النقاش دار مليا في مدينتي حول حفل فني أجرته عدة مؤسسات بالمدينة بالحقيقة من الطبيعي أن يجري مثل هذا الجدل وأكثر منه في مدينة كان سياقها طوال سنين طويلة هو التدين والمحافظة والتحفظ من أي غريب عن المدينة وما اعتادت عليه.
ربما يستغرب القارئ من خارج سياق مدينة الخليل الحديث بان حفلا فنيا في الفضاء العام يعقد لأول مرة فيها نعم الامر كذلك وفي المدينة ايضا لن تستطيع شراء زجاجة كحول الا من المستوطنين الاغراب عنها ولا توجد دور للسينما وحديثا بتنا نشاهد العروض المسرحية التي تواجه رفضا من قطاعات تحت نداء الحفاظ على التقاليد احيانا او من منطلقات دينية لا تفضل ما تصفه بالاختلاط بين الذكور والاناث الا بالحد الادنى.
لكن وفي الوقت ذاته فان المدينة تشهد اسبوعيا العشرات من الحفلات الفنية الراقصة في المناسبات الاجتماعية احتفالا بالزواج او التخرج او اي مناسبة اخرى وقد تشهد هذه الحفلات ما لا يرغبه منتقدو الحفلة الاخيرة التي حصلت وربما يحصل بهذه الحفلات الخاصة خرق للعادات والتقاليد والتعاليم الدينية أكثر مما قد يحصل في هذه الحفلة.
وعلى بعد أميال قليلة من موقع انعقاد الحفلة التي وصفها منظموها بالملتزمة ولم يسمح فيها بالرقص مثلا ولم يسمح فيها لفتاة أن تقف وطلب من جميع النساء التزام الجلوس كانت حفلة أخرى لمطربة فلسطينية لم يوصف الحفل بأنه ملتزم وشهد حضور الالاف لكنه لم يلاقي أي انتقاد ربما لأنه خارج حدود المدينة ويدخل في حدود مدينة أخرى.
إذن فالحديث هنا عن مؤيدين ومعارضين لحفل فني وبغض الطرف عن وصفه بالملتزم والهادف إلا أن شكله العام هو حفل فني شهد الموسيقى والغناء وما رافقها لكن لماذا كل هذا الجدل حول الحفل ولا نجد جدلا حولا حفلات فنية أو في قرى ومدن ملاصقة أو حتى انتقاد لأبناء المدينة الحاضرين لحفلات فنية خارج المدينة بشكل دوري.
الخطاب الرافض للحفل استند إلى التحريم من جهة والحفاظ على التقاليد من جهة ثانية أو الحفاظ على قدسية المكان حيث دفن جد الأنبياء إبراهيم عليه السلام في هذه المدينة وسميت المدينة باسمه أو خلط كل ذلك في خطاب واحد. أما الخطاب المؤيد فاستند إلى أن الحفل ملتزم وهادف ورغم الجدل حول ما هو الملتزم والهادف وسيتم فصل الجنسين ذكورا وإناثا في المدرجات وكلمات الأغاني هي كلمات ملتزمة وتخلو من الأغاني العاطفية.
لكن خلت تقريبا دفاعات المؤيدين من منطلقات الحرية والليبرالية ربما لأن السياق المحافظ يعم بالمدينة وهو بالتالي يرفض ضمنا إقامة الحفلات ويأخذ الاستثناء في الحالة أن الحفلة ملتزمة وهادفة.
الطابع العام للمدينة ما زالا محافظا ومتحفظا ومتدينا وبالتالي فإن النقاش الذي دار لم يخرج عن هذا النطاق سواء رافضا أو مؤيدا ما يؤشر إلى سيطرة هذا الخطاب هذا الطابع على مختلف النقاشات.
الصراع بات جليا على الحيز العام يستثمر الديني تارة والاجتماعي تارة اخرى وإلا فان ذات القضية تحدث مرارا في الحيز الخاص ولا تجد هذا الصدى.
الحفلات الخاصة سواء في الصالات المغلقة أو المفتوحة يحدث بها الكثير من التجاوزات حسب وجهة المنظرين لمنع الحفلة تحت خطاب التدين والحفاظ على التقاليد لكنهم يصمتوا أو أن الرفض يتم بصوت خافت وليس بصوت مرتفع فلو كان الصراع دينيا أو متمسكا بالتقاليد لرفض الحفلات لارتفع الصوت ضد الحفلات وموسيقاها وازعاجها وما يحدث بها لكن الأمر ليس كذلك بالضبط.
السيطرة على الحيز العام المتسم بالمحافظة والتدين هو الهدف بكل وضوح وكل طرف يسعى لأن يشكل هذا الحيز بالطريقة التي يراها وبالتالي يحصل على المكتسبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يحتاجها.
من الواضح في طرف الأحزاب الاسلامية كان هناك رفض للحفلة موضع النقاش خاصة فئتين أساسيتين الأولى حزب التحرير والتي نشطت بالفترة الأخيرة في معارضة الكثير من الأنشطة التي يراها الحزب مخالفة للشريعة الإسلامية وهنا يركز الحزب على الأنشطة التي تدور في الفضاء العام ويجهر مؤيدوه بانتقاد هذه الفعاليات وربما يقفون لمنعها أحيانا لكن الاختصاص يبقى في المدينة ولا يمتد لمتر خارجها رغم أنه حزب إسلامي عالمي فحفلة تجري على بعد أميال لكنها خارج المدينة لم يجهد مؤيدو الحزب لإنكارها فيما يقفون ضد هذه الحفلة أو أمثالها حفاظا على أجواء تجلب لهم مزيدا من المؤيدين ويخلق مساحة للحركة أكثر من المناطق الثانية.
الفئة الثانية الحزبية هي قطاع من مؤيدي المدرسة الاخوانية وقد كان الامر شيقا أكثر هنا اذ لم نجد هنا ان التيار الفكري الاخواني لم يقف بموقف واحد واتخذ ثلاث مواقف اولها الرفض وثانيها القبول مع التحفظ وثالثها القبول المطلق. ويهمنا هنا الحديث عن الرافضين للأمر وتمثلوا بالمجمل بأصحاب المدرسة التقليدية الذين دعوا لسنوات لرفض الموسيقى والحفلات سابقا فلا يعقل بالنسبة لقطاع كبير منهم الموافقة حتى وان تغيرت مواقفهم تجاه الموسيقى تحديدا وتخلوا عن الكثير من الآراء السلفية وبالتالي كان الرفض واضحا. هذا التيار يسعى للحفاظ على بشكل واضح لإبقاء الحالة المحافظة في المدينة لاعتقاده ان الابقاء على هذه الحالة سيشكل الإطار لعودة التنظيمات الاسلامية للعمل.
أما التيار الاجتماعي الرافض للاحتفال بأغلب الاحيان لم يستند الى الخطاب الديني مع انه استثمره احيانا لكنه تيار اجتماعي يغلب عليه الطبقة الوسطى او التجارية المتوسطة من الناحية الاقتصادية وهذا التيار رافض بسبب انه يجد راحة كبيرة في ظل استمرار حالة التدين او التحفظ واعتاد عليه واستطاع بناء حياته الاجتماعية والاقتصادية بناء على هذه الحالة وان التغيير بها سيؤدي الى الاضرار بحالة الاستقرار التي وصل اليها مهنيا واجتماعيا واقتصاديا وربما اسريا وبالتالي فانه يفضل بقاء الوضع على ما هو عليه بالمدينة لكنه في احيان كثيرة لا يمانع من المشاركة في انشطة يرفضها في مدينة اذا ما عقدت في مدينة اخرى او خارج فلسطين. المهم ان يبقى الطابع المحافظ داخل المدينة هو السائد.
فالمؤيدون من الجهة المقابلة والذين استندوا أيضا غالبا إلى الخطاب المحافظ وكانوا أن صح القول من الإسلاميين