فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي والإمارات، عن اتفاق يخرج علاقاتهما إلى العلن، أعاد طرح عدة قضايا حول تأثير الحراك التطبيعي المتزايد، على القضية الفلسطينية، وكيف يمكن مواجهته، وهل سيحمل المستقبل مزيداً من مشاريع "تطبيع" العلاقات مع الاحتلال؟
في هذا الحوار الذي أجرته "قُدس الإخبارية"، مع طالب الدكتوراة بجامعة بيرزيت والباحث في العلوم السياسية والاجتماعية، عبد الجواد حمايل نبحث هذه القضايا من مختلف زواياها:
في البداية، لماذا اختار نتنياهو هذا التوقيت للإعلان بشكل رسمي عن علاقات كانت تجري منذ سنوات طويلة؟
التوقيت يرتبط بعدة أمور، أهمها حاجة "إسرائيل" وأمريكا إلى إنتصار دبلوماسي وسياسي، في ظل ثالوث من الفشل، وتصاعد الاستقطابات الداخلية: فشل في إدارة أزمة الكورونا، والتبعات الاقتصادية للإغلاق، وفي سياق الولايات المتحدة في إدارة العلاقات العرقية.
نتنياهو يحتاج إلى انتصار في ظل خطر المحكمة، الذي ما زال يزعزع من إمكانية بقائه في الحكم، ويحتاج أيضا إلى مسوغ مقنع لتأجيل قرار الضم، خاصة مع القوى اليمنية التي تضغط باتجاه ضم أجزاء واسعة من الضفة.
هذه الأزمات تلقى بظلالها وإعلان عن اتفاق مع أول دولة عربية خارج دول الطوق، هو انتصار نفسي ومعنوي يساهم في إعادة الثقة في قيادة رئيس الوزراء نتنياهو.
دائماً يحضر في الأحاديث عن المنطقة، فكرة وجود تحالفات متقابلة.. هل تشكل خلال الفترة الماضية تحالف بقيادة الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف سيكون تأثيره على القضية الفلسطينية والمقاومة بشكل عام؟
هناك معركة على الوعي العربي وهي معركة مهمة، بالحقيقة بدون هذا العمق، ستتعرض القضية الفلسطينية أزمة وجودية تهدد أركانها وامكانية بقائها كمقولة قابلة للتحقق.
المنظومة الخليجية تمتلك أدوات التأثير والمنابر الاعلامية والقدرة على خلق "ثقافة التطبيع"، وليس فقط في منظومة التحالفات التي يتم صياغتها اليوم بالمنطقة، في ظل إمكانية تدهور الأمور إلى حرب مفتوحة.
برأيي هذا الخطر الاكبر، لأن تحالف القوى الخليجية مع "إسرائيل" ليس بجديد، واستعدادية قوى الخليج للتحدث، والتعاطي، والتعاون مع العدو، هو أيضاً ليس بجديد، فهذا ينبع من دور وموقع الرأسمال الخليجي، في السوق العالمية وتحالفها العلني مع الولايات المتحدة.
ما يدفع باتجاه التطبيع العلني اليوم هو أمرين: غياب لقوى عربة الرافضة للتطبيع خارج الاصطفاف الإيراني-السعودي، وسياسات العجز التي أسست لها السلطة الفلسطينية.
في العلاقات السرية أو العلنية بين الاحتلال والدول العربية غالباً ما يتصدر رئيس الموساد الزيارات أو الاتصالات، على ماذا يدل هذا؟ وهل أساس العلاقات أمني؟
لأن بدايات العلاقات الخليجية كانت سرية فكان يتم التعاطي معها، من خلال الموسا،د وليس من خلال وزارة الخارجية.
هذا يدل على مستوى كبير من التعاون الأمني والمخابراتي القديم نسبيا والتي ساهمت العديد من دول الخليج في إرسائه بما فيها البحرين والسعودية والإمارات وعُمان وقطر.
في سياق اخر، ماذا أمام الفلسطيني أن يفعله لمواجهة هذه من التطبيع مع الاحتلال؟ أقصد على المستوى الشعبي والفصائلي؟ هل نحن بحاجة لدبلوماسية فلسطينية جديدة تتواصل مع الشعوب؟
نحن بحاجة لبناء قوتنا وهذا يتطلب التخلص من المنحى الاستسلامي والعاجز، الذي أخذته تيارات واسعة من القيادة السياسية الفلسطينية، ولكن هذا لا يعني عدم خوض غمار الحرب، على الوعي في العالم العربي، من خلال الإعلام والتواصل، وبناء الحركات الاجتماعية والسياسية المشتركة والعابرة للحدود القطرية، أو التحالف مع بعض هذه الحركات أينما وجدت في العالم العربي.
هناك من يقول أن الارتباط الوجداني والعقائدي بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، ما رأيك؟ وما هي الأسباب في حال كان هذا حقيقياً؟
لا أعتقد انه حقيقي، لطالما كان هناك تيارات عربية أرادت التخلص من ما رأته عبء القضية الفلسطينية، وعادة ما ارتبطت تلك التيارات مع مصالح طبقية محددة في الدول العربية، رأت في الهدوء والسلام مدخلاً لاستمرار نفوذها الاقتصادي والاجتماعي، ورأت في اسرائيل وامريكا قوى تستطيع توظيفها في صراعاتها الداخلية، أي في "الاستقواء بالأجنبي".
على الصعيد الوجداني، غياب الفلسطيني عن القتال والفاعلية في مواجهة الاحتلال، والتحول الدموي في المنطقة، جعل من فلسطين أقل حضوراً. عندما تدمر اليمن، وسوريا، ومصر، وليبيا، والعراق فإن الشعوب العربية تلتفت للكثير من المشاكل التي تربط بحياتها اليومية وقضاياها المباشرة، ولكن واهي من يعتقد أن فلسطين وحدت العرب يوماً من الأيام، الانقسام حول فلسطين بدأ منذ أن حل أول مستوطن على أرضنا.
اعتقد أن أكبر دليل على مكانة فلسطين، هو نقاط الحديث التي توظفها الأنظمة العربية في محاولتها كي الوعي العربي، ينطلق غالبيته من منطق وطني وعروبي، فهو يخون الفلسطيني ليبرر خيانته، ويحاول من خلال شيطنة فلسطين ابعاد العربي عن قضية فلسطين.
برأيك، هل فشلت فصائل المقاومة الفلسطينية في بناء شبكة علاقات عربية وإسلامية ومع شعوب المنطقة على اختلافها لمواجهة تغلغل الاحتلال في أكثر من مكان؟ أم أن الظروف أكبر من قدرتها على ذلك؟
الظروف أكبر من قدرتها، المنظومة الاعلامية والاقتصادية والثقافية الخليجية، ارتأت خلق عداوات جديدة في مواجهتها العلنية والمفتوحة مع إيران، واستحضرت بهذا الصدد تقسيمات دينية على شاكلة سني وشيعي، ساهمت هذه العدوات في خلق الانقسامات العربية الكبرى التي نراها وجعلت من التطبيع العلني ممكناً.
المقاومة الفلسطينية لعبت دور موحد ومانع، ولكن بغياب قوى مناهضة للتطبيع في دول الطوق وأخص بالذكر مصر، فإن المقاومة لم يكن بقدرتها بناء سد منيع أمام التحول في الذهنية الخليجية تجاه العدو.
في المقابل، هل فشلت أو أخفقت الثورات العربية في تصدير موقف واضح من القضية الفلسطينية، وربط كل قضايا التحرير بالمنطقة بمقاومة دولة الاحتلال الإسرائيلي؟
المثير للاهتمام في قضية الانتفاضات العربية أن العديد من نشطاء ومناضلين تلك الانتفاضات، والعديد من الحركات السياسية التي تبوأت موقعاً متقدماً، كان أساس وبدايات نشاطها هو في العمل لأجل القضية الفلسطينية خاصة في مصر.
اليوم تعتقل مصر العديد من النشطاء في حركة المقاطعة مثلاً، مدركة خطورة استحضار قضية فلسطين، ودورها الوجداني والسياسي في المجتمع المصري.
الإشكالية الكبرى برأيي، فلسطين من ناحية تم توظيفها لبناء شرعيات سياسية لبعض الانظمة الاستبدادية، وجعلت من الفئة المنتفضة (شرائح منها) تهرول نحو التطبيع، وساهم بذلك التمويل الخليجي في هذا السقوط الحر.
بينما كانت فلسطين أيضا حاضرة في خلفيات الانقلاب على الانتفاضات، وفي خلفية المصالح التي لم تريد للمجتمعات العربية أن يكون لها كلمتها الحرة فيما يتعلق بقضيتها الكبرى، أي في القوى التي يمكن إدراجها تحت مظلة "المضادة للثورة" .
بالنهاية حتى لو أراد العرب التخلي الكامل عن فلسطين، فإن "إسرائيل" لن تتركهم وحدهم، وبالحقيقة لا يمكن تخيل تغييرات اجتماعية واقتصادية جذرية في العالم العربي، دون تفكك القوى التي تريد الإبقاء على الوضع القائم في الاقليم، خاصة الإمارات، والسعودية، و"إسرائيل"، الرأسمال الخليجي ورأس الحربة العسكري (اسرائيل).
. بهذا المعنى فلسطين ليست فقط تشبث العرب بسرديات العروبة والنفس الوحدوي القومي، هذا الشعور بالانتماء لأمة كبرى على أهمية هذا الشعور ودوره المركزي، ولكن القضية هنا أن قوت المواطن العربي، ونمط حياته والبنية الاقتصادية ترتبط بأمن "إسرائيل"، والحفاظ عليها خاصة في دول الطوق، ولكن أيضا في العالم العربي الأوسع.
اذاً العداء "لإسرائيل" ليس لأجل فلسطين، هو عداء يحقق من خلاله العربي حلمه في العدالة والكرامة والحرية.
مستقبلاً، هل يمكن أن تعلن دول عربية أخرى عن اتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي؟ وما هي؟
برأيي احتمال كبير ان نرى إعلانات مشابهة من الدول التالية: المغرب، والبحرين، وعُمان، والسعودية، وأتوقع أن يكون بعض هذه الاعلانات قبل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر.