رام الله – خاص قدس الإخبارية: "لقد شاهدت الكثير من قسوة هذا العالم واليوم أخاف أن أموت دون بيت أجر وجنازة أو حتى وداع من أولادي وأحفادي" تخبرنا المسنة حورية نمر البالغة من العمر ٨٩ عاماً وهي تستذكر الأيام التي عاشتها.
تقول، "عشت أيام الانتداب البريطاني، أحضر لي زوجي يومها باباً خشبياً من يافا لا زلت أذكره، وحضرت لما سقطت البلاد ياستي، والنكسة، وفي النهاية أموت بهذه الطريقة"
إنه الخوف .. نحن نخاف وهذا سلوك عادي وطبيعي وُلد معنا نحن نكبر ويكبر خوفنا معنا، وعرّف علماء النفس الخوف بأنّه شعور يُصيب عقل الإنسان المترقب لحدوث أمر سلبيّ له من خطر معين، وقد يكون هذا الشعور حقيقياً، أو مجرد خيال ووهم لا وجود له.
يُعزى سبب الخوف إلى عدة أسباب قد صنفها العلماء، والأطباء النفسيون بأنّها: نواتج محض نفسية وسلوكية يُعاني منها الأفراد الذين يترقبون حدوث شيء ما لهم بالمجمل، وقد تكون اضطرابات هرمونيّة داخلية يُسبّبها وجود خطر محدق بالفعل بالشخص الخائف.
بعد ظهور فيروس " كورونا"، الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية وباءً عالمياً، ووفقا للمعلومات الواردة على موقع "Worldometer"، بلغ عدد الأشخاص الذين توفوا بسبب فيروس كورونا 41 ألفا و237 شخصا، فيما زاد عدد الإصابات عن 837 ألفا حول العالم، ويشكل خطراً حقيقياً على الكبار بالسن وممن يعانون من نقص في المناعةً، بعدما كشفت منظمة الصحة العالمية أن أكثر الفئات عرضة لفيروس كورونا هم كبار السن، وأن المرض يكون أكثر شدة وحدة مما يزيد من احتمالات الوفاة لديهم مقارنة بالشباب والأطفال.
وفي تقرير للإحصاء الفلسطيني بين فيه أن نسبة كبار السن في فلسطين (٦٠ عاماً وأكثر) تشكل ٥٪ من سكانها أي ما يبلغ ٢٣١.٤٣٧ شخص، ولكن كيف كان انعكاس هذا الفيروس والخوف منه على كبار السن تحديداً؟
الأكثر هشاشة
وتوضح لنا الأخصائية النفسية سماح جبر أن كبار السن هم أكثر عرضة للتأثر بتصرفات الأخرين المبالغ فيها، وخصوصاً بعد تداول معلومة أن كبار السن هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا، لأن هذه الفئة حساسة وتعاني من هشاشة نفسية، وأحياناً إدراكية ولعدم إدراكهم كل المعلومات المحيطة بالفيروس، كأن يسمعوا بعدد الوفيات فهذا يؤدي إلى خوف مبالغ فيه، وسيشعرون بدنو أجلهم وهذا يؤدي إلى تقدير عالي من الخوف لديهم ، يمكن أن يتحول على شكل أعراض جسدية كالصداع والغثيان والإمساك وربما ضيق في الصدر والأرق وقلة النوم.
ولكن مفهوم الخوف ربما يختلف بالنسبة لعامل شاب في مقتبل عمره في إحدى قرى مدينة جنين، أزعجته فكرة تعقيم منزله وأخذ فحوصات له بعد عودته من الداخل المحتل ووضعه في الحجر المنزلي الإجباري لمدة أسبوعين هو وعائلته بحجة" أنا مافي شي بلاها هالفضيحة"، كيف يمكن أنا ترتبط حمايتنا نحن وأسرتنا من وباء عالمي بالفضيحة؟
ويبرر لنا تصرف هذا الشاب عاملٌ آخر في الداخل المحتل، يقول محمد قاسم من مدينة طوباس تعامل المجتمع مع عمال الداخل على اعتبارهم بؤرة لنشر المرض، والتعامل معهم بفوقية من قبل البعض، واتهامنا" بقتل أمهاتنا "أدت إلى رفض بعضنا لهذه الإجراءات بالرغم من قناعتنا بأهميتها.
وترى جبر أن الخوف بالمقدار البسيط والصحي وبما يتناسب مع التقدير الواقعي للتهديد هو عمل شجاع ومناسب ولا يصل بنا إلى حالات الإنهاك النفسي والخوف الشديد الذي يعطل قدرتنا على الاستجابة ويؤدي إلى رفع ضغط الدم وتقليل المناعة وغيرها.
" يلقي الناس اللوم على الآخرين مثل استخدامهم الرسائل التحذيرية بدلاً من التوعية مثل: (إذا أردت أن تقتل أمك أخرج خارج البيت)، وهذا يعد من أهم عوامل الخوف"، قالت جبر.
أزمة ما بعد " كورونا"
وبالنسبة لربة المنزل أمل جولاني، التي لا تخاف من الإصابة بفيروس كورونا بقدر خوفها من الحالة التي سنعيشها بعد كورونا، من ناحية التعقيم والتنظيف وتتساءل في حال مضت الأزمة كيف يمكنني أن أمارس حياتي الطبيعية بعيداً عن المعقمات المبالغ فيها؟
ومن يعانون من مشاكل نفسية هم من الأكثر تأثرًا، وتوضح لنا سماح جبر من الوارد جداً لجوء الناس للاستشارات النفسية بعد أزمة كورونا وحتى خلالها ، لأن هناك من يعانون أساساً من مشاكل نفسية ويقدروا بمجتمعنا حوالي 22%، وهذه الفترة انقطعوا عن الزيارات الدورية والعلاج النفسي الدوري ، وبالتالي هم بحاجة لمتابعة خاصة، وكذلك يمكن أن يتسع حجم القلق والاكتئاب لمن لديهم قلق واكتئاب أقل بالوضع الطبيعي، إضافة إلى الفئات التي لم تعاني من مشاكل نفسية قبل ولكن حالياً تشعر بضائقة نفسية أشد من معظم الناس ولمدة أطول وغير قادرين على التفاعل بطريقة ايجابية مع الوضع .
" أعتقد أن بعد هذه الأزمة سيكون هناك فئة من الناس التي ستحتاج إلى دعم نفسي، ممكن أن يطور بعض الناس أعراض وسواسية كالمبالغة في التنظيف حتى بعد انقضاء هذه الأزمة"، أوضحت سماح جبر.
الأقوى صحياً والأضعف نفسياً
وبالنسبة لفئة الأطفال الذين انقطعوا عن روتينهم وحياتهم الطبيعية، بعيداً عن مدارسهم ليجدوا أنفسهم بحجر منزلي، " لقد اشتقت للمدرسة ولطريق العودة منها ولاجتماع أبناء الحارة حول كرة القدم ومعاركنا حولها"، يقول عماد خليفة البالغ من العمر 12 عاماً.
بالرغم من تأكيد الأطباء على أن الأطفال قادرون على مقاومة المرض، يقول أخصائي طب الأطفال هاشم سليمان:" الأطفال لديهم مناعة تم اكتسابها من فيروسات كورونا الاربعة التي تصيب الإنسان بالزكام البسيط (cross immunity) فالمناعة التي اكتسبوها من الفيروسات الخفيفة تعطيهم مناعة ضد الكورونا الضارية، والجهاز المناعي لدى الأطفال في حالة تأهب دائم بسبب كثرة تعرضهم للميكروبات في سنوات العمر الأولى، هذا التأهب الدائم قد يكون السبب في استجابة الجهاز المناعي السريعة عند دخول الفيروس وقبل ظهور أي أعراض."
ولكن يرى الطب النفسي بأن امتلاك الأطفال لصحة جيدة لمقاومة الفايروس، لا يعني بأنهم أقوى نفسياً بل ضعف نفسياً من البالغين لكونهم لا يملكون لغة يعبروا فيها عن مخاوفهم، لذلك على الوالدين توضيح الأمر بالنسبة لهم بمفردات بسيطة تناسب تطورهم اللغوي.
وللتخفيف من خوف الأطفال ونشر البهجة في قلوبهم، نشرت قناة الجزيرة تقريراً عن مطعم في مدينة فيتنام قام بإنتاج برغر على شكل فيروس كورونا بعد طلب أحد الأطفال ذلك، وعلقت المذيعة ضاحكة" بالتأكيد لن أجرب هذا البرغر.