بأقصى ما يستطيع من صراحة، تحدث الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن السيناريوهات التي أمام السلطة الفلسطينية حاليا لمواجهة المرحلة الجديدة التي كان سماها هو نفسه "فرض الحل" و"إملاءات الرئيس ترامب".
تطرق إلى مجمل هذه السيناريوهات في مقابلة أجرتها معه قناة "الجزيرة" أمس الأول، الخميس، ويمكن وضعها كلها تحت عنوان "الحد من الأضرار" وفق تعبيره الخاص لأنه يعلم جيدا، وهو ليس الوحيد في ذلك على كل، أن لا أحد من القيادة الفلسطينية أو النظام العربي الرسمي في وارد الدخول في مواجهة مفتوحة وغير منضبطة مع واشنطن. ليس معنى ذلك التسليم لها أو القبول بما تفصله إدارة ترامب للمنطقة وإنما التصميم على الدخول معها في مواجهة داخل إطار القانون الدولي حتى النهاية.
كان عريقات واضحا في البدء بأن أي نجاح للتمشي الفلسطيني في "الحد من الأضرار" يستلزم أولا وقبل كل شيء الإقفال النهائي والدائم لملف الانقسام الداخلي حتى يكون التحرك المقبل على إيقاع واحد لا يشوشه شيء، وإن كان ذلك لا يعني طمس المقاربات المختلفة داخل الساحة الوطنية وتعددية الآراء التي ميزتها على الدوام. كما أنه لا يعني إنكار حق الفلسطينيين في المقاومة وأولها الصمود على أرضه.
عريقات بدا أيضا حذرا في الحديث عن مدى ثقة الفلسطينيين في وقوف الحكومات العربية معهم في هذه المرحلة وعدم انجرارهم وراء السياسة الأمريكية الحالية لاعتبارات داخلية شتى. اعتبر أنه لا يمكنه التعاطي إلا مع ما يلمسه يوميا من مواقف رسمية معلنة ومؤيدة، فضلا عما بلغ به شخصيا عن استمرار وقوف كل الدول العربية معهم رغم الوضع العربي العام المنهك بالخلافات والأزمات.
أما التقدير الفلسطيني الرسمي للمواقف الأوروبية والروسية والدولية عموما فبدا إيجابيا رغم العلم بأن لا دولة يمكن أن تدخل في مواجهة مفتوحة مع واشنطن من أجل الفلسطينيين وهذا لن يقلل في شيء من ضرورة التقدير لتصويت 14 دولة في مجلس الأمن ضد قرار ترامب الخاص بالقدس ولا التصويت الواسع ضده أيضا في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم تهديدات وابتزاز المندوبة الأمريكية نيكي هايلي.
نوقش عريقات مطولا حول أن المقاربة القانونية والحقوقية للقيادة الفلسطينية قد لا تكفي وأن العالم لم يشهد أبدا انتصارا لأي قضية تحرر وطني لمجرد أنها عادلة، كما نوقش في أن الدعوة للرعاية الدولية لعملية السلام تبدو وكأنها عودة للشكل الذي انطلقت به هذه العملية بداية التسعينيات مع مؤتمر مدريد قبل أن يختط الفلسطينيون نهجا مختلفا من خلال اتفاقية أوسلو وما ترتب عنها. لم يشأ العودة إلى الماضي ولا البكاء على اللبن بعد سكبه مفضلا النظر إلى المرحلة المقبلة وكيفية التصدي الجاد لها.
توقف عريقات عند القمة العربية المقبلة في الرياض وضرورة أن تنفذ الدول العربية ما سبق لها أن حذرت منه في قمة سابقة من مغبة أن تنقل أي دولة في العالم سفارتها لدى "إسرائيل" إلى القدس ولتكن غواتيمالا هي البداية، وهي التي قال إنها تصدر بما قيمته 400 مليون دولار سنويا من «الهيل» إلى الدول العربية. صحيح أنه من الصعب أن تمضي دول عربية في إجراءات عقابية ضد واشنطن ولكن ما الذي يحول دون ذلك لغيرها، حتى تبقى الولايات المتحدة وحيدة ومعزولة في خطوتها الاستفزازية التي يراد الاحتفاء بها في الخامس عشر من مايو/ أيار المقبل بحضور الرئيس ترامب نفسه.
اللافت أن عريقات الذي قدم في الاجتماع الأخير للمجلس الثوري لحركة «فتح» ورقة مطولة بعنوان "إملاءات الرئيس ترامب. المرحلة الجديدة: فرض الحل" لم يشأ أن يبدو متفائلا أو متوهما بخصوص ما إذا كان غياب ترامب عن الساحة للتحقيقات الداخلية التي قد تطاله لاحقا، أو غياب نتنياهو بسبب قضايا الفساد التي تلاحقه بعنف. بدا متحفظا ومفضلا القول إن السياسات الأمريكية دائما ما كانت موالية لإسرائيل التي بدورها لم تكن يوما إلا دولة احتلال تزداد شراسة مع الأعوام.
بدا المسؤول الفلسطيني في هذه المقابلة التلفزيونية معبرا جدا عن مدى صعوبة التحديات التي تواجهها القيادة الفلسطينية في هذه المرحلة فهي مدعوة للتصدي لمشروع تعده وتريد فرضه القوة الأولى في العالم دون أن تكون هذه القيادة قادرة على التعويل على الدعم العربي أو الدولي إلا بمقدار معين تعرف هي حدوده ومحاذيره. حتى «الحد من الأضرار» ليس سهلا هذه الأيام.
سئل مرة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري عن القيادة الفلسطينية وسياساتها في محاولة لجره لتعليق ناقد أو مندد فلم يرد سوى بالقول: "لا أستطيع سوى أن أقول الله يكون في عونها، وهذا ما يقال اليوم كذلك".