أم الفحم - خاص قُدس الإخبارية: شكل الحراك الفحماوي الظاهرة النضالية الأبرز في فلسطين المحتلة، خلال العام الحالي، ليشكل بارقة أمل وفقاً لنشطاء ومراقبين، لولادة حركة اجتماعية وسياسية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، يعيد ترميم المجتمع الذي أحدثت فيه جرائم القتل المسكوت عنها من الاحتلال، تفتيتاً كبيراً.
ويطمح كثيرون فلسطينياً أن يقود الحراك لخطوات تعيد للحركة الوطنية الفلسطينية في كل أماكن تواجدها، وحدتها على المستوى الخطابي والنضالي، بعد سنوات من "التيه".
"شبكة قدس" حاورت الناشط المحامي أحمد خليفة، من أم الفحم المحتلة، حول مختلف القضايا المتعلقة بالحراك الفحماوي ومقاطعة انتخابات "الكنيست":
-
مؤخراً تصدر الحراك الفحماوي المناهض للجريمة المشهد في الداخل الفلسطيني المحتل، كيف بدأ الحراك؟ وما هي أهدافه؟
الحراك بدأ كتظاهرة ووقفة احتجاجاً على مقتل شاب في كفر قرع، قبل حوالي ثلاثة شهور، وتراكم الأحداث دفع إلى تنظيم مظاهرة تلو الأخرى، ورأينا بدلاً من أن تتبدد هذه النشاطات أن تتجمع كل هذه الجهود من قبل القيادات الميدانية التي أفرزتها التظاهرات.
الفرز الميداني أدى لخلق قيادة آمنت بفكرة توحيد الحراكات الناشطة في إطار واحد، ومن هنا انطلقت فكرة الحراك الموحد.
-
قبل شهور من انطلاق الحراك هناك من كان يقول إن الحركة الوطنية ضعفت كثيراً في أم الفحم، هل أعاد الحراك الروح للعمل الاجتماعي والسياسي في المدينة؟ وكيف يجب استثماره لإعادة تجميع القوى فيها بمواجهة عصابات الجريمة والاحتلال؟
الحراك الفحماوي الموحد سقفه السياسي مختلف عن مجرد ملاحقة ظاهرة العنف والاحتجاج ضدها والتنديد بتقاعس الشرطة، نحن نعي أننا نعيش في حالة استعمارية تحاول تفتيت المجتمع عن طريق العنف المنظم وإدخال السلاح للبلدات الفلسطينية في الداخل وعدم التدخل بعد الجرائم.
هذا الوعي دفعنا لرفع شعار "الشرطة أصل الورطة" وما نقوم به عملياً لمنع شرطة الاحتلال تنفيذ سياسات الدولة بحقنا، واستمرار تنفيذ عمليات إجرام القتل المنظم في بلادنا.
رفع علم فلسطين خلال التظاهرات والشعارات المرفوعة والخطاب أن الحركة الوطنية هي من تقود هذه المعركة، وقد تجمع خلف الحراك (الإسلاميون، العلمانيون، يساريون الخ)، وفهموا أن المعركة الأساسية في وجه الاحتلال، ومن هنا تأتي قوة الحراك.
-
تختلف الآراء في تحليل ظاهرة "العنف" في الداخل المحتل، بين من يرى واجب تحميل المسؤولية لدولة الاحتلال في إطار فكرة "المواطنة"، وهناك من يحمل المجتمع نفسه المسؤولية ويصفه بأنه عنيف، وتيار ثالث يرى أن العنف ناتج عن الحالة الاستعمارية التي يرزح تحتها الشعب الفلسطيني، إلى أي الآراء ترى أنك أقرب؟
الكل يعلم أن مجتمعنا يوجد فيه عائلية وعصبية ونقاط ضعف ذاتية، ولكنها لوحدها غير مسبب كافٍ للعنف، أنظر إلى الضفة وغزة وغيرها حيث يتواجد نسيج اجتماعي مشابه لمجتمعنا، لا توجد فيها الحالة الكارثية التي نعيشها.
لذلك نلقي السبب الرئيسي على الاستعمار الذي ينفذ سياسات تفرقة بحقنا، حيث توزع إمكانيات التناحر بيننا، وتقوي النزعات العصبية، وتفضل عائلة على أخرى، وتوزع السلاح.
بالإضافة إلى ذلك هناك أسباب موضوعية أخرى، كيف يمكن لك أن تبني بنية تحتية وتخلق مجتمعا طبيعيا، وأنت محروم من الأرض وغير قادر على التعمير.
-
في سياق آخر، نظمت في دولة الاحتلال انتخابات "الكنيست" للمرة الرابعة خلال عامين وهناك مشاركة من عدة أحزاب عربية فيها، كيف ترى تفاعل المجتمع الفلسطيني بالداخل معها؟
خطاب "الكنيست" بطبيعته أقرب لـ"إسرائيل"، كل قضية التصويت في الانتخابات خلال فترة الحكم العسكري، كانت نوعاً من إعلان الموالاة خوفاً من استكمال النكبة وتهجير من لا يصوت.
النكبة كانت موجودة في العقل الباطني للناس والخوف أيضاً، والحكم العسكري هو من كان يخرج الناس للتصويت. بعد صعود جمال عبد الناصر واشتداد عود الحركة الوطنية أصبحت نسبة التصويت تنخفض. خطاب "الكنيست" مسقوف عملياً بسقف الدولة العبرية اليهودية.
-
هناك انتقادات عديدة وجهت للقائمة المشتركة خاصة بعد التوصية على مجرم الحرب غانتس، ما الذي أوصل الأحزاب المشاركة في القائمة إلى خطاب وسلوك سياسي يسمح لها بالتوصية على رئيس أركان سابق لجيش الاحتلال ارتكب جرائم بحق الشعب الفلسطيني؟
لا تذهب هذه الأحزاب إلى "الكنيست" وهي تقول للناس "نحن نريد أن ندخل لأننا نريد أن نتأسرل"، بل ترفع شعار أن لدينا حقوقا مدنية ويومية لا يمكن تحصيلها إلا من خلال "البرلمان"، هذه المعادلة أدخلت أحزاب "الكنيست" في محاولة التأثير من خلال "البرلمان"، ومع الوقت أصبح هو الوسيلة والغاية، و"البرلمان الإسرائيلي" مصمم أساساً لإقصائك، وعندما تحاول إقناع الناس أنه لا يمكن التغيير سوى من البرلمان، وحتى تؤثر بشكل أكبر تحاول الدخول في الحكومة الإسرائيلية والتعمق في مؤسساتها، وهذه المؤسسات ستهضمك مع الوقت.
هذا ما حصل مع القائمة المشتركة عندما أوصت على قاتل ومجرم حرب، وفي النهاية لم يحصلوا على شيء منه، وقسم منهم مستعد للتوصية على نتنياهو، وهنا يأتي الخطر من المشاركة في "الكنيست"، أن أحزاب الحركة الوطنية يمكن تفتيتها وتضييع هويتنا الجمعية.
-
هل ترى أن الأحزاب التي تشارك في انتخابات "الكنيست" وصلت إلى طريق مسدود؟ وكيف يمكن تجاوز خطابها الذي يلاقي ربما رواجاً لدى أطياف من المجتمع الفلسطيني بالداخل؟
واضح أن الخطاب وصل إلى طريق مسدود، لم يبق شيء أمامهم سوى التوصية على نتنياهو، طرقوا كل الأبواب من التوصية على غانتس والتعاون مع قوى متعاونة مع نتنياهو، وبقي أن يدخلوا في الحكومة الإسرائيلية.
لذلك يجب تجاوز هذا الخطاب كله، وترميم الحركة الوطنية خارج "الكنيست"، وكما تعلم فإن الحركة الوطنية في الداخل وغزة والضفة مشتتة ومشغولة بالقضايا الصغيرة وتركت الهموم الكبرى، لأننا لا نتعامل مع وضعنا بشكل موضوعي.
-
هناك من يقول أن الحركة الوطنية في الضفة والقدس وغزة والداخل تعاني من التشتت وانعدام الرؤية الواحدة، هل تتفق مع هذا الرأي؟ وكيف السبيل لبناء حركة وطنية واحدة تعيد "على الأقل خطابياً" الوحدة لمكونات العمل السياسي الوطني الفلسطيني في كل أماكن تواجده؟
القضية ليست في الشعار، الحركة الوطنية كانت أساساً بناء على فرز ميداني، انتفاضة وثورة فلسطينية كانت في الخارج وانتقلت للداخل. الذين كانوا ثوارا في الخارج أصبحوا كالأنظمة العربية، فشلوا بتحقيق الأهداف وفي نفس الوقت بقوا في أماكنهم، وهذا يحدث "تكلساً" في الأوضاع، والوضع طبيعي بعد الانتقال من مرحلة الشباب إلى حالة "المخترة" المنتشرة في كل مكان.
القوى الحية والنشطاء يجب أن تبني خطاباً يتلاءم مع المرحلة، في الضفة وغزة والداخل المرحلة مبنية على هموم يومية سببها الاحتلال، لكن هناك من أبناء شعبنا من وضع نفسه وكيلا بيننا وبين الاحتلال، في حالة الضفة وغزة السلطة، وفي الداخل القوائم المشتركة والكنيستية.
في أم الفحم عندما تم تجاوز هذه الحالة حدثت معركة مباشرة مع الشرطة والاحتلال وأدواته، المطلوب خلق ميدانية نضالية تفرض قيادة وقوة جديدة.