شبكة قدس الإخبارية

وانتصر الأسرى

150419_ASH_00 (29)
ناصر ناصر

  انتصر الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي في معركة كرامتهم و كرامة شعبهم الثانية، ولكن –وكطبيعة كل الثورات المنتصرة– ليس قبل أن يخوضوا معركة متميزة وفريدة من نوعها في شكلها وجسارتها و ظروفها وفي نتائجها من حيث التكاليف والعوائد.

فكيف تم ذلك؟ اتخذت مواجهة الأسرى الفلسطينيين لسجانيهم هذه المرة شكلا متميزا وإبداعيا؛ فهي لم تبدأ بالإضراب المفتوح عن الطعام، بل سبق ذلك مرحلة نضالية متميزة بدأت في 16-2 في النقب ثم في 28 فبراير 2019 وهي حل التنظيمات، حيث أعلنت أربع حركات فلسطينية وهي: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية حل نفسها.

وبعبارة أدق: إنهاء ما يعرف بالتمثيل الاعتقالي أمام ادارة السجون، مما يعني أن كل أسير هو ممثل عن نفسه، لتضرب بهذا في الصميم كل منظومات العمل لإدارة السجون القائمة على وجود تمثيل اعتقالي قوي لأسرى تنظيمات فلسطينية متماسكة وملتزمة، مما يعني إدخال الإدارة في حالة من الإرباك وفي وضع الطوارئ من حيث الميزانيات واستنفار مستمر للقوات وجلب قوات إضافية من الجيش وبقية الأجهزة الأمنية، وهذا وضع لا يمكن تحمله لفترة طويلة.

ستدرك سلطات الاحتلال بعد اليوم أن حلّ التنظيم يعني إخراج "المارد من قمقمه" دون قيود، مما أدى لقيام أسرى قسم 1 في رامون في 18-3 بخطوة غير مسبوقة ، فحرقوا 14 غرفة من غرف قسم 1 الخمس عشرة، و خرج الأسرى من غرفهم دون خطوات عنيفة ضد السجانين، فانتقمت عصابات القمع منهم بضرب 56 أسيرًا من أصل 88 أسيرًا في مخالفة واضحة لقوانين وأعراف السجن المعروفة والقاضية بمنع ضرب أسير مقيد لا يمثل أي خطورة على حياة طاقم الأمن، وكان من بين الجرحى والمضروبين قادة من الفصائل منهم معاذ بلال وزيد ابسيسي وكميل حنيش.

ثم جاءت "لحظة الذروة" في نضال الأسرى الفردي الناتج عن حل التنظيم، وهي قيام الأسير الحمساوي إسلام وشاحي من مخيم جنين في يوم 24-3 بطعن ضابط وشرطي في قسم 4 الممتلئ بأجهزة التشويش الضارة والتي أراد بها وزير الأمن الداخلي أردان وبدوافع عنصرية وانتقامية منع الأسرى من التواصل مع ذويهم وأهلهم، فما كان من سلطات الاحتلال إلا أن استدعت قوات النخبة وجيشها المهزوم كقوات جفعاتي ليس للسيطرة الأمنية على الأسرى -فقد تمت بالفعل-، بل للانتقام الغريزي والهمجي من كل الأسرى، فبدأت القوات بالنداء واستدعاء قادة الأسرى بالاسم وهم مقيدون ثم أطلقوا النار عليهم وضربوهم كما حدث مع مسؤول حماس في النقب المهندس سلامة قطاوي ونائبه مصعب أبو شخيدم وأمير قسم 4 أحمد الصيفي.

إلى جانب "ذروة النقب" النضالية كان العالم على موعد مع لحظة تاريخية من لحظات نضال الشعب الفلسطيني وقمة أخلاقية جديدة، وقد تكون غير مسبوقة من قمم دفاع الشعب عن أسراه حيث قامت أذرع المقاومة الفلسطينية في غزة، ونتيجة خطأ مبارك ومشرف وبشكل فوري وأثناء سيلان دماء أسرى قسم 4 في النقب نتيجة قمعهم في ليلة باردة ومطيرة في عراء صحراء النقب القاحلة بإطلاق صاروخ طويل المدى من فخرالصناعات الفلسطينية العسكرية إلى قلب الاحتلال شمال تل أبيب، وذلك على الرغم مما قد يعنيه ذلك من دخول حرب عسكرية واسعة وباهظة التكاليف ضد قطاع غزة المحاصر والمكلوم، حينها وحينها فقط أدرك نتنياهو أن قرارات أردان ضد الأسرى قد تهدد مستقبله السياسي قبيل انتخابات الكنيست بتاريخ 9-4-2019، فقرر البدء بخطوات التراجع عن الهجمة ضد الأسرى، ومن أهمها تنحية الوزير اردان عن التعامل مع ملف الأسرى ومتابعته له شخصياً وما بعد ذلك كله تفاصيل على أهميتها.

لم تقتصر لحظة الوفاء الفلسطيني للأسرى على صواريخ "تل أبيب الخاطئة"؛ بل تعدتها لتشمل ممارسة ضغوط سياسية كبيرة لتحقيق مطالب الأسرى العادلة، وقد أشرف عليها وتابعها شخصيا وأولا بأول رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إلى جانب أعضاء القيادة روحي مشهى وموسى دودين، حيث تم نقل رسائل واضحة لا تقبل التأويل لحكومة إسرائيل من خلال الإخوة المصريين أنه لا يمكن تحقيق التهدئة مع غزة دون وقف الهجمة الشرسة على الأسرى، الأمر الذي زاد من أزمة نتنياهو وعزز من معضلته، ودفعه باتجاه الاستجابة لمطالب الأسرى العادلة والإنسانية.

اضطرت إدارة السجون وبتوجيهات من مكتب رئيس الوزراء نتنياهو للدخول في حوار مع قادة الأسرى المجتمعين في قسم 4 رامون وعلى رأسهم رئيس هيئة حماس محمد عرمان ورئيس هيئة الجهاد زيد ابسيسي والمصرِّين بذكاء للدفاع عن أنفسهم وإلغاء كافة الإجراءات القمعية ضدهم، وتمكينهم من معالجة شرارة الأزمة من خلال تمكين الأسرى من التواصل الإنساني مع عائلاتهم وقد تم ذلك إلى حد كبير، ولكن ليس قبل سبعة أيام من إعلان الأسرى لبدء معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، حيث وافقت حكومة الاحتلال على العديد من المطالب ومن بينها ما كانت تعتبره "لعنصريتها المعهودة" محرما على أسرى فلسطين الامنيين، مباحا على الأسرى الجنائيين من كل جنس، وهو تركيب هواتف عمومية داخل الأقسام، و ليحقق الأسرى بذلك مطلبا تاريخيا عادلا بذلوا من أجله الكثير كإضراب 2017 الشهير بقيادة المناضل مروان البرغوثي.

وهكذا انتصر الأسرى على جلاديهم.