لم يعلن رئيس وزراء حكومة العدوّ الصّهيونيّ عن خطواته التي كانت متوقّعة في بداية تموز/يوليو لإخضاع المزيد من الأراضي الفلسطينيَّة في الضفة الغربية إلى قوانين "الدولة" الصهيونية فيما يُعرف بـ"الضمّ"، وهذا لا يعني أنه تراجع عن وعوده الانتخابية ومشروع اليمين الصهيوني الحاكم في "إسرائيل"، ولكنّه قد ينتظر ظروفاً أفضل بما لا يتجاوز ما تبقى للفترة الرئاسية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ساهم الموقف الفلسطيني في إحباط خطوة نتنياهو، ولو جزئياً، على غرار الانتصار في معركة البوابات في المسجد الأقصى في تموز/يوليو من العام 2017، عندما اتّحدت الجهود الفلسطينية لمواجهة الخطوة الإسرائيلية، فقد أوقفت السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني، وعملت على تعطيل الاتفاقيات مع "دولة" العدو، وهو مطلب شعبي منذ زمن، فالشعب الفلسطيني ينبذها ولا يقبل بها.
وفي تقديري، إنّ رسالة المقاومة الفلسطينية متمثّلة ببيان الناطق العسكري لكتائب القسام "أبو عبيدة"، بأنّ خطوة الضم هي إعلان حرب، دفعت المؤسّسة الأمنية والاستخبارية إلى رفع وتيرة التحذيرات للقيادة السياسية، في الوقت نفسه الذي لا يرغب العدو في الدخول في مواجهة عسكرية مع المقاومة في قطاع غزة، وخصوصاً في ظل انتشار جائحة كورونا، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وغياب أية رؤية استراتيجية لجهات صناعة القرار لدى العدو الإسرائيلي.
نجحت جميع القوى الفلسطينية والمكوّنات الشعبية في قطاع غزة في إظهار صورة قد تكون الأولى من نوعها في مشاركة القوى والفصائل كافة، بما فيها القوى التي تتهمها فتح بالانشقاق عنها، ولم تكن تقبل أن تجلس وإياها على طاولة واحدة، من خلال تنظيم مؤتمر "الضم يوحّدنا"، والفعاليات الشعبة المناهضة للقرار الصهيوني، في ما يعزّزه قطاع غزة بأنه طليعة المشروع الوطني الفلسطيني وخزانها الثائر.
وحتى يكتب للخطوات الفلسطينية النجاح، لا بدّ من أن تتَّحد وفق استراتيجية المقاومة الشاملة في مواجهة العدو الصهيوني، إلا أنَّ هذه الخطوات ما زالت تُجابه بالرفض من قبل السلطة الفلسطينية، التي لا تؤمن إلا بمسار واحد هو مسار التسوية، ومناهضة العدو عبر الأنشطة السلمية والجهد الدبلوماسي الدولي، ولكن ذلك لا يمكن له أن يراكم في مشروع التحرير، ويرغم العدو على التراجع والاندحار من أرض فلسطين، إضافة إلى فلسفة مكافحة الإرهاب الدولي، التي تشمل ملاحقة قوى المقاومة، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله اللبناني.
في المقابل، يعيش قطاع غزة حالةً من الردع مع العدو الصهيوني، نتيجة استخدام قوة السلاح التي لا يفهم غيرها، كما نجح القطاع في خلق حالة من الاستنزاف لقوات جيش العدو، بسبب خشيته المتواصلة من انفجار الأوضاع تجاهه، كما استخدمت قيادة المقاومة في قطاع غزة المقاومة الشعبية بأدواتها المتنوعة.
ربما يطرح البعض هنا تساؤلاً: لماذا لا تشعل المقاومة في قطاع غزة المواجهة مع العدو؟ وإلى متى ستستمرّ مراكمة القوة من دون استخدامها في مواجهة الضم؟ سلوك المقاومة اليوم مرتبط بمراكمة القوة وتطوير قدراتها القتاليّة والاستخباريّة. ثمة ظروف محيطة معقَّدة تحتاج إلى تقويم في الحالة الفلسطينية، فالعمل المقاوم إذا ما دخل في مواجهة دائمة مع العدو، قد يساهم في تراجعها واستنزافها، في وقت لا تتحرك الساحة الأخرى. في انتفاضتي الحجارة والأقصى، عندما كانت الساحات مشتعلة، كان قطاع غزة في طليعة العمل المقاوم على درب العمليات النوعية والشهداء.
نحتاج إلى استراتيجيّة فلسطينيّة تتبنّى المقاومة الشاملة، وإلى العمل المشترك في الميدان القتالي والسياسي. لدينا تجارب سابقة، لعلّ أبرزها انتفاضتا الحجارة والأقصى، على الرغم من اختلاف البرامج والأفكار السياسية، وربما الإيديولوجية، ولكن كان هناك توافق على شكل المقاومة ونوعها، وهي الّتي أجبرت الاحتلال على الانحصار واللجوء إلى اتفاق سلام. وفي انتفاضة الأقصى، أجبرته على الانسحاب من قطاع غزة.
وعلى الرغم من حالة الحراك في المشهد الفلسطيني، وحالة التوافق حول برامج عمل مشتركة بين حركتي حماس وفتح، وانخراطهما مع القوى الفلسطينية، غير أنَّ السلطة الفلسطينية، متمثلة بالرئيس عباس، لن تغيّر من أدواتها في مواجهة العدو. لن يستمع الرئيس إلى صوت ناصر فارس الذي قال: "البارودة والرشاش اللي بحلّوا القضية"، وستعمد السلطة إلى مواصلة جهودها في المساعي الدولية، عبر طلب مؤتمر دولي للسلام، وتقديم المواقف المناهضة للمقاومة وأسلوبها.