يحيي الفلسطينيون كلّ عام في مثل هذا اليوم ذكرى يوم الأرض ليتذكّروا ويؤكدوا أهمية التطورات التي تبلورت في 30/3/1976، ودورها في ترسيخ معادلة المقاومة ضد الاحتلال واعتداءاته على أرض فلسطين وشعبها.
ففي ذلك اليوم، أعلن الفلسطينيون رفضهم قرارًا صادرًا عن حكومة "إسحاق رابين"، أعلن عنه في 1/3/1976، يقضي بمصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العائدة لفلسطينيين في الجليل بالداخل المحتل عام 1948، ضمن "مشروع تطوير الجليل".
و"مشروع تطوير الجليل" خطة تمتد على 5 سنوات أقرها الاحتلال عام 1975 بهدف تهويد الجليل وزيادة عدد اليهود على حساب العرب الذين كانوا حتى ذلك الحين يشكلون أغلبية تتجاوز 60%. ويشير إيلان پاپيه في كتابه "الفلسطينيون المنسيون"، إلى أنّ الاحتلال كان يسعى حينها إلى توسيع حدود مستوطنة "كرمئيل" المقامة على أراضي الشاغور بما يقطع التواصل بين القرى الفلسطينية المجاورة لها.
ولعلّ هذا الاتجاه الإسرائيلي إلى قطع التواصل الديمغرافي والجغرافي بين الفلسطينيين هو أحد السمات الملازمة للمخطّطات التهويدية التي لا يزال الاحتلال يعمل على تطبيقها إلى اليوم؛ فمشروع "معاليه أدوميم" في الضفة هدفه قطع التواصل بين الضفة عمومًا والشطر الشرقي من القدس المحتلة، وهذا شأن الجدار العازل الذي يقطع أوصال الضفة المحتلة، وكذلك الطرق الاستيطانية التي تصل بين المستوطنات وتعزل الفلسطينيين عن بعضهم.
لم يكن قرار المصادرة هذا الأول من نوعه، بل إنّ الاحتلال كان قد صادر 75 ألف دونم في العقد السابق، علاوة على الأراضي التي خسرها الفلسطينيون نتيجة التطهير العرقي في عام 1948، وفقًا لما ينقله پاپيه؛ وهو ما ساهم في تأجيج الغضب في النفوس.
وبعدما تبين أنّ حكومة الاحتلال مصرة على المضي في تنفيذ خطتها التهويدية، قررت "لجنة الدفاع عن الأراضي العربية" و"اللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية العربية" في اجتماع موسع في الناصرة في 6/3/1976، إعلان الإضراب العام يوم 30/3/1976. حاولت سلطات الاحتلال الضغط على الناشطين الفلسطينيين لإلغاء الإضراب أو تأجيله، لكن هذه المحاولات قابلها إصرار على المضي قدمًا في الإضراب.
وفي اليوم الموعود، خرجت التظاهرات في قرى الداخل المحتل، ترفدها تظاهرات متضامنة في الضفة وقطاع غزة؛ وحاولت قوات الاحتلال إنهاء الإضراب بالعنف، فوقعت صدامات واشتباكات بين الاحتلال والفلسطينيين. وكانت حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية يوم 30 آذار/مارس 6 شهداء، علاوة على الاعتقالات والجرحى.
على اثر تلك الهبة الفلسطينية، تراجعت حكومة رابين عن قرار المصادرة، لكنه تراجع مؤقت لم يلغِ سياسة الاحتلال القائمة على مصادة أراضي الفلسطينيين وسلبها، فتابعت الحكومات التي تلتها مخططات مصادرة الأراضي، وما يترافق معها من هدم لمنازل الفلسطينيين ومنشآتهم، وطردهم منها.
ووفق تقرير جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، تسيطر دولة الاحتلال اليوم على أكثر من 85% من المساحة الكلية لأرض فلسطين، فيما كان اليهود يستغلون 6,2% فقط إبّان الاحتلال البريطاني. كذلك، فإنّ المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري تشكّل حوالي 18% من مساحة الضفة المحتلة، وقد وصل عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال في الضفة، نهاية عام 2018 إلى 448 موقعًا، منها 150 مستوطنة، و26 بؤرة مأهولة عدتها سلطات الاحتلال أحياء تابعة لمستوطنات قائمة، و128 بؤرة استيطانية.
لكن هذا التغوّل الإسرائيلي المستمرّ لا ينفي حقيقة أنّ يوم الأرض محطّة تاريخية في سياق النضال التاريخي للفلسطينيين، ومن موارد أهميته إبرازه الهوية الحقيقية لفلسطينيي الداخل المحتل، والتعريف بهم على أنّهم جزء من الكلّ الفلسطيني، وأنّهم شركاء في المقاومة ضدّ الاحتلال. وقد استمرّ هذا المسار بعد ذلك، وكان من تجليّاته مشاركة فلسطينيين من الداخل المحتل في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال بعد اندلاع انتفاضة القدس عام 2015.
يتذكّر الفلسطينيون حول العالم، ومعهم كل مؤمن بالحق الفلسطيني، يوم الأرض الذي يؤكد التمسك بالهوية وبحقّ العودة. وقد يمنع انتشار وباء كورونا الجديد التظاهرات التي تخرج في فلسطين وفي أنحاء العالم لإحياء هذا اليوم، لا سيما مسيرات العودة في غزة؛ إلا أنّ هذا الظرف القاهر والإلغاء القسري للتظاهرات والمسيرات لا يُفقد اليوم معناه ولا يجرّده من أهميته في سياق العمل النضالي الفلسطيني، وقد يكون من الممكن اختصار رسالته ودلالاته في هذه الأبيات لمحمود درويش:
أيّها العابرون على جسدي
لن تمرّوا
أنا الأرض في جسد
لن تمرّوا
أنا الأرض فى صحوها
لن تمرّوا
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا