توظف الدعاية الإسرائيلية أسلوب التهديد بمعان مختلفة منذ النشأة، وهو سلوك متكامل مع الجهد السياسي والعسكري الميداني.
على سبيل المثال: لا يستطيع الإسرائيلي خوض معركة إلا بعد أن تتفشى روح الذعر في الطرف الخصم، وبالعكس روح الإقدام والمغامرة لديه.
ولا يرد هذا التفسير إلى تكتيكات الحرب النفسية الموجهة، بقدر ما يعالج الطبيعة النفسية للإسرائيلي، الذين يخشى الموت فعلا؛ فتعمل دعاية التهديد هنا على تحقيق بعدين متناقضين في المعنى، إلا انهما منسجمين بلغة الحرب (التخويف × التعزيز).
وهنا نلاحظ التداخل العكسي للهدف، فهي في سياق تأثيرها السلبي العام تتجه نحو الخصم، لكن في تأثيرها الإيجابي المرغوب ترتد إلى جمهور مطلقها، على هيئة تحفيز للجرأة، ورفع للروح المعنوية.
لا يعني ما سبق، توظيف دعاية التهديد حصراً في التأثير على الجانب النفسي الناعم للخصم، أو السيطرة من بعيد على سلوكه ومنظومة تقدير الموقف لديه؛ فهي استخدمت سابقاً من أجل تحقيق عنصر المفاجأة الميدانية، سيما على صعيد نوع الفعل، وطبيعة ونوع الهدف.
ولو تفحصنا معنى "التهديد" في تجربتنا، لوجدناه أقرب إلى "التخويف" المقترن بغياب نية الحركة، أي أنه مجرد تهديد دون رصيد تنفيذي. لكن، لو تتبعنا الموضوع من زاوية تاريخية، سنكتشف إستخدام إسرائيل للتهديد كمناورة تضليل، مثلما حدث عام 2008/2009، وأيضا في العام 2012، ولكن بصيغة أخرى مختلفة، امتزج فيها مع التخويف والغموض، ضمن سياق زمني مستقر ومطمئن، نتيجة لثورات تلك الحقبة.
في الحالة الراهنة، توشحت التصريحات الإسرائيلية الأخيرة بأبعاد دعائية متنوعة، فمنها ما عكس لنية فعل (إحتلال غزة، إغتيال السنوار)، ومنها ما اكتفى على المستوى الظاهر بالتخويف (شن حرب)، إلا أنها جميعاً تميزت بخصائص، منها: تعمد الغموض (وضع الطرف المقابل في حالة جهل وحيرة بالخيارات التي سيلجأ لها الخصم)، إستغلال المخاوف الداخلية لدى جمهور غزة (أتضح من خلال طريقة صياغة الرسائل، وتنوع وتعدد الشخصيات والهيئات التي أطلقتها)، تصليب واحتواء الموقف الداخلي (خطاب العنف دائما ما يلقى رواجا لدى طبقات المجتمع الإسرائيلي لأنه إعتاد الحلول الأمنية لأي أزمة)...إلخ.
والسابق يدفعنا نحو الإشارة إلى قاعدة دعائية أصيلة، تتمثل في صعوبة تحديد أهداف العدو عبر الإكتفاء بالقراءة الدعائية، ولكنها تساعد في رصد مؤشرات تعتبر ضرورية ومكملة لأي منظومة أو جهة تسعى إلى الكشف عن حقيقة مخططاته. وهنا أسجل الملاحظات الختامية الآتية:
• إعتاد الإسرائيلي التعرض لحصة دعائية مكثفة من أجل تهيئته لأي موقف طارئ.
• لا تستخدم دعاية التهديد لضبط السلوك ونثر الرعب فقط، بل للتضليل، معتمدة على مبدأ التفاعل النفسي المركب.
• تحديد الأهداف السياسية الحقيقية للخصم يساعد على تفسير انماط إشتغاله الدعائي.
• لا تعمل الدعاية دون معلومات، وإلا تحولت إلى ارتجال ارعن وفوضوي.
• صعوبة تحديد احتواء أي رسالة لمعنى أو هدف دعائي، ولكنها تأخذ بحذر في الحالة الإسرائيلية