من أسيرٍ إلى ابنته..
إلى أسمى المنى: حبيبة القلب ونعمتي من الرب "أسمى المنى".. يا أوّل زهرة من بستان اليقين - اكتب لك وأنت البعيدة عينا، - المسطيرة - مع والديّ وأمك وأختك المنتظرة - قلبًا وفكرًا وروحًا.
الحيرة تتملكني يا روحي وأنت ابنة العامين في مشاعرك، الكبيرة في انتباهاتك الآسرة، اكتب لك طفلة وصديقة، ونحن اللذان امتلكنا لغة أعين ومشاعر وأحاسيس، ترجمتها ابتسامات، وضحكات واطمئنان وحنان، ثم باغتنا الفراق، فإذا هو يجعلنا نكبر، أعوامًا..
لذلك إليك رسالتي الأولى، استودعها حتى تقرأينها يومًا، علّها تجيبك عند سؤال القلب الصغير: وين بابا؟
على باب كهف الفراق، تجمعت كل مشاهد أيامنا الجميلة، وكل أيامنا معًا جميلة، وكأنها تزاحمت جراحًا في الذاكرة، إذ انقطعت وقد كانت يد الروع وعين الفؤاد، وهواء الفرح.
أحاول يا زهرة العمر - ولا أستطيع - أن أنسَ لهفتك، وخوفك من كلاب الليل، أدرك أنها لحظات حفرت في ذاكرتك كما جرحت فؤاد الأب والزوج، وهو على باب كهف الفراق.
حبيبتي أسمى المنى: ستكبرين والمشهد حاضر متكرر، بوجود هذا المحتل، لكن مع كل لحظة، يدور ببالك هذا المشهد ستدركين، حقنا الأسمى وباطلهم الوضيع، وسيبدد كل تساؤلاتك، حبنا الفلسطيني الجميل وكرههم القبيح.
يعزيني يا عيوني في ذاك المشهد رغم دموعك المكلومة ودموع أمي وأمك المكتومة، وآهاتي المكظومة، يعزيني أنكما ودائع عند الله.. هو خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.
حبيبتي أسمى المنى، مضى شهر على الفراق، وأنا أحاول أن أثبت ساعة للزمن، على مشهد وداعك وحضنك، رغم الألم الذي يملؤه، كنت أحاول أن أقطف أمل اللقاء ولو بعد حين.
ومرّت الأيام من تحقيق إلى سجن "مجدو" ثم سجن "جلبوع"، وفي كل يوم هنالك أسرى مثلي، وبنات مثلك بل أمرّ، باعد بينهم كهف الفراق.. سنوات وسنوات ولا يزال الأمل بالله ينبض شوقًا وحياة فيهم.. يكبر حيث يكبرون.
وصلت إلى سجن "جلبوع"، وإذا بعدد من الأسرى والأحباب يفاجئوني بالصورة، التي حاولت استحضارها.. مقال على جريدة القدس- التي وللمناسبة تدخل الأقسام نادرًا بسبب تضييق المحتل-.
كان المقال عند لحظة اعتقالي وعند قبلة الوداع، الصورة العفوية كانت تحكي كثيرًا من المشاعر المختلطة، وكان القدر أن أرى صورة لنا كنت أرسلتها لعمك محمد وخالك حذيفة قبل سنتين أيام كانا في الأسرى - صورة بنفس زاوية صورة الوداع - ليس الفرق بينها إلا الاحتلال، حيث يخيم بظلمه وعنجهيته على ألوان الفرح.