فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: كان لهزيمة حزيران 1967 أو ما أصبح يعرف لاحقاً "بالنكسة"، تأثيرات بالغة على الواقع الفلسطيني والعربي، وقادت لنتائج متنوعة من ضمنها على المقاومة الفلسطينية التي صعدت وزادت نشاطها فيما بعد.
في هذا الحوار مع الباحث في تاريخ المقاومة الفلسطينية، بلال شلش حديث عن جزء من المرحلة اللاحقة "للنكسة" وكيف بنى الفلسطيني مقاومته:
بدايةً، كيف تعامل الفلسطينيون مع هزيمة 1967؟ وكيف انعكست على حياتهم؟
قبل الإجابة أود تسجيل ملاحظة، أن ما أقدمه من إجابات هنا، إجابات أولية تعتمد على درس ما زال محدودًا، آمل أن يتطور خلال الأيام المقلبة، وللأسف موضوع حرب 1967 كما بقية الحروب التي خاضها أهل فلسطين لم يدرس درسًا أساسيًا، فضلًا عن الدرس التفصيلي كما يليق بمثل هذه الحوادث التي تركت بصمتها الجلية على فلسطين وأهلها وعلى جوارها العربي، خصوصًا الحرب العالمية الأولى على جبهة فلسطين، حرب 1947-1949، حرب 1967.
وفي الإجابة، الهزيمة لأهل الضفة الغربية خصوصًا، يظهر أنها لم تكن لمعظمهم بالحد الأدنى، حدثًا منتظرًا، رغم أن كل المؤشرات على الأرض كانت تؤكد حدوثها، فحوادث الاقتحام الصهيوني للمناطق الحدودية لم تتوقف، واشتدت مع اشتعال الجبهة من جديد بفعل النشاط الفدائي المدعوم من سوريا آنذاك. وكان الجميع يعرف قدرات الحرس الوطني، وكذلك قدرات الجيش الأردني في مناطق الضفة الغربية، لكن ذلك لم يمنع الناس كما يبدو من الأمل، خصوصًا في ظل التحالفات التي انعقدت قبل الحرب، وانتظار الناس لمصر.
هذا الأمل ترك كما يبدو صدمة كبيرة في عموم الناس، خصوصًا بعد السقوط السريع لمعظم مناطق الضفة الغربية، واقتصار المقاومة على مواضع محددة ولمدد قصيرة.
كيف شكلت الهزيمة دافعاً للفلسطينيين من أجل إطلاق حركة مقاومة جديدة ضد الاحتلال؟
الهزيمة أتت لتثبت مقولة "فتح" وأخواتها من منظمات العمل الفدائي الفلسطينية، التي انطلقت أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات. بضرورة أن يأخذ الفلسطينيين زمام المبادرة، وأن يتجاوزا مرحلة الانتظار، التي صبغت المرحلة التالية للحرب بفعل تحولات سياسية وفكرية مختلفة شهدتها الدول العربية وأثرت على بقية أهل فلسطين.
من جانب آخر، في حالة الضفة الغربية، عنت الهزيمة تفكك كل بنى السيطرة الأمنية القائمة، فبعد تفكك البنية الأمنية الأردنية التي أنهت وحاربت لأسباب مختلفة كل أشكال العمل الفلسطيني العسكري المنظم، وحداثة الاحتلال، كان من الممكن تأسيس بنى مقاومة جديدة، وبشكل سريع، والاستفادة من تركة الحرب، والهزيمة من أجل إطلاق فعل عسكري مقاوم، يقول بأن الفلسطيني الفدائي ما زال قائمًا، وأن معركته بدأت.
هل كانت "النكسة" فرصة أمام الفلسطيني للتحرر من سطوة الأنظمة العربية والتحرك بحرية أكبر في المقاومة؟
بكل تأكيد شكلت مثل هذه الفرصة، فبالإضافة لتفكك بنى الأجهزة الأمنية في بلدان الطوق المتأثرة بالهزيمة، وخصوصًا في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك تأثر الضفة الشرقية بالهزيمة وتباعاتها، توسع الغطاء الرسمي العربي المساند للعمل الفدائي، والذي توج بدعم مطلق مكن المنظمات الفدائية من السيطرة على قيادة منظمة التحرير بعد معركة الكرامة في أذار/ مارس 1968.
في مقابلة مع الشهيد غسان كنفاني، اعتبر أن المقاومة انطلقت بشكل أقوى وأكبر في قطاع غزة من الضفة المحتلة نتيجة أسباب مختلفة من بينها تسليح النظام المصري للأهالي في القطاع مقابل محاربة الحركة الوطنية في الضفة، ما رأيك بهذه المقاربة؟
بصورة أولية، أظن أنه لم تتوفر بحدود علمي، دراسة تفصيلية مقارنة لحجم المقاومة في الضفة والقطاع. وكل المؤشرات تؤكد أن المقاومة المسلحة في الضفة الغربية لم تكن أقل من القطاع، ولم يسبق القطاع الضفة بها، ويمكن رصدها في العمليات اليومية التي تصاعدت وتيرتها مع مرور الوقت، ويمكن ملاحظاتها برد فعل العدو، من نسف للمنازل وملاحقات وقمع.
النقطة الثانية، مقاربة الشهيد كنفاني تركز على وجود تمايز بين المصري والأردني، ورغم أن مثل هذا التمايز موجود، إلا أنه من الضروري عدم الاقتصار على مثل هذه المقاربة، وتجاوزها لبحث العوامل الداخلية التي قد يكون لها أثر أكبر في وأد تجربة المقاومة العسكرية الفلسطينية المبكرة بعد الاحتلال، خصوصًا في الضفة الغربية، ورغم وجود مداخلات فلسطينية نقدية لهذه التجربة، أي المقاومة العسكرية المبكرة، إلا أنها بقيت مداخلات محدودة، وأهمل فعليًا الدرس الجدي لتقييم هذه التجربة، الذي حرم الفلسطينيين من إنضاج تجربتهم العسكرية، وأسهم في هزائم تالية أسست لسيل التراجعات التالية.
ماذا كان دور تشكيلات مثل جيش التحرير الفلسطيني وقوات المقاومة الشعبية في قطاع غزة بتفعيل المقاومة بعد هزيمة 1967؟
الدور الفاعل لجيش التحرير الفلسطيني في القطاع قبل الهزيمة، أثمر في المقاومة المنظمة التالية للاحتلال، لكن في المقابل كانت الضفة الغربية بعد الهزيمة بفعل تفكك بنى السيطرة الأمنية السابقة ساحة مفتوحة لكل النشاط، ونجحت الفصائل المختلفة في ادخال كم كبير من السلاح والرجال، قد يوازي ويفوق ما وجد في القطاع، لكن لم توجد في الضفة القيادة العسكرية الناضجة التي ربما وفرها جيش التحرير في غزة، ووجد في معظم الأوقات قيادة تبحث عن "الصورة" أكثر من سعيها ل"الفعل". وهذا عجل في قدرة الصهاينة على وأد المقاومة المبكرة بسرعة كبيرة جدًا، وتوجيه ضربات استباقية قاتلة.
ما هو الدور الذي قامت به حركة فتح وحركة القوميين العرب والتنظيمات التي انطلقت قبل النكسة في إشعال المقاومة بالضفة والقطاع؟
قبل الهزيمة في الضفة الغربية لم يكن من بناء تنظيمي فلسطيني منظم، إذا فككت السلطات الأردنية معظم البناء التنظيمي للفصائل الفلسطينية المختلفة، التي من المفترض أن تشكل المقاومة الفلسطينية المبكرة، لكن الهزيمة وتفكك هذه المنظومة سمحت للفصائل الفلسطينية وعلى رأسها فتح، بأخذ زمام المبادرة سريعًا، كما أن حجم الهزيمة الكبير، وقناعة الناس بضرورة التوجه للعمل الذاتي، أي أن يأخذ الفلسطينيين زمام المبادرة للدفاع عن أرضهم، وهي القناعة التي سبق لأهل غزة أن أدركوها مبكرًا بعد احتلال تشرين أول/ أكتوبر 1956. هذه القناعة دفعت بالكثير من الشبان لمعسكرات تدريب المنظمات الفلسطينية المختلفة، والانضمام للعمل الفدائي. وبحلول آب/ أغسطس 1967 كانت الضفة تشتعل، لكن للأسف تم وأد هذه الشعلة مبكرًا، بعد نجاح الاحتلال في تطوير منظومة السيطرة، والاستفادة من المنظومة الأمنية السابقة، وبعد عجز الفصائل الفلسطينية عن تطوير أساليب، وتكتيكات، وبنى تنظيمية، تمكن من استمرار المقاومة لفترة طويلة، واثخنت الجراح المبكرة، خصوصًا الحجم الكبير للشهداء والأسرى، في التراجع الفعلي لأثر هذه المقاومة في داخل الأرض المحتلة.
هل كان المجتمع الفلسطيني في حينها مستعداً لإطلاق حركة مقاومة فاعلة ضد الاحتلال؟
تفاعل الناس مع الفعل المقاوم المبكر يؤكد وجود مثل هذا الاستعداد لدى عمومهم، وفعليًا تحولت المقاومة الفلسطينية خلال الشهور التالية للهزيمة إلى ممثل الناس ومنظمهم الرئيسي. ويشير حجم الشهداء والأسرى الملتحقين بالمقاومة المسلحة خلال سني 1967-1970 الاستعداد الكبير لمن بقي من أهل فلسطين المحتلة لمثل هذه المقاومة.
ماذا كان دور الكوادر السياسية التي خرجت من السجون وقتها في إطلاق المقاومة؟
أساس الفعل العسكري المقاوم المبكر، ارتبط بشخصيات كانت معتقلة سياسيًا، خصوصًا في الأردن، فمع الهزيمة فتحت السجون أبوابها وخرج الجميع، معظم تنظيم فتح في الأردن كان في المعتقلات خصوصًا بعد أحداث السموع في تشرين الثاني/ نوفمبر 1966، وكذلك كانت الأردن قد أنهت الوجود الفعلي لتنظيم القوميين العرب ووجهت له ضربات متتالية، وفككت بنيته بشكل كامل.
معظم هذا الكادر المعتقل، خرج من السجن ليعود إلى الأرض المحتلة مقاتلاً.