رام الله - قُدس الإخبارية: أظهرت دراسة حديثة، أعدها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان، أن حجم غسيل الأموال في مناطق السلطة يكاد يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن المبلغ السنوي قد يصل إلى 900 مليون دولار على اعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بلغ نهاية عام 2019 نحو 15 مليار دولار.
وأشارت الدراسة التي أعدها الباحثان نصر عبدالكريم وعبدالله مرار، إلى أن قطاع العقارات وقطاع تجارة السيارات خاصة المستعملة منها هي القطاعات المرشحة لغسل الأموال في فلسطين.
وسجلت زيادة مضطردة في عدد حالات الاشتباه بجريمة غسل الأموال على مدار السنوات الماضية، فقد بلغت 52 حالة اشتباه بلغ عنها إلى وحدة المتابعة المالية عام 2012، وارتفعت عام 2016 لتصل إلى 129، الأمر الذي يؤكد وجود هذه الظاهرة في المجتمع الفلسطيني ويدلل على مدى الحاجة إلى زيادة الكفاءات والأدوات المستخدمة في جمع المعلومات والتحليل بالخصوص لدى الجهات الرسمية.
وأشارت البيانات، إلى أن 66% من إجمالي حالات الاشتباه قد تم التبليغ عنها عبر البنوك 10% منها لأشخاص اعتباريين مثل الشركات والمؤسسات غير الربحية، و20% بلغت عنها جهات إنفاذ القانون، في حين توزعت النسبة المتبقية على مختلف الجهات مثل: شركات الوساطة المالية ومكافحة الفساد وشركات الصرافة وغيرها. وبحسب الدراسة، فإن هناك قلة في عدد التقارير الواردة من الوزارات ذات الاختصاص والسلطات المشرفة، وكذلك قلة التقارير الواردة من القطاعات الخاضعة لرقابة هيئة سوق رأس المال وانعدام التقارير من قطاع المهن والأعمال غير المالية.
واعتبرت الدراسة، أن البيانات، تشير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني اقتصاد غير منظم ويعتمد على النقد بشكل كبير، إضافة إلى التوجه لاستخدام الحسابات الشخصية لأغراض تجارية؛ حيث تشير الإحصائيات إلى كون النسبة الأكبر من تقارير الاشتباه الواردة تركز على الإيداعات والسحوبات النقدية، وهي التقنيات التي تعني أن الاقتصاد الفلسطيني لا يزال يحتاج إلى تطوير أدوات الدفع الإلكتروني وترويجها بشكل أفضل.
وتشكل جريمة النصب والاحتيال والتزوير أكثر الجرائم المنتشرة بنسبة 36%، ثم الجرائم الإلكترونية بنسبة 14%، تليها الإتجار غير المشروع بالعقاقير والمؤثرات العقلية بنسبة 13% وتداول العملات المزيفة بنسبة 8% والإتجار غير المشروع بالأسلحة بنسبة 7%، السرقة والفساد بنسبة 5% لكل منهما، والتهرب الضريبي بنسبة 3% والتهرب بنسبة 2%، فيما تتوزع النسبة المتبقية على العديد من الجرائم مثل التلاعب في سوق المال الفلسطيني والاختلاس وإساءة الائتمان والكسب غير المشروع.
ويأتي تصنيف قطاع المحامين والمحاسبين، ضمن المخاطر المرتفعة استنادا إلى تقييم تهديد هذا القطاع بمستوى متوسط الارتفاع، حيث يعد من القطاعات المستهدفة التي من الممكن استغلالها في عملية غسل الأموال، وكذلك بالاستناد إلى تقييم نقاط الضعف بمستوى مرتفع، وكذلك، فطبيعة المهام التي يوكل بها المحامون والمحاسبون، تجعل هذه المهن عرضة لجريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مثل إعداد الوكالات والعقود وتسجيل الشركات والجمعيات وعقود البيع والصفقات وعقود الوكالة، بالإضافة إلى قيام المحامين بالعمل في مجال بيع وشراء العقارات وإدارة أموال العميل أو الأوراق المالية وغيرها.
وعن واقع الجريمة في قطاع المصارف، فإن تصنيف القطاع المصرفي ضمن المخاطر المرتفعة، استنادا إلى تقييد تهديدات هذا القطاع بمستوى عال، حيث يعتبر من أكثر القطاعات استهدافا لمحاولة إساءة استخدامه في غسل المتحصلات الناتجة عن الجرائم الأصلية لغسيل الأموال.
أما واقع الجريمة في قطاع العقارات؛ يصنف ضمن المخاطر المرتفعة، حيث يعد هذا القطاع الأكثر قابلية للاستهداف من قبل غاسلي الأموال نظرا لطبيعة تقسيم الأراضي وارتفاع أسعار العقارات والأراضي.
وفي ما يخص واقع الجريمة في قطاع الصرافة والأوراق المالية؛ يقع قطاع الصرافة ضمن صلاحيات وإشراف ورقابة سلطة النقد الفلسطينية، في حين يقع قطاع الأوراق المالية لإشراف هيئة سوق رأس المال، ويأتي هذا القطاع ضمن المخاطر المتوسطة الارتفاع، وبعض الصرافين يقومون بتمويل التجارة الخارجية والداخلية وقبول الودائع ومنح التسهيلات وفتح الفروع دون الحصول على التراخيص اللازمة من سلطة النقد، أما الأنشطة المتعلقة بالأوراق المالية فتتعلق بشبهات غسل أموال ناتجة عن التلاعب في الأوراق المالية أو شراء أسهم ناتجة عن متحصلات جرمية.
وأشارت الدراسة إلى أن غسل الأموال قد جرم لأول مرة في فلسطين، بموجب القرار بقانون بشأن مكافحة غسل الاموال في العام 2007، الذي شكل النواة الرئيسية لمنظومة مكافحة غسيل الأموال في فلسطين، كما تم لاحقا إصدار قرار بقانون يتعلق بمكافحة غسل الأموال رقم 20 للعام 2015 وتعديلاته، لتعزيز فاعليتها في مكافحة الجريمة.
كما كشفت الدراسة أن استراتيجية اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال لا تزال دون خطة تنفيذية، ما يحد من القدرات على تنفيذ الاستراتيجية، وعلى محاربة جريمة غسل الأموال في قطاعات مستهدفة من قبل غاسلي الأموال كالشركات المالية أو العقارية المختلفة، إذ لا يوجد آلية واضحة لتطبيق الاستراتيجية بين مختلف الجهات ذات العلاقة، وأن نسبة تطبيق بنودها الشاملة والتفصيلية على أرض الواقع محدود جدا مما هو منصوص عليه.
وقد أعرب ائتلاف أمان عن امتعاضه لرفض اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال التعاون والانفتاح مع منظمات المجتمع المدني والباحثين، ولعدم نشرها أي تقارير أو معطيات أو إحصائيات ذات دلالة حول حجم تفشي هذه الجريمة والاموال المتحصلة منها، بالرغم من كونها مكلفة بالقانون بنشر متابعاتها لتقرير التقييم الوطني لمخاطر جريمة غسل الأموال. وعليه، طالب أمان بضرورة إلزام اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال بالقيام بواجباتها وبالإشراف والمتابعة على أعمال وحدة المتابعة المالية، ونشر التقارير المنصوص عليها في القرار بقانون مكافحة غسل الأموال، مع ضرورة انفتاح وحدة المتابعة المالية والتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
وأوصت الدراسة بضرورة إعطاء الأولوية إلى تدريب وتأهيل الكادر البشري الحالي وتعزيز قدرات طواقم التحقيقات والقضاة على المنهجيات الجديدة في مكافحة غسيل الأموال، ورفد الطاقم الحالي بأنظمة محوسبة، من شأنها توفير الوقت والجهد في تتبع قضايا مكافحة غسيل الأموال، إضافة الى ضرورة قيام اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، بانتداب لجنة فنية متخصصة من كل جهة لتنسيق وتبادل المصادر فنيا.
كما أوصت الدراسة بأن يتم فحص مصادر الأموال من قبل دائرة الطابو على الأقل للحالات التي يشتبه فيها بغسل أموال، وأن تقوم البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بتحديث سيناريوهات أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بها بشكل منتظم، واعتماد أنظمة على اتجاهات وطرق غسل الأموال بهدف الكشف عن المعاملات المشبوهة بناء معلومات إدارة الأموال، إضافة الى ربط الحملات التوعوية مع تبني نهج رقابي قائم على المخاطر بما يشمل تنفيذ تدابير معززة أو مخففة بما يتناسب مع المخاطر المحددة.
وأشارت الدراسة إلى عدم وجود تنسيق بين مختلف الجهات ذات العلاقة وخاصة في النواحي الفنية، حيث لا يوجد لجان فنية متخصصة في لجنة مكافحة غسل الأموال باستثناء وحدة المتابعة المالية، وعدم وجود أنظمة محوسبة متطورة يمكن من خلالها تكوين قاعدة بيانات تمكن الرجوع بسهولة إلى حالات الاشتباه ومتابعتها، عدم ترابط الانظمة المحوسبة مع بعضها البعض عند مختلف الجهات ذات العلاقة، موصية بزيادة التنسيق بين الأجهزة المحلية والدولية ذات العلاقة، والذي من شأنه زيادة الكفاءة وإدخال مصادر جديدة في مكافحة غسيل الأموال.
وطالب عزمي الشعيبي، مستشار مجلس إدارة ائتلاف أمان لشؤون مكافحة الفساد بضرورة انفتاح المؤسسات ذات العلاقة بمكافحة الفساد على منظمات المجتمع المدني والتعاون مع الباحثين المحليين، والمزيد من الشفافية في عمل اللجنة الوطنية لمكافحة جريمة غسل الأموال بإصدار التقارير المنصوص عليها في والقانون بما يخدم الجهود الوطنية لمكافحة غسل الأموال باعتبارها مهمة وطنية لجميع الأطراف الفلسطينية.