مركز "حسيب الصباغ" في الجامعة العربية الأمريكية في جنين ببابه الخارجي الذي اعتلاه الغبار وضحكات العشاق المترامية بأطرافه، يزينها صوت الصدى الذي لم يغادر المكان منذ فترة، هذا هو الحال في المركز الذي يجهله معظم طلبة الجامعة العربية الأمريكية والمهتمون من محافظة جنين بالرغم من تأسيسية سنه 2003 م بدعم يصل المليون دولار من مؤسسه "أنيرا" الأمريكية، ضمن مشاريعها التنموية في الضفة الغربية المحتلة.
ماذا يقول عنه طلبة الجامعة؟
تفاوتت إجابات الطلبة حول معرفتهم بمركز "حسيب الصباغ" والخدمات التي يقدمها وما مدى كفاءتها واستفادتهم منها. "شبكة قدس" استطلعت بعض الطلبة وكانت إجاباتهم متفاوتة بين من يعرف عن المركز وخدماته، وبين من لا يعرف، وبين من يشكو من عدم ملائمتها للطلاب وظروفهم.
يقول الطالب في كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات أنس قاسم: "صراحة ما بعرف إيش بقدم بالضبط بس بسمع انها بتقدم دورات وتصليح البورتل، لكن لم أخذ أي دورة لديهم".
وتقول الطالبة ميساء محمد: "هو مركز للتميز وتكنولوجيا المعلومات، يعطي دورات في هذا المجال، اخدت عندهم عدة دورات وحضنوا لي مشروع لمدة ثلاثة شهور".
أما الطالب في قسم اللغة العربية والإعلام قتيبة الخطيب قال: "أعرف أنه مركز يتابع البورتل ويقوم بإصلاح الاشكاليات التي تحدث فيه، وأسمع أنه يقدم دورات في عدة مجالات للطلبة لكنني لم أشترك بأيّ منها، لأسبب كثيرة منها ارتفاع أسعارها، وفي معظم الاحيان عقدت هذه الدورات دون أن نعرف عنها شيئاً، أي الاعلان عن مثل هذه الدورات ليس كما يجب".
أيد ذلك الطالب في هندسة الحاسوب عمر يحيى: "المركز يقدم العديد من الدورات في مجال الهندسة وتكنولوجيا المعلومات والاعلام والادارة والقيادة وما الى ذلك، لكن سوء الاعلان عن هذه الدورات والترويج لها سبب في قله الاقبال عليها".
أما الطالبة في قسم تكنولوجيا المعلومات مروة جمال قالت: "مركز حسيب الصباغ يقدم عدة دورات لكن هناك معضلة في هذه الدورات فهي لا تناسب مواعيد المحاضرات وإن كانت يوم الخميس فلا يوجد مواصلات على الجامعة في هذا اليوم لبعدها عن مركز المدينة، فضلاً عن غلاء الاسعار".
ماذا يقول القائمون عليه؟
وحول الهدف الذي من أجله أُنشٍىء مركز الصباغ يُجمل ذلك القائم بأعمال المركز ونائب رئيس الجامعة لشؤون التخطيط والتطوير الدكتور نظام اذياب بالقول: "الهدف تطوير ودعم القدرات الطلابية والإبداعية في الجامعة والمنطقة المحيطة خاصة في مجال التكنولوجيا".
كيف يدعم المركز هذه القدرات؟ يجيب اذياب بأن المركز يحتضن الأفكار الابداعية ويمولها ويتابعها لتصبح مشاريع يستفيد منها المجتمع المحلي في جنين، كما ينظم المركز دورات تهدف كما يقول إلى تدريب الطلاب وتحسين مستواهم الأكاديمي.
ومركز "حسيب الصباغ" له أخوة أشقاء مماثلين في جامعات فلسطينية أخرى كمركز سعيد خوري في جامعه القدس، ومركز نجاد ازعني في جامعه بيرزيت، و"حسيب الصباغ" يصفه اذياب بأنه مؤسسة أهلية باسم رجل الأعمال الفلسطيني "حسيب الصباغ" تبنته مؤسسة أنيرا وكانت هي الجهة الفاعلة والمنفذة بالاشتراك مع شركة المقاولين العرب".
وعن طريقة إدارة المركز يقول اذياب: "المركز مستقل تماماً، وهناك تجمع يقوم بالإشراف على مركز حسيب الصباغ يتكون من عده جهات هي الجامعة العربية الامريكية ومؤسسة أنيرا و نقابة المهندسين وجمعية أصدقاء المريض في جنين".
وحول الكيفية التي يتم فيها إدارة المركز وضح اذياب الذي تم تعينه مديراً له بشكل مؤقت بأن ادارته تتم من خلال تشكيل مجلس إدارة يتبع للتجمع الذب سبق ذكره، لكن إلى الآن لم يتم تعيين مدير لهذا المركز وذلك لعدة اشكالات مالية وادارية.
ورأت منسقة المشاريع في المركز تهاني صبيحات بأن الخلل يكمن في عدم تفاعل الجامعة مع المشاريع التي يقدمها المركز. تقول تهاني: "الكليات والأساتذة ليسوا متعاونين، ففي إحدى المرات قمنا بعقد ندوة تدريبية في إحدى الكليات وقدمنا دعوة لكل الأساتذة ولكنهم لم يحضروا إلا استاذاً واحداً كان مدرباً في إحدى الورشات، الأساتذة لا يشجعون الطلبة". وحول أهمية الدورات التي يقدمها المركز، أضافت صبيحات: "دورات مثل هذه توفر للطلاب فرص عمل، فمنها نخرج بستة أو سبعة مشاريع تشكل شركات يوظف الطلاب من خلالها طلاب آخرين، لكن الطلاب غير متشجعين لذلك، يمكن أن الثقافة العامة للطلاب تعتمد على مشاريع خارجية وليس مشاريع من إنتاجهم هم".أساتذة: المركز فاشل!
تساءلنا عن سبب الاخفاق في عمل المركز حسب ما قال بعض الطلبة فأجاب المحاضر في كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات الدكتور خالد ربايعه بالقول إن المركز فاشل بدليل قاعاته الفارغة من الطلاب، مُحمّلاً الجامعة المسؤولية عن اخفاق المركز.
ويرى ربايعة إن أكبر مشكلة تواجه المركز هي طريقة عمله وإدارته، واصفاً إياها بالتقعيد، "فالمركز مُستضاف من قبل جامعة خاصة غير مستعدة لتقديم الأموال له، ومؤسسة أنيرا استثمرت مبلغاً كبيراً وصل إلى ما يقارب المليون دولار فيه، واعتبرت نفسها قدمت منحة للجامعة، وعلى الأخيرة أن تصرف عليه، لكنها قامت بالعكس اذ تنتظر المركز بأن يقوم بعقد الدورات وخلق دخل لها".
في حين يتهافت الناس على المناصب الإدارية يتهرب الأكاديميون في كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات من رئاسة المركز ومنهم رئيس قسم الوسائط المتعددة معاذ صبحة والاكاديمي خالد ربايعة.
الدكتور معاذ صبحة تحدث عن رفضه إدارة المركز قائلاً: "المركز يتطلب جهداً كبيراً جداً، فالسابقون كان عندهم كفاءة عالية لكنهم لم يستطيعوا أن ينجحوا المركز بالشكل المطلوب، وذلك يعود إلى بعض القيود مثل التمويل الذاتي للمركز وجلب المشاريع، فالتمويل نصفه من المركز والنصف الاخر من المفترض أن يكون من الجامعة، وفي ظل هذه المعوقات وغيرها رفضت أن أكون مديراً للمركز".
ومن جهته قال الدكتور خالد ربايعة: "عرض علي وعلى كثير من زملائي إدارة المركز ولكن قابلنا العرض بالرفض، لأنه فاشل وموضوع إدارته صعب، كما أن راتب المدير نصفه من إدارة الجامعة والنصف الاخر من مركز حسيب الصباغ، والمدير يجب عليه أن يُدّرس ست ساعات في الجامعة مقابل نصف الراتب الذي تمنحه له، فأصبح الأمر معقداً وذلك أضفى على المركز صفه المعاق".
وأشار ربايعة الى فقر مصادر تمويل المشاريع والدورات في جنين مما يؤدي الى عجز في المشاريع التي يقدمها هذا المركز وارتفاع في تكلفة الدورات المقدمة من قبله.
وحول الحلول الممكنة برؤية أكاديمي كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات لتجاوز العقبات التي تواجه المركز وسبل تطويره، وضح الدكتور معاذ صبحة: "توفير خطوط حافلات إلى الجامعة أيام الخميس والجمعة، والحل الآخر هو زيادة التوعية وتثقيف الطلاب والإداريين حول أهمية هذا المركز وما يقدمه".
أما الدكتور خالد ربايعة قال: "يجب تغيير المنظومة المالية في المركز، وتحويله من مركز خاص لقسم تكنولوجيا المعلومات لدعم وبناء القدرات المتنوعة، فالأجدى أن ننظم فيه دورات في خدمة المجتمع واللغات والتنمية والزراعة، وبالتالي يصبح مركزاً لخدمة المجتمع مما يفتح الآفاق أمامه من ناحية ممولين ووافدين اليه للتدريب".
ويبقى التساؤل في ظل هذه الآراء المتباينة: ما جدوى استثمار الملايين في إنشاء مراكز تتعثر من الخطوة الأولى، يبنيها الممول ومن ثم تعجز عن الوقوف في وجه أبسط التحديات. وكم من "حسيب الصباغ" ثان وثالث في الضفة الغربية؟