غزة - خاص قدس الإخبارية: سيضطر الطفل معاذ الحاج 13 عامًا استقبال العام الدراسي الجديد بزيّه المدرسي القديم والمرقع بعدما استصلحه على أيدي أصحاب المحلات المتخصصة بذلك في غزة، حيث تعذر على والده الذي يعمل كموظف حكومي لدى السلطة الفلسطينيّة شراء ملابس جديدة له بسبب افتقاره للمال وتعاقب المناسبات على كاهله في وقت متقارب.
وبقلبه الصغير استشعر الطفل الأزمة المالية التي يمر بها والده، رغم أنه كان يتمنى الذهاب في أيامه الدراسية الأولى بزي جديد، لكن -ما بيده حيلة- إذ لم يقتصر الأمر على معاذ فقط؛ فأشقائه الأربعة ينتهجون نفس الطريقة لإعادة تأهيل ملابسهم المدرسية التي تتمثل في الحقائب، البنطايل كذلك الأحذية.
يقول الطفل في حديثه لـ "قدس الإخبارية" :" لم يتبق من راتب والدي سوى مبلغ صغير بحدود 100 شيكل، سنشتري فيها قرطاسية، أقلام، ونأخذ بضع من مصروفنا اليومي، وليس لديه المال الكافي للشراء لذلك ذهبت لرتق زي المدرسي، وفي حال توافرت نقود مع أبي سيعود مرة أخرى للشراء لي".
ويضيف أتمنى أن يتحسن الوضع المادي لأبي حتى يلبي لي ولأشقائي كل ما نحتاجه، ونحلم به من متطلبات.
ويعيش معاذ بين كنف عائلة ميسورة الحال نتيجة تدهور مصدر دخل الأب الذي كان يحصل راتب شهري بقيمة 2500 شيكل، ونتيجة الخصومات التي فرضت على موظفي السلطة لا يتبقى له منه سوى فتات بالكاد يوفر من خلالها قوت أسرته.
وتشهد محلات رقع الملابس والأحذية مع بداية العام الدراسي إقبالًا متزايدًا عليها من قبل الزبائن على خلاف باقي المحلات التجارية التي تبيع الملابس الجاهزة، في أسلوب بديل اعتمدت عليه غالبية العائلات الغزيّة، لمعالجة الأمر بأقل تكلفة ممكنة وحرصهم على توفير مستلزمات أكثر أهمية وتقليص الأقل منها.
أمام محل تصليح الأحذية متواضع الامكانيات تصطف عدد من النسوة اللواتي قصدن المحل لرتق ملابس وأحذية أطفالهن مع اقتراب توقيت الدوام المدرسي بعدما دفعتهن الحاجة لذلك، أكدت إحداهن وتدعى أم كريم النواجحة بصوت غلب عليه المأساة أنها لم أقم بشراء أي جديد لأبنائها سواء كان بالعيد والمدرسة، فليس لديها أموال تكفي لذلك مستثمرة كل مناسبة في التوجه الى المحلات المتخصصة في قطب الأحذية الممزقة أو الملابس لعلّها تصبع بمنظر مقبول.
وقالت النواجحة لـ"قدس الإخبارية" إنها قامت بتصليح عطب الأحذية الخاصة بأطفالها الثلاثة ليذهبوا بها للمدرسة، بعد أن اشترتها لهم قبل عامين، فليس بمقدورها شراء بديل جديد لهم، رغم أني تتمنى أن يتوافر لديها مال لشراء الجديد فنظرة الحسرة بعيون أطفالها لعدم اقتنائهم الجديد تحزنها.
وتعيش النواجحة مع زوجها وأبنائها الصغار معتمدة على مصدر دخلها من خلال شيك التنمية الاجتماعية الذي يصرف لهم كل ثلاثة شهور، وأحيانا تزيد مدة القبض إلى أن تصل الأربعة.
يعاني سكان قطاع غزة من الحصار المفروض على مدنتهم منذ أكثر من 11 عام و إغلاق المعابر أمامهم، كذلك استقطاع السلطة الفلسطينية ثلثي رواتب موظفيها البالغ عددهم (58 ألفًا) في قطاع غزة، إضافة إلى أنّ نحو 45 ألف موظف آخرين يتبعون لحكومة غزة السابقة، يتقاضون ما نسبته 40% من رواتبهم، في حين أنّ 80% من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الخارجية لتوفير متطلباتهم المعيشية.
وينهمك الشاب زهير البنا الذي يجلس أمام ماكنة الخياطة وحوله (الخيوط، علب المسامير، الصمغ ) وهى أحد المواد المستخدمة في هذه المهنة وسط أكوام من الأغراض التي تحتاج رتقها كل حسب شكله والآلية المناسبة له في محله بسيط الامكانيات بين أزقة مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
تحدث قائًلا بينما كان يخيط أحد الأحذية على عجالة لارتدائها في أول أيام المدرسة:" هناك توجه كبير من قبل المواطنين في قطاع غزة لاستصلاح حاجياتهم سواء كان، ملابس، أحذية، حقائب، جلود، في كافة المناسبات؛ لكنها تكثر في مواسم الأعياد وبداية العام الدراسي".
وحسب ما نبّه البنا أنّ رتق الملابس مهنة شاقة فهي تحتاج لسعات طويلة للعمل لتلبية حاجة الزبون، بسعر أقل فمثلًا وجودة مناسبة، ولا يتجاوز تصليح حقيبة المدرسة الخمسة شواقل، وفي المقابل إذا أراد الزبون شرائها تكلفة كأدنى حد 30 شيكل، إضافة للأحذية سعر التصليح يتراوح ما بين ث شيكلـ اثنين وأحيانا أكثر، وثمنها جاهزة يساوى 20 شيقل وأكثر.
وأوضح أن هذه المهنة شاقة وتحتاج لوقت وجهد وتركيز مراعاة لأذواق الزبائن المختلفة.
بيّن المحلل الاقتصادي معين رجب أن الغزيين لجأوا لإعادة صيانة ملابسهم في خطوة منهم للتحايل على الواقع المرير بأسلوب يبدو أقل تكلفة وفي نفس الوقت يحقق لهم غرضهم، معزيًا ذلك إلى سبب تدهور الوضع المعيشي والاقتصادي الذي يسيطر على القطاع.
وارتفاع نسب البطالة والفقر بقطاع غزة بشكل قياسي وغير مسبوق وصلت إلى ما بين 60 و80% نتيجة دخول فئات جديدة لشريحة الفقراء كالموظفين وعمال المصانع والشركات التي أغلقت أبوابها، ناهيك عن وجود 175ألف خريج من الجامعات المحلية.
فيما قدر رجب متوسط دخل الفرد الواحد في قطاع غزة 2 دولار بما بعادل 7 شيكل وهو أقل من الحد الأدنى الذي يقاس فيه مؤشر الفقر في الدول النامية، وهذا بدوره ذلك نقص السيولة النقدية بين أيدي السكان، بسبب عدم توافر فرص عمل، أو حتى تشغيل مؤقت وازدياد نسب البطالة بشكل مهول.