غزة- خاص قُدس الإخبارية: لم يكن انطلاق مسيرة العودة في الـ30 من شهر مارس 2018، على الحدود الشرقية لقطاع غزة، سهلًا على الاحتلال، فهذه هي الفعالية الأولى التي تشارك فيها كل أطياف المجتمع الفلسطيني بهذا الزخم منذ عقدين من الزمن، وتديرها الفصائل الفلسطينية كافة. ناهيك عن أنها رفعت شعار المقاومة السلمية على خلاف ما اعتاد الاحتلال عليه في صراعه ضد الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة.
كان الاحتلال وما زال، يصف الفصائل الفلسطينية التي تؤيد وتمارس الكفاح المسلح، بالإرهاب، وكانت هذه المزاعم تلقى رواجًا في الإعلام الغربي بفعل آلة الإعلام الإسرائيلية بمقوماتها الهائلة. لكن هذه المسيرات شكلت تحديًا حقيقيًا له، لذا لجأ الاحتلال لتهديد من سيشارك فيها، كما فعل وزير الحرب السابق أفيغدور ليبرمان، عندما غرّد لأول مرة بالعربية في اليوم الأول من المسيرة قائلاً: "إلى سكان قطاع غزة، قيادة حماس تغامر في حياتكم. كل من يقترب من الجدار يعرض حياته للخطر. أنصحكم مواصلة حياتكم العادية والطبيعية وعدم المشاركة في الاستفزاز".
لكن هذه التهديدات وغيرها لم تثنِ الفلسطينيين عن المشاركة في المسيرة، وعلى خلاف ما حاول الاحتلال طمسه، فقد لاقت مسيرة العودة الكبرى نصيب الأسد في التغطية الإعلامية الدولية، وهذا ما أكدته الصحفية الأمريكية المستقلة بام باميلا، لـقدس الإخبارية، وقالت: "في رأيي، نجحت مسيرة العودة الكبرى في جذب اهتمام وسائل الإعلام الدولية لغزة، وأصبح هناك تعاطفٌ مع الفلسطينيين".
ورأت باميلا أن هذه المسيرات جعلت العديد من وسائل الإعلام الدولية المعروفة تُظهر العديد من الآراء الفلسطينيّة المختلفة، "والآن، هناك الكثير من دول العالم الأول يفهمون الظروف القاسية والظالمة على غزة، وينظرون إلى الحكومة الإسرائيلية بشكل متزايد على أنها غير عادلة".
ورغم هذا التعاطف الدولي، إلا أنه لم يتم إحراز أي إنجاز سياسي حقيقي لصالح الفلسطينيين، بل إن الإدارة الأمريكية تجاوزت الخطوط الحمر لدى الفلسطينيين، ونقلت سفارتها للقدس، واعترفت بها كعاصمة لإسرائيل، كما أوقفت دعمها بالكامل لـ"الأونروا"، وفق ما أشارت له باميلا التي أسست منظمة نحن لسنا أرقامًا (We Are Not Numbers) التي تسلط الضوء على القضايا الفلسطينية باللغة الإنجليزية.
يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية نقلت سفارتها إلى القدس بتاريخ الخامس عشر من مايو، بالتزامن مع المجزرة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين على الحدود الشرقية للقطاع، التي راح ضحيتها نحو 60 شهيدًا، منهم ثمانية أطفال، ومئات الجرحى.
وأضافت باميلا، أن أخبار مسيرة العودة الكبرى وبعد أن تصدرت العناوين الأولى لكبرى الصحف والوكالات العالمية، سرعان ما بدأت تخبو لأسباب عدة أهمها: تصريحات بعض الساسة التي كانت توجه للرأي العام المحلي على حساب الرأي العام الدولي، مثل: تصريح القيادي في حماس صلاح البردويل، في السادس عشر من مايو الذي قال فيه إن 50 شهيدًا ممن استشهدوا قبل يومين هم من أبناء حماس، "وهذا كان خطأ"، على حد قول باميلا.
وفي ذات السياق، قال مراسل وكالة الأسوشيتد برس (AP) في غزة فارس الغول لـقدس الإخبارية، "إن تصريح البردويل تلقفته ماكينة الإعلام الإسرائيلية. ومن الممكن أن يكون ساهم في إضعاف الرواية الفلسطينية".
وأشار الغول إلى ضعف الإعلام الفلسطيني الموجه للغرب، مضيفًا، "الوكالات الدولية هي التي تتولى نقل الصورة للغرب، ولكن هذه الوكالات لها سياسيات تحريرية تتقيد بها لنقل الحقيقة مجردة. هناك بعض النشطاء على موقع تويتر يكتبون (عن الأحداث الفلسطينية الجارية) باللغة الإنجليزية ساهموا بشكل كبير (في نقل الرواية الفلسطينيّة للغرب) لكن هذا بالطبع غير كاف".
وتابع، "لكن في النهاية، التغطية الصحفية ساهمت في إبراز مدى العنف الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي (ضد الفلسطينيين)" وفق الغول.
ويتفق الباحث الإعلامي في معهد الجزيرة للإعلام عدنان أبو عامر، مع سابقه في عدم صوابية تصريح البردويل، وقال لقدس الإخبارية: "هذه التصريحات قد تكون أضرت بمسيرات العودة، ونزعت عنها الصفة الشعبية السلمية الجماهيرية. وهذا قد يكون درسًا قاسيًا للفصائل (الفلسطينية) لتحافظ على الجانب الشعبي الجماهيري بعيداً عن أي ثوب حزبي".
من جهته، قال وجيه أبو ظريفة، عضو لجنة الصياغة والتواصل الدولي لمسيرة العودة الكبرى: "هناك الكثير من المصطلحات والمداخلات التلفزيونية كانت تعبيرًا حزبيًا أكثر منها تعبيرًا وطنيًا. خرج كثير من المسؤولين خاصة من حركة حماس بتصريحات مثل: الحديث عن استخدام العنف، أو حماية المتظاهرين من قبل المقاومة، وأن الاعتداءات الإسرائيلية ضد المتظاهرين لايمكن الصمت عليها".
وأضاف أبو ظريفة لـقدس الإخبارية، أن هذه التصريحات كان الهدف منها الرأي العام المحلي، وأوَّلَها الرأي العام الدولي على أن هذا عمل متكامل بين المسيرات من جهة والعمل المسلح من جهة أخرى. "لسنا بحاجة لاستخدام مسيرة العودة لتقوية تنظيم أو رؤية سياسية" كما قال.
وبعد عدة أشهر من انطلاق مسيرة العودة، قرر القائمون عليها إدخال وسائل جديدة للتظاهر أثارت الجدل على المستويين الدولي والمحلي، مثل: البالونات الحارقة، وأعمال الإرباك الليلي، وقص السلك الفاصل بين الحدود الشرقية للقطاع والاحتلال.
يعلق أبو عامر على ذلك بالقول "إن التفاعل الدولي الرسمي مع مسيرة العودة تراجع نسبيًا بسبب وسائل التظاهر الجديدة، بعد ما لاقت اهتمامًا وترحيبًا بين منظمات المجتمع المدني والصحفيين في الغرب. لكن هناك تفهم أوروبي غربي دولي لهذه الوسائل، حتى إن لم تخرج عنها مواقف دولية رسمية. الإسرائيليون حاولوا إثبات أن هذه المسيرات ذات بعد عسكري ودموي، ولكن حتى اللحظة الرواية الفلسطينية متغلبة".
من جانبه، قال أستاذ الرأي العام في جامعة الأزهر موسى طالب: "تعامل الرأي العام الدولي للمسيرة ما زال ينظر اليها بعيدًا عن العمل المسلح، وينظر إليها على أنها مسيرة سلمية يقودها الشعب الفلسطيني، لفرض رؤية معينة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. أما بعض مناظر العنف فهو عنف سلمي".
وأضاف لقدس الإخبارية، "الخلل فيمن يدير توجهات الحرب الإعلامية والوصول إلى الرأي العام الدولي. الإدارة الفلسطينية لهذه الحالة كانت غير سليمة، ولم تراعِ طبيعة ما ينشر للرأي العام الدولي أوالمحلي أوالعربي، واعتبرت الجميع في كفة واحدة. ولا يمكن أن يكون ما ينشر للرأي العام الدولي هو ذاته للعربي أو المحلي، وهذا هو سبب خسراننا للكثير من التعاطف على الساحتين العربية والدولية".
وبالعودة إلى باميلا، فإنها تُظهر تفهمها لاستخدام وسائل التظاهر الجديدة، وتقول "لا أعتبر البالونات الحارقة أوأعمال الإرباك الليلي وغيرها مساوية لرصاص القناصة الإسرائيليين. لا يمكنني لوم الفلسطينيين على التنفيس عن غضبهم وإحباطهم بهذه الطريقة عندما يواجهون القوة العسكرية الإسرائيلية والافتقار التام إلى التدخل الدولي".
وأضافت، "لكن أقول يجب أن يكون هناك المزيد من التفكير في هذه المرحلة، هل هناك استراتيجية لتوجيه المسيرات؟ ما هي الأهداف للمضي قدمًا؟ ما الذي يمكن القيام به لبناء دعم شعبي داخلي الذي يضعف باستمرار لمسيرة العودة، وهل الخسائر في الدم والمال مجدية في هذه الفترة؟".
وانطلقت مسيرة العودة الكبرى في الثلاثين من مارس الماضي على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة؛ للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم التي هجّرهم الاحتلال منها عام 1948.