شبكة قدس الإخبارية

باسل الأعرج وعلي أبو طوق.. سر الميلاد والاستشهاد

محمد بلال

في 27 يناير 2015 كتب الشهيد باسل الأعرج تغريدة على تويتر يقول فيها "تاريخ ميلادي هو ذكرى استشهاد أحد أعظم قادة العمل المسلح في الثورة الفلسطينية ... علي أبو طوق".

الحقّ أن ما جمع الشهيدين كان أكثر من الاشتراك في تاريخ الميلاد والاستشهاد, ولا نبالغ حين نقول إن ميلاد باسل الأعرج يكاد يكون استكمالًا لحياة علي أبو طوق، وكأنها روح واحدة حلّت في جسدين فقد اشترك الشهيدان في خصال تجعل المتأمل فيها يظن أنّه أمام رجل واحد عاش حقبتين مع اختلاف في الظروف والأحوال.

علي أبو طوق بطل تحصين قلعة شقيف، قائد عسكري في الكتيبة الطلابية وأحد أبرز مؤسسيها, شارك في قيادة العمل المسلح خلال فترة سبعينات وثمانينات القرن الماضي سواء خلال الاجتياحات الاسرائيلية للبنان أو خلال حرب المخيمات التي استشهد فيها داخل مخيم شاتيلا المحاصر, نُبرز هنا بعضا من ملامح سيرته كما رواها رفاقه في السرية الطلابية.

باسل الأعرج مثقف فلسطيني ولد عام 1984 ولكنك إذ تقرأ له أو تسمعه تظنّه عايش فترة ما قبل النكبة، جاب الضفة الغربية يعرّف الشباب بطولات المقاومة الفلسطينية، استشهد عام 2017 بعد مطاردة استمرّت عامًا.

اتفق الشهيدان في نظرتهما العامة للثورة وإيمانهما بديناميكيتها، كل عمل ثوري عندهم إن لم يكن مؤثرا في ذاته فيسهم في دحرجة الأمور نحو إنجاز أكبر، يتحدث معين الطاهر -مؤسس السرية الطلابية- عن علي أبو طوق فيقول "إن الثورة في نظره فعل مستمر, لا يهدأ ولا يتوقف لذا فان أي جهد يبذل فهو من أجل بذل جهد أكبر منه". باسل الأعرج كان قد قال كلامًا مشابهًا في سياق حديثه عن ملامح هبة القدس، ففي مقال له بعنوان (نظرات على الهبّة الشعبية) يَذكر أن هبة القدس تشبه تمامًا هبة البراق التي أسست لثورة 1936، وتشبه هبة النفق التي أسست للانتفاضة الثانية ويقول ما نصه "حتى لو لم تستمر الهبة الحالية، وتأخذ تطورها نحو انتفاضة، ثم ثورة، فإنها ستكون على الأكيد قد أوصلت الناس لضرورة الاستعداد لثورة ضخمة قادمة".

كان كل من الشهيدين يرى أنه لا يمكن الاكتفاء بالثقافة النظرية الصرفة التي تجعل المثقف حبيسًا للكلمات والجمل، والوعي يكون زائفًا إذا اقتصر على القراءة والكتابة وحفظ المعلومات، والثقافة الثورية عندهما تعزز العملَ وبها يقوى، يقول معين الطاهر: "آمن علي بربط النظرية الثورية بالممارسة العملية ورأى فيها الضمانة الأكيدة للوحدة والرأي السديد والمساهمة الجماعية في الارتقاء بالعمل وتطويره"، باسل الأعرج كان قد ابتدع مصطلح "المثقف المشتبك" وعرّف المثقف الثوري بأنه المثقف الذي يمارس الثقافة عبر الاشتباك على الأرض. وهكذا فلم يكن معنى الثقافة عندهما مختزَلا في التكلم في النظريات فقد حملا البندقية بعد أن حملا الفكر، وكانت بدايتاهما في المظاهرات ونقد السياسة قبل أن تنتهي في العمل العسكري -قاد علي ابو طوق مظاهرة ضد زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية سيسكو للأردن وشارك باسل في المظاهرات ضد زيارة موفاز لرام الله-, فشكل كل منهما صورة للمثقف المحرض والمقاتل ونموذجا لأخلاقية الممارسة الشاملة.

دافع الشهيدان قولًا وفعلًا عن وجهة نظرهما في اشتراك المرأة في العمل المقاوم، وأنه من الممكن للمرأة أن تؤدي واجبها الوطني دون أن يتعارض ذلك مع دورها الاجتماعي والإنساني، باسل الأعرج كان كتب مقالا بعنوان "لا تكن مع الاحتلال ضدهن" ينقد فيه التحامل على مشاركة الفتيات في إلقاء الحجارة خلال المظاهرات، ويرفض فيه النظرة الدونية للآخر كما يرفض فيه الإساءة للفتيات، أما علي أبو طوق فقد كان طويل الباع في هذا الباب، فكان أن أوكلت إليه مهمة إيجاد بؤرة تنظيمية لتدريب الفتيات فعمل على توفير منزل تتلقى فيه الفتيات تدريبات على استخدام الأسلحة الخفيفة وتصنيع المتفجرات من مواد بدائية بالإضافة إلى محاضرات تتلقاها الفتيات في الأمن والعمل السري، وكان أبرز إنجازاته تأسيسه تنظيم الثانويات الذي شاركت فيه الطالبات في العمل العسكري باسم "بنات علي أبو طوق" وكان من بينهنّ الشهيدة دلال المغربي.

درس في إنكار الذات وّفنائها لأجل أن تبقى الأفكار علّمنا إياه الشهيدان: 9 شهور قضاها باسل الأعرج بعيدًا عن أهله متواريًا عن أعين الناس، ميتًا يتنفس بين الأحياء زاهدًا عن متع الحياة، لا يصحبه إلا بندقية كارلو وبعض الكتب، لا ندري لماذا تخفَّى وماذا فعل وماذا كان ينوي أن يفعل طيلة فترة الاختفاء ولماذا بحث عنه الاحتلال ثم لما وجده اغتاله وسرق الجثمان؟ هذا الإنكار ثم الإفناء للذات يبدو أنه ورثه من علي أبو طوق الذي يروي عنه منير شفيق -أكبر مؤرخي السرية الطلابية- أنه كان يصاب ثم تجده في اليوم التالي على رأس عمله، ويقول عنه شفيق الغبرا-أحد قادة الكتيبة الطلابية-: "النكران للذات يصل حد القداسة والتقديس عند علي أبو طوق".

ملأ شهيدانا الدنيا وشغلا الناس، وحقيق أن يقال فيهما إنهما أتعبا من بعدهما، ومع أنّهما كانا يمقتان أسطرة الشهداء إلا أنه قد كثرت الروايات والحكايات حولهما، يُذكر عن الشهيد علي أبو طوق أنه كان يُجرح الجرحَ فوق الجرح ويُروى أن طبيباً في شاتيلا كان يقول، "لا يوجد مشفى في شاتيلا ولكن يوجد لدينا علي فسيكون لدينا مشفى"، حتى أن أبناء شاتيلا ما زالوا إلى اليوم يستنجدون بـ"رحمة علي" لحل النزاعات التي يستعصي حلّها. أما عن باسل الأعرج فقد تهادى إلى سمعي عنه أنه أثناء اختفائه شاهدت أمه راهبًا يحمل شمعدانا فقالت لمن حولها أنها تجد ريح باسل في المكان في إشارة لذلك اللابس لثياب الرهبان! لا أدري إن كانت هذه الحكايات قريبة من الواقع أم أنها أقرب إلى الأحاديث التي لا ترتبط إلا بالأساطير.