فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تتصدر لقاحات كورونا وسائل الإعلام وأحاديث الناس، وبين الواقعي والخرافة يحدث تشويش أحياناً على الحقيقة، وتزيد المخاوف لدى المجتمع، في ظل الجائحة التي تركت آثاراً سيئة على حياة البشر.
"قُدس الإخبارية" حاورت الدكتور يوسف نجاجرة المتخصص في الكيمياء الطبية- كلية الصيدلة في جامعة القدس، حول قضايا متعلقة باللقاحات:
بداية، ما هي اللقاحات المطروحة حالياً في العالم؟ وما مدى فعالية كل نوع منها حسب الاختبارات التي أجريت عليها؟
هناك حوالي 200 لقاح وصلت للتجارب السريرية، جزء منها في المراحل الأولى وأخرى في الثانية، ومنها ما وصل للمرحلة الثانية والثالثة. مع كل مرحلة من مراحل اللقاح تزداد بطبيعة الحال أعداد المشاركين والمتطوعين ومجموعات المقارنة.
تنقسم هذه اللقاحات لأنواع: منها ما هو "فيروس" تم إضعافه ويندرج تحته حوالي 15 لقاحاً، أو "فيروس" تم شل حركته -أي أن الهيكل الفيروسي موجود، ولكنه لا يستطيع ممارسة أي نشاط فيروسي- ويندرج تحته حوالي 10 لقاحات، أو ما يسمى بالمتجه الفيروسي والذي يندرج تحته حوالي 36 لقاحاً، أو لقاحات مبنية على المادة الوراثية للفايروس DNA ويندرج تحتها حوالي 13 لقاحاً. كما يتواجد حوالي 20 لقاحًا يتم تطويرها في المراحل المختلفة من التجارب السريرية على أساس “RNA”.
عدد اللقاحات التي وصلت لمراحل متقدمة -المرحلة الثالثة- هي أربع لقاحات بالاضافة الى اللقاح الصيني، تنقسم هذه اللقاحات إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: التي تحوي لقاح "أوكسفورد-استرازينيكا" واللقاح الروسي وهي مبنية على أساس المتجه الفيروسي. وتتراوح فعاليتها من (62%-92%).
ومن محاسنها أن حفظها يتم في أي ثلاجة بيتية، على درجة حرارة تحت الصفر، لذلك تكون عملية النقل سهلة دون تعقيدات لوجستية. ويحتاج المريض لجرعتين منها حتى تصبح لديه المناعة المرجوة ضد الفيروس.
والمجموعة الثانية: التي تحوي لقاح "فايزر-بيونتيك" و"موديرنا" وهي مبنية على أساس “RNA” وتصل فعاليتها الى 95%.
في هذه المجموعة من اللقاحات، يتم تصنيع مقطع من “mRNA ” الفيروسي، وعمل صيغة (تركيبة) معينة لإدخاله لخلية الإنسان، حيث تتم ترجمته لبروتين فيروسي الذي بدوره ينتقل الى خارج الخلية ويعمل على تحفيز الجهاز المناعي.
وصلت لقاحات هذه المجموعة لأقصى درجات الفعالية. أحدها لقاح "فايرز-بيونتيك" من تطوير وتصنيع أمريكي-ألماني، وتم إقراره دولياً وهو أفضل ما تم التوصل اليه من لقاحات. ويحتاج الإنسان لجرعتين منه: جرعة في اليوم الأول وجرعة في اليوم الحادي والعشرين، ويقال أن درجة تحفيزه للمناعة تصل لحوالي 95٪، الا أن مشكلته الرئيسية هي وجوب حفظه على درجات حرارة منخفضة جدًا (أدنى من -70 درجة مئوية). مما يلزم اتخاذ اجراءات لوجستية معقدة ومركبة أثناء التصنيع والشحن والتخزين والتوزيع.
اللقاح المشابه له من ناحية التكنولوجيا، هو لقاح "موديرنا"، ويتطلب حفظه درجة حرارة (-20 درجة مئوية)، حيث ثبت عدم حدوث تغيير عليه بعد حفظه لمدة ستة أشهر على هذه الحرارة.
ووصل كل من لقاحي "فايزر-بيونتك" و"موديرنا" الى المراحل الشبه النهائية، حيث حصل لقاح "فايزر-بيونتك" على جميع الترخيصات والموافقات، والآخر "موديرنا" سيتم نقاشه خلال الأسبوع القادم وسيتم اقراره بناءً على المعلومات المتوفرة. علمًا بان لقاح "موديرنا" قد تم تصنيع كميات كبيرة منها وتوزيعها وهي بانتظار الاقرار الرسمي.
عادة ما هي الأسس العلمية التي يجري بناء عليها صناعة اللقاحات لمحاربة وباء ما؟
كل المسألة تتمحور حول أن يعطى الإنسان مادة أو مركب أو جسيم يحفز جهاز المناعة -تصنيع أجسام مضادة-، كي يتعرف على الفيروس الحقيقي في حال دخوله الى الجسم، أي قبل اصابته بالفيروس.
السؤال هو: كيف نحفز جهاز مناعة إنسان لم يتعرض مسبقًا للإصابة بحيث يقوم جهازه المناعي بتصنيع أجسام مضادة لهذا الفيروس؟ أو أن يصبح لديه ذاكرة مناعية تتعرف على الفيروس عند دخوله الجسم من أجل القضاء عليه؟
حتى نترجم هذا المبدأ لشيء عملي ومادي ملموس، هناك أنواع من الطرق: أولًا أن نعطي فيروس تم إضعافه، أو فيروس مقتول، أو فيروس أعيدت هندسته. أو باستخدام التكنولوجيا الحديثة -ليس بمعناها المفهوم انما بتطبيقها العملي على البشر- وهي تكنولوجيا ال-mRNA والتي وصل التطبيق العملي لها للقاحي "فايزر-بيونتيك" و"موديرنا".
في هذه التكنولوجيا يتم اختيار مقطع من RNA فيروسي وتصنيعه، ومن بين معيقاتها الكبرى عدم استقراريتها، وأنها عرضة للتفكك خلال عملية انتقالها من موقع الجرعة الى داخل الخلايا. وقد تم التغلب عليها عن طريق تطوير صيغ وتراكيب يتم من خلالها تغليف اللقاح عن طريق جسيمات "النانو". حيث تحمله هذه الجسيمات وتنقله محميًا من موقع الجرعة الى داخل الخلية، وجاء ذلك بعد عمل لسنوات طويلة وتظافر جهود جبارة ما بين العلوم المتكاملة والتكنولوجيا. وهو ما سمح لجهوزية اللقاحات في هذا الوقت القياسي. فان البشرية محظوظة بامكانية التغلب على مثل هذه العوائق.
هناك رأي أن الدول تعجلت في طرح اللقاح لمواطنيها، هل هذا الرأي صحيح من وجهة النظر العلمية؟
كان من الواجب على الدول المسؤولة عن صحة مواطنيها أن تتعجل وتعطي الأولوية لهذه القضية، فقد خصصوا مليارات الدولارات، وأوقفو مرحليًا برامج بحثية أخرى، ودعموا الجامعات ومراكز الأبحاث المعنية بهذه اللقاحات. كما ظهر تعاون حثيث ما بين القطاع الخاص والحكومات ومراكز الأبحاث-الجامعات.
لا أعتقد أن هناك تأثير سياسي على القرارات العلمية، حيث تعود سرعة انتاج اللقاح الى اعطائه الاولوية القصوى على مستوى الدول، ووجود علوم متقدمة وتكنولوجيا متاح.
كانت الخبرات والعلوم والكفاءات متوفرة، وقد تمت ترجمتها لمنتجات حقيقية مفيدة للبشر عن طريق تمكينها وتوفير كافة الموارد اللازمة لذلك.
أستبعد تدخل الحكومات في النتائج العلمية، وذلك لأننا نتحدث عن دول ديموقراطية يستطيع مواطنوها محاسبتها وحتى اسقاطها إذا ثبت أنها تدخلت أو تلاعبت في النتائج.
أيضاً لدى طيف من الناس تخوفات من اللقاح من جهة أن يكون له آثار جانبية، كيف يمكن توعية الناس بهذا الاتجاه؟ وهل فعلا للقاح آثار؟ وهل هي معتادة ويمكن علاجها؟
تخاف الناس عادة من الأشياء الجديدة، لكننا في هذا الجزء من العالم دومًا ما نوجه الخوف نحو نظرية المؤامرة. من حق الناس ان تتساءل انما من واجب المسؤولين والإعلام أن يبددوا هذه المخاوف بالمعلومات الحقيقية والموضوعية.
ما أقوله بمعرفتي ومن خلال اطلاعي، أن اللقاحات التي صنّعت على أساس "RNA" مثل "فايزر-بيونتيك" (الذي تم اقراره) و"موديرنا" (على الطريق نحو الاقرار) أنها من أكثر اللقاحات مأمونية. السبب بسيط، وهو أنه لا يتم اعطاء الانسان أي فيروس مضعف أو مقتول أو مغير، انما يتم اعطاؤه مقطع من "RNA"، وهو بطبيعته تركيبة غير مستقرة في جسم الإنسان وستفكك نهائيًا بعد فترة من الزمن.
أما ما تم الحديث عنه من أعراض جانبية كالحرارة لمدة 24 ساعة أو 48 ساعة، أو وهن في العضلات، أو انتفاخ موضعي في مكان الجرعة، فهو لا يتعدى الأعراض الجانبية لأي مادة تحفز الجهاز المناعي، وهو متوقع من ردة فعل جهاز المناعة على مادة غريبة تم ادخالها للجسم.
نتحدث اذا عن أعراض جانبية عادية وغير مقلقة وفقاً لما يصل من معلومات، وبإمكان الناس الاطلاع على المعلومات وهي تنشر على الشبكة العنكبوتية أمام الجمهور. أما بالنسبة للأعراض بعيدة المدى فليس بالامكان التعرف عليها أو جزم أو نفي أي منها حاليًّا.
في فلسطين، تحدثت وزارة الصحة أن الدفعة الأولى من اللقاح ستصل بداية العام المقبل، برأيك ما هي الفئات التي يجب أن يكون لها الأولوية في تلقيه؟ وما هو المطلوب لتحقيق عدالة في توزيعه؟
الأولويات عالمياً تعطى لفئتين: العاملين في القطاع الصحي الذين يتعاملون مع مرضى "كوفيد 19" بشكل مباشر، والناس الذين لديهم أمراض وعوامل تتعلق بضعف المناعة مثل كبار السن ومرضى السرطان، ومرضى الضغط والقلب والكلى والإيدز وغيرها.
العدالة في توزيع اللقاح تتحقق بناءً على معايير واضحة وشفافية، وعلى البيانات والمعلومات الواضحة والصحيحة حول كل شخص يتلقى اللقاح.
ما الذي يمنع من أن يكون في الوطن العربي جهود لصناعة لقاحات، رغم وجود باحثين وكفاءات مهمة؟ أم أن الموضوع متعلق بالإرادة السياسية؟
كورونا وغيرها (من المتوقع أن تحصل جائحة بكتيرية وليس فيروسية في المستقبل) عرّت وجود أي علم في الوطن العربي. وجود الكفاءات لا يكفي، يجب أن تبنى لها منظومة وحولها بيئة كاملة مساندة حتى تحقق إنجازات.
من يتوجه لدراسة علم المناعة في ألمانيا مثلا يحصل على علم مناعة كما يحصل الألماني عليه، لكنه حينما يعود إلى بلادنا يتم وضع "جهاز مناعة ضد العلم" حوله. وذلك نتيجة الظروف المحيطة.
هذا الموضوع بحاجة لنقاش علمي موضوعي. لكنه من الواضح أن للسياسة، وترتيب الأولويات، والدعم المالي، والتجهيزات دور مهم.
هل مصاب كورونا يتم تلقيحه أم لا؟
اذا كان مصاب سابق ومضى على إصابته 90 يوماً ينصح بتطعيمه، أما إذا كان مصاب حالياً فعليه أن ينتظر فترة 90 يوماً. واذا تلقى مصاب كورونا علاجات من نوع الأجسام المضادة، أو البلازما، فعليه كذلك أن ينتظر 90 يوماً ثم يتلقى اللقاح.
وتجب الاشارة بأنه لا ينصح لمن تلقى لقاح من نوع فايزر مثلاً أن يتلقى لقاحاً آخر من انتاج شركة أخرى.
ماذا عن من لديهم حساسية مفرطة؟
الناس الذين ظهرت لديهم حساسية مفرطة أو ردة فعل قوية جدا لجهاز المناعة، فيجب أن يتم رفع تقرير مباشر للجهة التي أعطتها اللقاح وهي بدورها تبلغ مصدر اللقاح.
هل يسمح للسيدة الحامل أو المرضع تلقي اللقاح؟
لا يوجد معلومات كافية حول هذا الموضوع، إذا كانت من الطواقم الصحية لا مانع من أن تتلقى التطعيم، هذه القضايا سترد عنها معلومات إضافية في الوقت القريب.
متى يجب تلقي الجرعة الثانية؟
إذا أخذ الإنسان الجرعة الأولى اليوم مثلا فيجب عليه أن يتلقى الجرعة الثانية بعد 21 يوما، وإذا فاته يوم أو يومين فينصح بأن يأخذ الجرعة الثانية متأخرًا وليس تلقي الجرعة الأولى مرةً أخرى.