مضى العام الثاني على اغتيال الشهيد عمر النايف في السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا، حيث لجأ إليها بعد أن قام العدو الصهيوني بالطلب من السلطات البلغارية تسليمه إليها بحجة أنه مطلوب على خلفية قضايا قومية وقيامه بقتل مستوطن في العام 1986، حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
رفض الشهيد عمر قرار التسليم، وأعتقد أن سفارة بلاده ستكون الدرع الحامي له، كيف لا وهو من قدم حياته كلها في النضال الفلسطيني منها أربع سنوات من عمره في باستيلات العدو الصهيوني قبل أن يتمكن من الهروب من السجن بخطه محكمة وتنقله بين العديد من الأقطار العربية فتحط رحاله في بلغاريا، ليتزوج هناك ويستقر.
لجأ إلى السفارة التي تدعي تمثيلها لفلسطين وأن جودها لخدمة الفلسطينين هناك، واحتمى في حماها، ومنذ أن وطأت قدمه عتبات تلك السفارة بدأت رحلة عذاب من نوع آخر، عذاب القريب والصديق وليس العدو، عذاب شركاء من ادّعوا النضال، وأنهم شركاء الثورة والمقاومة.
أولى التصريحات التي واجهها فور وصوله كانت من السفير أحمد المذبوح موجهًا كلامه إلى النايف مرددًا: “السفارة مكان غير آمن الك، والموساد معاه كل مفاتيح السفارة”!، فهل يعقل أن يصدر هكذا تصريح من الشخص الأعلى رتبه في السفارة؟ نعم يعقل هذا التصريح من شخص أرعن لا يملك مقومات المناضل التي يملكها الشهيد عمر، وعلى الرغم من صدور التصريح إلا أن وزارة الخارجية الفلسطينية لم تلق بالًا لما قاله المذبوح وتركته يستمر في طغيانه والتضييق على المناضل الحر.
استمرت محاولات طاقم السفارة إخراج النايف من المبنى، أحيانا بأوامر مباشرة من وزارة الخارجية في رام الله، وأحياناً أخرى بقرارات متفردة من رئيس طاقم السفارة المدعو أحمد المذبوح، ولكن النايف المعروف بإرادته الفولاذية، وعزيمته وإصراره صمد وصبر وقاوم كل المحاولات الفاشلة للغدر، وكان يعمل بمساعدة رفاقه بالخفاء من أجل الحماية والانتقال لمكان آخر أكثر أمنًا ولكن سيف الغدر من طاقم السفارة كان الأقرب إلى روحه الطاهرة.
لن نخوض كثيرًا في التفاصيل التي حدثت بين الشهيد وطاقم السفارة، لأننا جميعًا أصبحنا نعرفها، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو التقارير التلفزيونية التي تم عرضها، أو من خلال المؤتمرات الصحفية التي عقدتها عائلة الشهيد البطل، ولكن يطل السؤال من رحم الموت، بعد قرابة العامين، أين أصبح ملف الاغتيال؟ أين نتائج التحقيق؟ من القاتل؟ من الفاعل ومن الشريك؟، الإجابة، تبخرت إلى حيث لا ندري، ربما صعدت إلى السماء مع روح الشهيد.
عامان كاملان انقضيا منذ أن فاضت روح الشهيد إلى بارئها ولم نجد نتيجة واضحة وملموسة ولا حتى سيناريو متكامل للأحداث التي حصلت مع الشهيد منذ وصول تبليغ التسليم إلى حيث وداعه إلى مثواره الأخير، على الرغم من أن كل شيء واضح وضوح الشمس وبالدليل والإثباتات والتسجيلات الصوتية والمراسلات المكتوبة.
ثلاث لجان تحقيق شكلت، تم الضغط عليها من جميع الاتجاهات، وفي كل مرة وقبل كتابة التقرير النهائي يتم الضغط بكامل الثقل على اللجنة من أجل إما تغيير الوقائع أو إخفاء الحقيقة، أبرز الضغوطات كانت من السفير الفلسطيني والذي لازال يعمل يعمل سفيرًا عندما اقتحم مقرّ الاجتماع للجنة التحقيق ضاربًا بكفيه على الطاولة صارخًا ملء حنجرته “لن أكون كبشًا للفداء”.
تقارير عديدة متعلقة بالقضية قد صدرت، منها ما هو طبي وآخر صحفي، ولكن في ظل غياب القالب التحقيقي الجنائي الصحيح ستظل هذه التقارير عديمة الفائدة، ففي أولى التقارير الطبية الصادرة عن المشرحة البلغارية أفاد التقرير أن سبب الوفاة غير معروف، وفي تقرير طبي آخر أظهر وجود تسمم بالدم نتيجة تعاطي الشهيد لأدوية “السكري”، ولكن الرأي الطبي أثبت بالبينات أن الدواء الذي كان يتناوله الشهيد عمر لا يستخدم في حالات الانتحار ولا خطر من جانب هذا الدواء على حياة المريض الذي يتناوله.
وعلى الجانب الآخر تحاول السفارة الفلسطينية في بلغاريا بمساعدة السلطة الفلسطينية في رام الله بالترويج لرواية أن الشهيد عمر النايف قد انتحر، على الرغم من الدلائل والبينات على أرض الواقع والتقارير الطبية أيضًا والتي تشير بطريقة غير مباشرة إلى أن الشهيد قتل عن سبق إصرار وترصد ولم ينتحر.
في الأمثال الفلسطينية قال أجدادنا “من جرب المجرب عقله مخرب”، اغتيل الشهيد الفنان ناجي العلي في بريطانيا وتم تشكيل لجنة تحقيق وذهبت إدراج الرياح ولم نعرف إلى هذه اللحظة من هو القاتل، وبالتالي أصبح لزامًا علينا، كأبناء الشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص، وأبناء القضية المركزية العربية، القضية الفلسطينية محاسبة والضغط بكافة الأشكال على أصحاب القرار للخروج بتقرير واضح وصريح يوضح ما الذي حدث للشهيد عمر النايف ومحاسبة كل من تواطؤ وتآمر ونفذ.