شكّلت حرب 1973 أو "انتصار العاشر من رمضان" كما يسميه المصريون، نقطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في هذا المقال نرصد عدداً من النقاط المتعلقة بالأداء العسكري للأطراف التي شاركت فيها.
شارون: خط بارليف حماقة
بعد احتلال الجيش الصهيوني لشبه جزيرة سيناء كأحد النتائج المريرة لهزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران 1967، شن الجيش المصري قصفاً مدفعياً تجاه مواقع الاحتلال على طول قناة السويس.
الهجمات المصرية دفعت جيش الاحتلال للتفكير بوضع دفاعي يسمح بالتصدي للهجمات على قواته المنتشرة في المنطقة، وتكون سيناء كعمق دفاعي لدولة الاحتلال أمام أي قوة عسكرية ستتقدم في المستقبل لمهاجمتها.
في العام 1968 كلَف رئيس أركان جيش الاحتلال في حينها حاييم بارليف، لجنة بقيادة الجنرال ابراهام دان لدراسة القضية، وأوصت اللجنة ببناء خط دفاعي ثابت على طول القناة لتأمين القوات الصهيونية من المدفعية المصرية وتوفر لها نقاط مراقبة متقدمة.
شارون عارض فكرة بناء خط دفاعي ثابت واعتبرها "خطأ كبيراً"، وسيجعل من القوات الصهيونية هدفاً ثابتاً للمهاجمين، واقترح تنظيم الدفاعات على الخط الطبيعي للكثبان والتلال الواقعة على بعد 10 كيلو مترات إلى الشرق وتشرف على الشريط السهلي المحاذي لقناة السويس. واقترح بموازاة ذلك تنظيم دوريات متحركة بين القناة وخط الدفاع الأول تتجنب المواقيت المنتظمة، كي لا تقع فريسة للكمائن المصرية.
مشروع "خط بارليف" أثار خلافات شديدة بين شارون ورئيس الأركان حاييم بارليف، وقادت إلى مشادات كلامية في أكثر من اجتماع لقيادة جيش الاحتلال.
بلغ ارتفاع "خط بارليف" نحو 25 متراً، وبعمق يقترب من 10 كيلومترات. وضم 22 موقعاً تحت الأرض، وداخل كل نقطة وموقع طوابق متعددة من السواتر الترابية، والكتل الخرسانية، بالإضافة لمرابض الدبابات وملاجئ للجنود.
كيف فاجأ المصريون جيش الاحتلال؟
رغب الجيش المصري في مسح تفوق الجيش الصهيوني بمجال المدرعات وسلاح الجو عن طريق منظومات الأسلحة المضادة للدروع والطيران، لكن هذه الأسلحة لم تكن توفر للجيوش سهولة حركة في معارك الحركة السهلة والعميقة.
حقق الجيش المصري إنجازه في المعركة من خلال عملية محدودة عبر التقدم نحو مواقع جيش الاحتلال، حتى حد المنطقة المحمية بصواريخ أرض - جو ونشر صواريخ مضادة للدبابات على طوال المنطقة المصرية لحمايتها من أي هجوم مضاد للجيش الصهيوني.
كما رغبت مصر في قولبة حرب تختبر قدرة الصمود لدى الأطراف وقدرتهم على حشد المنظومة الدولية، وكسر قوة الردع التي أرادت دولة الاحتلال تكريسها بعد الانتصارات التي حققتها على مختلف الجبهات.
وأراد الجيش المصري تحقيق نصر سريع في المرحلة الأولى ثم العودة إلى دفاع ثابت قبل وصول قوات الاحتياط لجيش العدو لأرض المعركة.
قبل الحرب، افترض جيش الاحتلال أن القوات المصرية ستنفذ هجوماً إلى عمق سيناء، الأمر الذي سيوفر له فرصة تدمير المدرعات ومركز الكتلة المصرية الأساسي في القتال الكبير، ولكن ما نفذته مصر هو ضربة خاطفة على طول الجبهة المصرية.
لكن الجيش المصري اقترف خلال القتال خطأين: أولهما نقل جزء من احتياطات الأركان العامة من الضفة الغربية لقناة السويس إلى المنطقة الشرقية حيث تنتشر المواقع الصهيونية، وبهذا تقلص الدفاع في الضفة الغربية.
وثاني هذه الأخطاء كان بالانتقال من النمط الدفاع الثابت إلى هجوم متحرك بالمدرعات في المنطقة المفتوحة خارج تغطية الصواريخ المضادة للمدرعات، واستغل جيش الاحتلال ذلك لتوجيه ضربة للقوات المصرية.
على الجبهة السورية
حقق الجيش السوري مع المصري مفاجأة استراتيجية لجيش الاحتلال في توقيت الهجوم، وهي عنصر أساسي في الحرب.
على جبهة الجولان، هاجم الجيش السوري القوات الصهيونية من القطاع الجنوبي، فيما كان يعتقد جيش الاحتلال أن الهجوم السوري سيكون من القطاع الشمالي.
وكان الخطأ الذي ارتكبه جيش الاحتلال هو بالاندفاع لمهاجمة المواقع السورية عبر المدرعات، دون دعم فرق المشاة أو المدفعية، الأمر الذي أوقعها في كمائن للقوات السورية المزودة بالأسلحة المضادة للدروع "قاذفات ار بي حي، ومدافع بازوكا، وصواريخ ساغر".
ولم يتمكن سلاح الجو الصهيوني من العمل بفعالية بالخفة نفسها التي فعلها في حرب 1967، لأن القوات السورية كانت مجهزة ببطاريات صواريخ "سام 3" وصواريخ "سام 6" المتحركة وبالمدفعية المضادة للطائرات.
لكن نتيجة الأوامر التي وجهت للقوات السورية بعدم الانسحاب من مواقعها بأي ثمن، لم تظهر المرونة الضرورية خلال القتال.
وربما يكون لتوقف الهجوم المصري على جبهة قناة السويس، أعطى الجيش الصهيوني فرصة للتركيز على صد الهجوم السوري، وتوجيه ضربة قوية لعدد من القطاعات السورية المهمة وقضم مزيد من الأرض، لكن الانجاز الذي تحقق في الحرب كان نفسياً بعد هزيمة 1967.
من المسؤول عن الإخفاق؟
بعد حرب 1973 شكلت دولة الاحتلال لجنة تحقيق بقيادة كبير قضاة المحكمة العليا "أجرانات"، لمعرفة أسباب الإخفاق في الحرب ومن يقف خلفها.
حمَلت اللجنة مسؤولية الإخفاق بشكل رئيسي لأركان "دافيد إلعازر" وجنرالات آخرين بالإضافة لرئيس الاستخبارات العسكرية "إيلي زعيرا" بحجة عدم توفيره معلومات كافية أمام صناع القرار حول موعد نشوب الحرب.
إيلي زعيرا أصدر بعد سنوات من الحرب كتاباً يعرض فيه انتقادات لاذعة للمستوى السياسي الذي قاد الحرب حينها، وبالتحديد رئيسة الحكومة غولدا مائير ووزير الحرب موشيه دايان.
جاءت المزاعم في كتابه، بأن الاستخبارات العسكرية وفرت أمام قادة الجيش والحكومة، معلومات تفصيلية عن القوات المصرية وأماكن انتشارها والخطط التي من الممكن أن تنفذها خلال أي هجوم محتمل، ولم يكن مطلوباً منها تحديد موعد دقيق للهجوم المصري- السوري، بل كان من الواجب على وزير الحرب ورئيس الأركان تجنيد الاحتياط بناءً على المعلومات المتوفرة حول الحشود العسكرية للسوريين والمصريين قرب الحدود.
كما وصلت معلومات هامة حول نية الجيشين المصري والسوري بتنفيذ الهجوم إلى "غولدا مائير" عبر مسؤول عربي كبير، حسب زعيرا، وقبل ساعات الحرب أبلغ الجاسوس أشرف مراون رئيس الموساد تسافي زمير عن الهجوم.
كانت الخدعة الأساسية التي ارتكز عليها الجيش المصري قبل الهجوم، هي أنه أظهر أن حشوداته العسكرية في المنطقة تهدف لإجراء مناورات عسكرية فقط وليس بهدف الهجوم، وكانت القوات المصرية تتبع التكتيك السوفياتي الذي يسمح بتنفيذ هجوم عسكري من وضع المناورة.
___________________________________
المصادر:
فلاحو سورية، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم، لحنَا بطاطو
النضال حول سجية الحرب، رون تيرا
مذكرات أرئيل شارون
مذكرات إيلي زعيرا