"أجواء الهدوء تعم القرية العصافير بفرحتها المعتادة تغني وتزقزق من ثقب أسود انبثق عدد من المسلحين يلبسون شارات بالنجمة السداسية الزرقاء في منتصف القرية وبهمجية وعنف بدأوا بجمع أهل القرية نساء وأطفال وشيوخ إلى منتصف البلدة، ساقوا أهل البلدة الى ساحة كبيرة وأطلقوا الرصاص وقتلوهم جميعا". هذا وصف لمشهد ظهر في أحد الأعمال العربية التي مثلت مجزرة دير ياسين 9-4-1948.
مجزرة نعم هذا ما حدث ولكن لم تكن بهذه الصورة السطحية الباهتة العصابات الصهيونية كانت مشكلة وتهدد أمن الفلسطينيين كانت هناك حامية لبلدة دير ياسين واستمرت المقاومة ساعات وقتل وأصيب أعداد كبيرة من العصابات الصهيونية وقصفت القرية بالمدافع.
ولكن للأسف الاعلام والمؤرخون والمناهج الدراسية التي كتبت ودرست التاريخ الفلسطيني الحديث وتناولت هذه المجزرة على وجه الخصوص لم تنقل الصورة الكاملة ولكن اتجهوا لتأكيد صورة الضحية بصورتها الكاملة وتجليتها المعنوية، لم يتحدث الكثير من المؤرخين والأعمال الدرامية العربية عن المقاومة الفلسطينية في حالة مثل دير ياسين من كتبوا التاريخ كتبوه منتقصا من الجانب المقاوم.
وهذا يعزى لأسباب منها محاولة إظهار الفلسطينيين كضحية مسالمة ولطيفة وسيقت للموت كما تساق الخراف للموت وهذا ظلم صريح لشعب فلسطين، لمقاومة هذا الشعب.
للأسف تواجه الحقيقة في القضية الفلسطينية عديد الصعوبات في الوصول لتشكيل الوعي الوطني للفلسطينيين، وصورة القضية الفلسطينية في العالم، ما أعنيه بالحقيقة وهي الصورة الكاملة لما حدث دون محاوله إخفاء جوانب معينه لتظهر صورة ما بهدف إيصال رسالة للعالم وتشكل وعي يتعلق بالعجز العام وأن لا قدره للتحدي، وأننا فقط ضحايا دون أي نوع مقاومة
ما هي النكبة؟
هي مجموعة الأحداث وتشمل المجازر والهجمات اليهودية وانتهت بإعلان قيام دولة الاحتلال الاسرائيلي على الأراضي التي هجر منه الفلسطينيين وسيطرت عليها العصابات الصهيونية التي شكلت 78% من أراضي فلسطين التاريخية.
هل هذا تعريف يعبر عن الحقيقة؟ أم تعريف مجتزأ لحقيقة النكبة؟!
التعريف الحقيقي للنكبة دون اجتزاء لم يختره الكثيرون ممن عملوا على تشكيل الهوية الوطنية أو الهوية الفلسطينية أو حقيقة الصراع العربي الصهيوني.
إن قرار التقسيم بدايات طرحه كانت في 1937 أي ان النكبة الفلسطينية بدأت في نهاية الإضراب الشامل والثورة الفلسطينية الكبرى عام 1369، ولكن اختيار 15-5- 1948 تاريخ إعلان قيام دولة الاحتلال كتاريخ النكبة هو اختزال وتهميش بشكل مجحف لروح البطولة والمقاومة في الشعب الفلسطيني واختصار لحقيقه ما حدث منذ نهايات عام 1947 أي مع إقرار قانون التقسيم حتى شهر آذار 1949.
إذا ما تجولت في الشوارع وسألت الناس ماذا حدث في النكبة أو ما هي النكبة؟ الإجابات ستدور حول هجروا الفلسطينيين من أرضهم، قتلوا الأمنين، هرب الفلسطينيين، تركوا أرضهم وبيوتهم للحفاظ على أرواحهم، حتى أن كثير من المجتمعات العربية المحيطة بفلسطين لديهم آراء مثل هربوا وتركوا أرضهم لليهود، وباعوا أرضهم لليهود وخرجوا منها.
يتلخص تعريف النكبة كونها لحظة الاشتباك في الصراع على الهوية والأرض، ولحظة الاشتباك تعني أن ما حصل لم يكون سوق الفلسطينيين للموت، تعني أن الفلسطينيين قاوموا حتى الرمق الأخير في هذا الصراع، حتى نفذت الذخيرة.
لم تدخل العصابات الصهيونية إلى القرى والمدن الفلسطينية بتلك السهولة التي صورها التاريخ، يعني لم يكون احتلالهم سهلا وسريعا، بل كان مضرج بدماء المقاومين وعديد الانتصارات والتي حققها المقاومون ومنها وأكثرها ووضوحاً الحفاظ على مدينه القدس ومنع العصابات الصهيونية من احتلال الضفة وقطاع غزة وهذا الانتصار لم يرد ذكره أو اظهاره بشكل واضح كانتصار ولكن كان كنتيجة لما حدث أو سياسة صهيونية ما.
ماذا كان يمنع العصابات الصهيونية من احتلال القدس في ذلك الوقت؟ أو احتلال الضفة والقطاع؟ أي أن هناك شعب كان موجودا ولم يهرب كما شاعت الروايات وبقي يقاوم حتى انتصر أو استشهد.
لماذا لم يهرب أهل القدس بعد مجزرة دير ياسين؟ وهي أحد قرى القدس كمثال، لماذا لم تحتل جنين وطولكرم رغم قربهم من الخط الأخضر؟
وهنا تطرح بعض الأسئلة ذاتها ثقيلة على الوعي الفلسطيني..
لماذا لم يتم نقل صورة المقاومة، وصور الصمود على الأرض؟
لماذا لم تنقل الحقيقة كاملة؟
لما تبقى الرواية حول ما حدث تدور في فلك الضحايا؟
من المستفيد من هذه الرواية؟
ولماذا نهمش الذات الفلسطينية المقاومة؟
تبقى هذه الأسئلة مفتوحة، دون إجابات ومبررات لهذه الأسئلة، وتبقى الحقيقة للنكبة مبهمة ومغطيه برداء فضفاض من الاستكانة والضعف
وهذا يدعو الفلسطينيين لإعادة صياغة ما ينشر حول التاريخ والنكبة وبث روح المقاومة وتجديد النفس وتأصيل الموروث البطولي لشعب فلسطين.