إحراز نتائج في هذه القوة التدميرية، يعني مهما استخدمت إسرائيل من هذه القوة، هي لن تحرز نتائج وستدفع ثمنهه باهضًا، وسينعكس بإنجازات لصالح المقاومة الفلسطينية، وسلبيات لجيش الاحتلال"، يقول عريقات.
من جانبه، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة في حديثه لـ" شبكة قدس" أن هناك اعتبارات عدة يدرسها الجانب الإسرائيلي، أهمها اعتبارات الربح والخسارة، أي ما الذي تقدمه أي مواجهة وما النتائج المترتبة عليها، وأن "الاحتلال مقتنع أن المواجهة بمنطق المواجهات السابقة ستفضي إلى لا شيء، وهناك اقتناع أن الجولة الأخيرة فُرضت عليهم، وخرجوا منها بالحد الأكبر من الخسائر، وهم ليسوا في معرض الدخول مجددًا في مواجهة خاسرة."
في صعيد آخر، تشكل الولايات المتحدة حليفًا رئيسًا للاحتلال الإسرائيلي، وكثيرًا ما هرول البيت الأبيض ليبحث في سبل إطلاق النار الفوري حينما يدخل الاحتلال معارك خاسرة مع قطاع غزة، كما حدث عام 2014 و2021.
إلا أن هذا الحليف القوي بات اليوم غارقًا في مشاكل يسعى بالتوازي معها لإبقاء حالة من الاستقرار في القضية الفلسطينية، ويشير هلسة إلى أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب أوضاعها، خصوصًا مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وليس واردًا مجاراة الرغبات الإسرائيلية، أو الانجرار وراءها، وهو ما كان واضحاً خلال المواجهة الأخيرة حينما طلبت انهاء المواجهة والموافقة على التهدئة.