غزة - قدس الإخبارية: في عام 2018 أطلق الكاتب الفلسطيني من الداخل المحتل جورج كرزم كتابه "الهجرة اليهودية المعاكسة ومستقبل الوجود الكولونيالي في فلسطين"، والذي يناقش فيه قضية الهجرة المعاكسة كسرّ تحاول إسرائيل إخفاء طبيعته وحقيقته والعوامل التي تؤثر عليه، محاولا الاستفادة من الإحصائيات التي حصل عليها عن أعداد اليهود المهاجرين بشكل عكسي، وربطها بالتوقيت السياسي والأمني والاقتصادي؛ وذلك لفهم القوانين الحقيقية التي تتحكم في هذه الهجرة صعودا وهبوطا.
توصل الكاتب لحقيقة مفادها؛ أن العامل الأمني هو العامل الأبرز وراء هذه الهجرة، خاصة بعد الانتفاضة الأولى والثانية وعدوان عام 2006 على لبنان وعدوان 2012 و 2014 على قطاع غزة، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي والسياسي كعوامل ثانوية.
ويوضح أن قصف تل أبيب عام 2012 وعام 2014 من قبل المقـــ.ـــاومة الفلسطينية وقبله استهداف حيفا بالصواريخ من قبل المقـــ.ـــاومة اللبنانية؛ أفقد الإسرائيلي الشعور بالأمن، مؤكدا على حقيقة أن المقـــ.ـــاومة استطاعت أن تخلق شعورا معاكسا للشعور الذي تحاول إسرائيل تكريسه بأنها "دولة لحماية اليهود"، ووجد المجتمع الاستعماري نفسه أمام أزمة وجودية، مع تزايد الشعور بعدم قدرة الدولة على توفير الأمن لمواطنيها.
الإحصائيات الواردة في الكتاب تشير إلى أن 59% من الإسرائيليين اتجهوا لسفارات دول مختلفة للحصول على جوازات سفر هذه الدول، مبرهنا من خلال هذه الحقيقة على أن شعورا متزايدا ومتناميا لدى الإسرائيلي بأن الدولة الإسرائيلية في طريقها للتفكك، موضحا بأن أغلب المهاجرين يتذرعون بالأوضاع الاقتصادية وذلك رفعا للحرج الذي يصيبهم في حال اعترفوا بأنهم هربوا خوفا من تنامي أدوات المقـــ..ــــاومة وفقدانهم للشعور بالأمن.
وتشمل الهجرات خبراء في التكنولوجيا وأطباء وطلبة الدراسات العليا ومثقفي الطبقة الوسطى، مؤكدا على أن غالبية المهاجرين من الطبقة الوسطى. وبالنسبة للذين يصرّون على البقاء في فلسطين؛ يشير كرزم إلى أن أقل نسب الهجرة المعاكسة تقع في أوساط الصهاينة المتدينين واليهود الأصوليين والروس المتعصبين صهيونيا (أتباع ومناصري ليبرمان) واليهود الشرقيين والأثيوبيين؛ وهو ما دفع الباحث زهير الصباغ للاستنتاج بأن هذه الظاهرة ستحوّل إسرائيل من دولة أوروبية الطابع إلى "دولة عالم ثالث"، وبذلك تخلق الهجرة المعاكسة عوامل أخرى للهجرة المعاكسة.
ويشير الكاتب إلى تأثير المفاوضات "العبثية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على الهجرة المعاكسة، موضحا بأن هذه المفاوضات ساهمت في تسمين المشروع الاستيطاني بشكل كبير في الضفة الغربية، لأنها منحت الوجود الاستعماري شرعية كان يتخوف بعض اليهود من أنه فاقد لها، كما أن المفاوضات منحت اليهود نوعا من الأمان الذي يمكن على أساسه الهجرة لإسرائيل.
في عام 2017 نشر معهد دراسات الأمن القومي ورقة تقدير موقف أشار فيها إلى أنه منذ نشوء دولة الاحتلال الإسرائيلي، اعتمدت الحكومات الإسرائيلية سياسة استراتيجية هدفها توزيع السكان على كامل الجغرافيا المحتلة، وعلى الرغم من الدعم الرسمي "الإسرائيلي" المتزايد لهذه السياسة؛ إلا أنه اتضح في العقدين الأخيرين أن السكان في إسرائيل يتجهون للعيش في منطقة "غوش دان" (تل أبيب الكبرى) بسبب عدم وقوعها بشكل مباشر في دائرة تهديد الصواريخ كما منطقتي النقب والجليل. ولمواجهة هذه الظاهرة سعت الحكومة الإسرائيلية إلى دعم المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في منطقتي النقب والجليل، ومع ذلك ظلت الفجوة السكانية هائلة بين الشمال والجنوب.
وبالنسبة لمنطقة الوسط، فإن هذه الكثافة السكانية تؤدي إلى تقلص المساحات المفتوحة فيها، كالشواطئ والمناطق الزراعية ومناطق الاستجمام، كما ويؤدي إلى بناء بنية تحتية ضخمة، وقد تصبح منطقة من أكثر المناطق ازدحاماً في العالم مما يؤدي إلى انهيار نظام النقل المحلي، وستؤدي كذلك الكثافة السكانية في الوسط إلى تدهور اجتماعي قد يعكس نفسه من خلال المظاهرات وعدم الشعور بالأمن الشخصي، وانحسار الآمال والتطلعات في العيش بنمط حياة جيد، مما يؤدي بالبعض إلى الاستثمار في الخارج على حساب الاقتصاد المحلي أو حتى الهجرة من "إسرائيل"، وفي حال أضيف لهذه العوامل عامل الضغط الأمني فإن الهجرة من هذه المنطقة تصبح من أهم الظواهر التي تضربها، وهو ما يحصل الآن.