من يرغب أو ينتظر مشاهدة حشود جماهيرية كبيرة من مدن الضفة المحتلة تتجه جماعيا للحواجز الاحتلالية المحصنة والمعدة مسبقا، سيخرج بانطباعات عجيبة عن الوضع في الضفة في هذه الأثناء، فإذا تجاوزنا حقيقة حملات الاعتقالات الجارية والسياسات المركزة لتقويض أي فعل متمرد في الضفة، فإن المسافة الفاصلة بين الحواجز ومراكز المدن، والتجارب السلبية السابقة، كفيلة بإحباط هذا المسعى، هناك حراك مختلف يجري في الضفة هذه الأيام أهم السمات والملامح هي التالي:
* معظم التحركات تجري في القرى والبلدات الواقعة على الطرق الالتفافية والطرق الرئيسية التي يسلكها المستوطنون وقوات الاحتلال، تتوزع بعضها على عشرات الكمائن الشعبية الصغيرة لسيارات المستوطنين.
* الحراك والتجمعات والتظاهرات في المدن لا تجد هدفا معقولا لها، خصوصا في ظل مغادرة جزء كبير من سكان المدينة الأكثر استقطابا للتركيز الإعلامي رام الله إلى قراهم (أعلنت إجازة العيد مبكرا)، كما أن الجامعات وطلابها كمادة أساسية لتفعيل الاشتباك معطلة للأسباب الصحية منذ أمد طويل.
* عمليات إطلاق النار الخفيفة (دون التحام مباشر) هي سمة ملازمة لهذا الحراك حيث شهدت تصاعدا يفوق بكثير نظيره الذي واكب حرب غزة ٢٠١٤، فلقد سجل خلال يومين فقط عدد كبير من عمليات إطلاق النار، بعضها مثل اشتباكات مسلحة وبعضها خاطفة، هذا ليس فعلا عسكريا احترافيا أو نمطا استشهاديا على غرار منتصر / عملية زعترة، ولكن أقرب لما فعلته المجموعات المسلحة بداية انتفاضة الأقصى.
* جزء كبير من أكثر شباب الضفة جرأة ومبادرة والتزاما وطنيا، كانوا فعليا معتصمين في المسجد الأقصى، ثم عادوا ليجدوا حملة إسرائيلية جارفة قد بدأت في مداهمة بيوتهم، وهو ما يعطلهم عن التأثير الفاعل في الحشد والاشتباك (أكثر من ٨٠ معتقلا في إحدى الليالي فقط وعشرات آخرين مطاردين غادروا بيوتهم).
ما هو الممكن؟
- إن واجبنا جميعا وليس واجب أهلنا في الضفة فقط طرح أهداف ميدانية معقولة لهذا الحراك، خصوصا الكتل الجماهيرية المعطلة داخل المدن، ترتبط بالمسار السياسي والوطني العام الذي يتجه نحو استنزاف العدو في أكبر عدد ممكن من نقاط الاشتباك بعيدا عن منطق (الاحتجاج على الحاجز).. في هذه المعركة شعبنا لا يحتج على سياسات "إسرائيل" ولكن يقاتلها.
- التنظيم الذاتي في أعلى سلم الواجب الوطني الآن، وهو جزء أساسي من الاشتباك مع الاحتلال، أي تنظيم ذاتنا على شكل مجموعات صغيرة ومتجانسة تدرك أهدافها وتتحرك مع النسق العام، نحو أسهل/ أقرب هدف صهيوني متاح، وهنا لا يجب انتظار أي مركزية تنظيمية أو سياسية، فالمسار العام واضح ولكن الحاجة لترجمته لبرنامج فعل ميداني.
- واجب الإعلام خصوصا المنتمي لشعبه، أن يبرز النموذج الملهم، وهو موجود بالفعل، قرية بيتا فعلت ذلك بالأمس، ومخيم ومدينة جنين، وقلنديا، وصور باهر وغيرها.
- أخيرا إن ربط تحرك الضفة الآن بواجب إنقاذ غزة على أهميته وأحقيته لا يلائم حقيقة الأشياء، فواقع ما حدث في الأيام الماضية أن أي فعل يحدث الآن هو دفاع مباشر عن الوجود في وجه ميليشيات المستوطنين وعصابات الجيش الصهيوني التي ازدادت وحشية في ظل شعورها بالضغط والتهديد.
- هذا النمط من الهجمات المتبادلة في مدن الداخل المحتل عام ١٩٤٨ والقتل المتبادل، والكمائن على الطرقات ، سيكون سمة دائمة تشكل واقع حياة الناس في هذه البلاد، ومن لم يستعد لذلك سيسلم رقبته للموت وليس الذل فحسب، لذلك ان تشكيل لجان الحراسة الشعبية في القرى والأحياء واستعادة مفهوم المجموعات الضاربة الصغيرة هو ضرورة حياة لا أقل وربما أكثر.
السلامة والنصر لأهلنا.