القدس المحتلة- خاص قُدس الإخبارية: مع غروب الشمس في مدينة القدس هذه الأيام، تظهر على سورها القديم إضاءات بمختلف الألوان والأشكال، ترسم مجتمعةً لوحات ورسوم ذات رمزية إسرائيلية في غالبها، يشارك في عرضها عشرات من الفنانين الإسرائيليين والأجانب. تصاحب هذه العروض الضوئية على سور القدس العثماني، عروضٌ أخرى في الشوارع الموازية للسور تشمل فعاليات راقصة واستعراضية.
تأتي هذه الفعاليات ضمن مهرجان "الأنوار في القدس" ""Jerusalem Festival of Light الذي دأبت سلطات الاحتلال على تنظيمه في البلدة القديمة للقدس وحولها منذ العام 2008، وقد بدأت فعالياته مساء الأربعاء الماضي (27 حزيران)، ويمتدّ حتى الخميس الخامس من تموز 2018، بإشراف وتنظيم كل من الجهات الإسرائيلية التالية مشتركة: "وزارة شؤون القدس والتراث، بلدية الاحتلال في القدس، سلطة تطوير القدس، شركة "هاريئيل" التابعة لبلدية الاحتلال".
يأتي هذا المهرجان كخطوة فنية معاصرة ضمن أدوات تهويد وأسرلة الحيز المكاني والتاريخي في مدينة القدس، وضمن سلسلة مشاريع بسط النفوذ وإحكام السيطرة على القدس، لتلائم نمط معيشة يختلف تماماً عن التراث الفلسطيني لضربه من جهة، ولتعزز الوجود الاستيطاني والسياحة الى القدس باعتبارها عاصمةً لكيان الاحتلال من جهة اخرى. فبنظرة سريعة على المواقع المختارة، حيث التركيز على مسار (باب الخليل-باب الجديد-باب العامود) ومغارة سليمان، الالتفاف حول السور والبلدة القديمة، وتسهيل التنقل بينها، يتبين لنا الاهتمام بالأماكن الأثرية في القدس.
بدأ تنظيم المهرجان منذ العام 2009، في ذات العام الذي تم إعلان القدس عاصمةً للثقافة العربية فيه، حيث منعت سلطات الاحتلال حينها أي فعالية تحت مظلة هذه التسمية، وانطلقت بدورها بنشاطات مختلفة من ضمنها "مهرجان الأنوار" بتمويل حكومة الاحتلال وبإشراف بلدية الاحتلال، ووزارة سياحة الاحتلال، وما يسمى بـ "سلطة تطوير القدس" و"مكتب القدس والتراث".
ويشارك سنوياً، مجموعة كبيرة من الفنانين والشركات الفنية من حول العالم، مثل شركة “AVS Creative” الاسرائيلية، و"Visualsupport" البولندية، و"Martens & Visser" الهولندية، والفنانان ديفيد ليسورت وارنود جيرود الفرنسيان والفنانة اماندا بارر من استراليا، وغيرهم من فنلندا، فرنسا، ايطاليا، تركيا، اليابان، الصين، البرتغال، سنغافورة، الولايات المتحدة، وألمانيا.
لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل يدعم هذه المشاريع التهويدية منشورات توزع باللغات العربية والانجليزية والعبرية، والتي يكتب فيها أسماء هذه المواقع الأثرية والمعالم المقدسة في القدس بأسماء عبرية بدلاً من الاسم العربي الأصلي، مثل: "الحائط الغربي للهيكل" بدلاً من حائط البراق، "باب صهيون" بدلاً من باب النبي داوود، "شاعر هحداش" بدلاً من باب الجديد، "مغارة صدقياهو" بدلاً من مغارة الكتان/سليمان، وغيرها، نشراً للمسميات الإسرائيلية، ودعماً لمخططات التهويد وتزوير التاريخ.
لماذا "النور"؟
بدأت فكرة مهرجانات الأنوار/الأضواء في أوروبا في التسعينات وكان الهدف منها إبراز التراث المعماري، وحسب الموقع الرسمي لـ"مهرجانات الأضواء العالمية" فإن الهدف الأول هو "إعادة اكتشاف المباني التاريخية والمعاصرة، والساحات، والحدائق، والجسور والأنهار، من خلال طريقة جديدة هي الأضواء".
وبالنظر إلى خصوصية الأوضاع في القدس، فقد يكون ذلك أحد أساليب الاحتلال بتعزيز السياحة المحلية والعالمية إليها بأسلوب عصري يدعم ترويج الرواية الإسرائيلية، خاصةً أن هذا النوع من المهرجانات لا يستهدف جمهوراً مغلقاً بعينه، بل يضم جميع أفراد العائلة، أطفالاً، شباباً، شيوخاً، ذكوراً، وإناثاً، وبالتالي يتمكن من الوصول إلى عقول أكبر شريحة ممكنة.
تستوحى الرموز التفاعلية المستخدمة في الأعمال الفنية التي تعرض في هذا المهرجان من التراث اليهودي وتاريخه المزعوم، مجسمات كانت أم كلمات أو صور مضيئة.
ويقوم أساس عرض هذه الأعمال الفنية على العروض الضوئية، فمن أشهر الأعمال الفنية مثلاً، مجسم قبةٍ بيضاوية الشكل، مصنوعة من الصنوبر ومضاءة بنظام إضاءة LED لاستهلاكه القليل للطاقة، يدخلها الزوار ليشاهدوا عبر سحابة بداخلها عروضاً ضوئية بخلفية موسيقية. كما تُعرض لوحات الرسامين المشاركين كأضواء ملونة على أسوار القدس، ويزين مبنى بلدية الاحتلال في القدس بنظام إضاءة، وتعرض صورٌ متحركة باستخدام إضاءات على مجسمات مختلفة، حتى أن السيرك أصبح بأضواء... فلماذا "النور"؟
تقتبس الباحثة نيفين الزواوي في مقالها بعنوان "أضواء على حقيقة المهرجانات اليهودية في القدس"، عن "الرابي" شطاينزلتس من كتاب "اوريم"، أن ربط النور في العقيدة اليهودية بالسيطرة والحكمة والخلاص والقدسية والخلود، ورؤيته كمادة "خارقة" تربط بين العالم الواقعي و"فوق الطبيعي"". وتضيف: "بهذا المعنى تم استخدام النور وتسخيره لخدمة غايات وسياسات يهودية على أرض الواقع، إذ تم توظيفه عند حلول الظلام كعامل مقسم ومنظم وراسم للحدود، إضافة الى عملية الوصل بين المكان والمعتقد، إحياؤه ومحاولة ترسيخه".
ما الخيارات؟
نظم الحراك الشعبي المقدسي عام 2015 كرنفالاً مضاداً حمل اسم "القدس لنا" أمام باب العامود، أكبر أبواب سور القدس وأشهرها، وضم عروضاً للدبكة الشعبية وفعاليات مختلفة للأطفال، بالإضافة إلى إقامة صلاة المغرب في المكان، في إطار حملاته المستمرة لرفض محاولات التهويد المُمنهج ومشاريع الأسرلة التي تنهش عراقة المدينة المقدسة.
وتستمر فعاليات مهرجان الأنوار التهويدي على مدار أسبوع، تتوزع على 40 موقع في عدة مسارات، من ساحة باب الخليل، مروراً بميدان عمر بن الخطاب، وحي الأرمن، وحارة الشرف "اليهود"، وحارة النصارى، وصولاً إلى باب العامود ومغارة سليمان، كما أُضيف العام المنصرم موقعٌ في شارع يافا، وما تم تسميته بـ"قطار حائط المبكى "الهيكل"، ليسهل التنقل بين بعض محطات المهرجان، استكمالاً لمسلسل تهويد القدس.