كثُرت التعليقات والشتائم التي أمطرها معلمو الفيزياء من جهة والطلاب وأولياء الأمور من جهة أخرى، وما رافقه من حالات بكاء متواصل وصلت لدرجة الإغماء لبعض الطلاب، مما اقتضى النظر بصورة موضوعية وتكاملية لامتحان الفيزياء خاصة، وربما امتحان الثانوية (التوجيهي) عامة.
من المؤكد أن مشرف الفيزياء الذي كتب امتحان الفيزياء لهذا العام أبدع في انتقاء الأسئلة وتحليلها وتمحيصها، وخرجت بصورة تليق بامتحان وزاري، وربما هو ذاته واضع أسئلة العام الماضي، لأنها متقاربة جداً من حيث تميز الأفكار الجديدة والانتقائية والابداع، ولكنة أغفل أموراً كثيرة أبرزها:
أولاً: جائحة كورونا
السنة الماضية كانت سنة طبيعية، أما السنة فهي ليست بالعادية في ظل الجائحة، فقد كتب الامتحان في شهر شباط الماضي وقبل جائحة كورونا وما مر به الطلاب من أزمات نفسية ناتجة عن الأخبار والحجر المنزلي، وانقطاع الدراسة، وأنهم لم يتقدموا لامتحان تجريبي في المدراس ولم يختبروا مقاعد الامتحان، والاختبارات الإلكترونية وما رافقها من انقطاع التيار وضعف النت ومشاكل التعلم عن بعد، بل إن بعض المعلمين للأسف لم يزودوا طلابهم بالإجابات النموذجية، فأصبح التجريبي كأن لم يكن.
وعندما تقرر الامتحان الوزاري كل ما تم عمله هو إلغاء الأسئلة التي تم حذف موادها، والاكتفاء بوضع الامتحان المتعوب عليه كما هو..؟؟؟ علماً بأن الوزارة تعهدت بأن يكون الامتحان من الكتاب المقرر وسهل وتم طمأنة الطلاب بسهولة وبساطة الامتحان "الصعب".
ثانياً: الوزن النسبي للامتحان قل مع بقاء المهارات المطلوبة كما هي
امتحان التوجيهي بصرف النظر عن المادة، لا بدّ وأن يحثّ على التفكير، ولكن المشكلة أنه ومنذ عام 2006 وحتى اليوم تم تقليص حصص وعلامة الفيزياء، فبعد أن كانت تعلم (5) حصص أسبوعية أصبحت (4)، وبعد أن كانت علامة الفيزياء (160) أصبحت (100)، ولكن لم تختلف المهارات المعرفية المطلوبة من الطالب، ونحن نريده أن يفكر بشكل أفضل ويبدع ويحلل دون أن نتعمق في تعليمه المهارات المطلوبة، فأين الإنصاف؟؟
ثالثاً: أسئلة هذا العام
بعد التواصل مع عدد من المعلمين البارزين في محافظتي القدس وبيت لحم، أجمعوا بأن الامتحان يحتوي على كم كبير من الأفكار المختلفة والمتنوعة والتي تصلح لتوزع على أكثر من امتحان، فيما ذكر أحدهم أن السؤال الأول بند رقم (6) مثلاً كان منقوصاً، ولا بد وأن يوضع محور الدوران، فيما أضاف أستاذنا القدير ثروت طهبوب، بأنه تبين وجود خلل في صياغة السؤال الرابع (ب) المترجم عن الإنجليزية ترجمة حرفية مع نفس الرسومات، وأضاف زميل آخر هل وصلنا لمرحلة نقل الطلاب من دراسة الكتب المساعدة إلى البحث في الكتب الجامعية؟؟ وهنا أتساءل إذا كان واضع الأسئلة يرى نفسه مبدعاً ومفكراً، ويريد تحفيز الطلاب على التفكير، ألم يكن من الأجدر أن يفكر هو ويبدع بوضع سؤال مبتكر، لا منقولاً عن الانجليزية.. ؟؟ فإن كنت تريد طلاباً مبدعين يا ليتك تبدأ بنفسك.
ثالثاُ: خلل في زمن الامتحان
أجمع الأساتذة الذين تحدثت معهم أن السؤال الأول، وهو (20) بند من نوع الاختيار من متعدد، والتي لا بد وأن تكون الإجابة عليها لا تحتاج لأكثر من دقيقتين، وعادة ما تكون أسئلة ذكاء، أو فكرة من بين السطور، أو حل لا يتجاوز السطرين، احتوى السؤال على "كم هائل" من البنود التي تحتاج لتفكير طويل، وحل طويل، وهو ما كان ينقص الطلاب، ما تسبب في توترهم خاصة المميزين منهم.
إذا أردت أن تضع أسئلة بحاجة لتفكير فلا بد وأن تمنح الوقت الكافي للتفكير، وعندما قررت الوزارة إضافة 15 دقيقة للامتحان، بعض القاعات لم يصلها التعميم للأسف، بينما تم تمديد نصف ساعة لقاعات أخرى، وما رافق ذلك من توتر وضغط نفسي للطلاب خاصة وأنه أول سؤال.
رابعاً: النظام التعليمي
لا نغفل أن النظام التعليمي يدعم الترفيع التلقائي، وأنه انقضى الزمن الذي كان لا يسمح لمن معدلهم أقل من 77% الالتحاق بالفرع العلمي وأن كان ذلك غير كاف أصلاً بل أن بعض المدارس تسمح لمعدل 55% الالتحاق بالفرع العلمي. وهذا العام سيتم ترفيع كل الطلاب في كافة المراحل التعليمية، حتى من لديهم إكمالات الفصل الأول، كل هذا العجز وتطالبهم بما لم يعتادوه على مدار 12 عاما "ساعتان ونصف من التفكير المتواصل".
وعودة لأولئك الذين يركبون الموجة ويقدمون على التعليقات دون أن يكون لديهم أدنى دراية بما يحدث حولهم، فقط الرغبة في التعليق وحسب، ولكل الأشخاص الذين كتبوا "على زماننا قدمنا الامتحان وكان كل الأسئلة من خارج المنهاج"؛ أقول لهم في ذلك العام كان معدلك كافياً ربما ليدخلك كلية العلوم بالعافية، ويا ليتك تنظر في شهادة التوجيهي وتكتب معدلك قبل أن تتحدث.
وأما من علق بأنه "جيل بده حدا يمضغ له اللقمة"؛ أرغب بسؤالك، عندما ترغب حضرتك شراء جهاز جديد، فإن هذا الجيل يعرف تفاصيل التفاصيل عن تشغيله، بينما أنت وغيرك يحتاج لساعتين لقراءة الكتيب المرفق، وفي النهاية تطلب من ابن هذا الجيل أن يشغله. هذا الجيل يفهم في العلوم والتكنولوجيا والانترنت والذكاء الاصطناعي أشواط أكثر من جيلنا، إنه جيل التفكير المنطقي وانعدام الدسائس، والتعميمات، جيل الذكاء المميز.
أما الطلاب فلهم كل التحية، لأنهم وبرغم كل ما يحملون من مقومات لجيل القرن الواحد والعشرين المميز المتفوق؛ لا زالوا يحتملون نظاماً تعليمياً عقيماً، يعتمد على التلقين والحفظ، ويضع أسئلة على الإبداع، فمن يزرع عدساً لن يقطف كرزاً. نظام يحصر تفكيرهم في آلة حاسبة وعدد من التطبيقات، رغم قدرتهم على تحليل أكبر سؤال لمفتش الفيزياء لو كانت الأدوات متاحة لهم.
وفي الختام علامة التوجيهي لم تكن مقياساً لجيل السبعينيات والقرن العشرين فكيف يمكن أن تكون مقياساً لجيل القرن الواحد والعشرين الأكثر تميزاً وإبداعاً.