منذ ظهور حركات تحرر المرأة في مصر والدول العربية بدأ صراع واضح وجلي بين مطالب دعاة تحرير المرأة والاسلاميين. من أوائل هذه الصراعات صراع هدى شعرواي ونساء عصرها مع السلطة الدينية واستمر هذا الصراع بالتفاقم وأخذت الفجوة تزداد بين طرفي الصراع.
بعد البحث في هذا الموضوع وقراءة بعض الكتاب ممن ينتمون الى الخطاب الديني والخطاب النسوي الليبرالي، أعتقد أنه توجد فجوة كبيرة بين الخطابين وليس بين الدين الاسلامي والخطاب الليبرالي. لكن لماذا توجد هذه الفجوة بين الخطابين طالما أن الدين الاسلامي لا يتعارض مع مطالب الخطاب النسوي الليبرالي؟
للاجابة على هذا السؤال راجعت العديد من خطابات الليبراليين مؤخرا كقاسم أمين ونوال السعداوي ووجدت بأن ضيق الصدر والرؤية وعدم وجود مفهوم النقد الذاتي في كثير من الاحيان هو ما أدى الى استفحال الفجوة بين الطرفين. فنجد نوال السعداوي تتحدث عن ختان الاناث وعن الدين التقليدي الذي وجدته منذ الصغر، وهذه المسائل من حق أي شخص كان أن يتساءل عنها ويفكر فيها.
تقول نوال السعداوي في سيرتها الذاتية التي كتبتها في عمر الستين أن حادثة ختانها ما زالت حاضرة وكأنها حدثت في البارحة! وتذكر الألم النفسي المصاحب لتلك الحادثة حتى يومها هذا، وتقول "من صغري كنت أفكر أنه لا يعقل لنبي أن يأمر بختان الاناث!" يتضح لي أن نوال السعداوي في صغرها آمنت أيضا أنه لا يمكن لدين أن يأمر الناس بفعل أمور وحشية وبالتالي كان هناك تفكير عميق بالدين وبعدله!
بينما لم يفكر العديد من المفكرين الاسلاميين في تلك المرحلة بأن عملية الختان عملية أقبح من أن يأمر الله الرحيم بها، وبدل من استيعاب تساؤلاتها أو التفكير فيها للرد عليها كفروها وأهدروا دمها! اذن هي كمفكرة تساءلت عن الدين ولم تجد من يجبها انما وجدت من يكفرها، وبالتالي اقتنعت بأن قوانين الدين الاسلامي مجحفة بحق المرأة ولا أحد يستطيع أن يلومها على ذلك لأن صاحب الحق يستطيع أن يسوق الدليل وإلا فلا يستطيع أن يثبت أنه على حق. ومن الطبيعي لأي انسان يؤمن بدين معين أن يتساءل ويخطىء ويصيب، وخطؤه لا يعني أنه كافر إنما ضيق افق رجل الدين أو أي شخص متدين يجعله يعتقد بأن المتساءل المفكر بأمور الدين كافر.
من وجهة نظري كامرأة رأت الاجحاف بحق المرأة في المجتمع العربي والفلسطيني وعدم مساواة الذكر بالانثى في معظم الأحيان، أن ما حدث مع الليبراليات المطالبات بحقوق المرأة طبيعي جدا لأن أحدا لم يستطع احتواء افكارهن ولم يستطع محاورتهن واثبات أن الدين الاسلامي دين عدل ورحمة للذكر والانثى على حد سواء! وهذا يرجع لأسباب عدة أهمها هيمنة العادات والتقاليد والمجتمع الذكوري وأخذ الدين بمسلمات واهمال اعمال العقل فيه.
هيمنة العادات والتقاليد البالية في المجتمعات العربية أدت الى تراجع دور الدين في المجتمع العربي المسلم؛ فهي الأمر الذي أصبح يغلب في معظم مناحي الحياة وأصبح هناك خلط بينها وبين الدين في معظم المجتمعات. فمثلا في المجتمع المصري ختان الاناث كان ينظر له أنه واجب ديني لتطهير المرأة وحفظ شرفها وكان ينظر للمرأة غير المختونة بأنها خارجة عن الدين لا عن العادات والتقاليد! وقس على ذلك العديد والعديد من العادات التي أوجدها المجتمع الذكوري وأصبحت جزءا من عقيدة الناس الدينية!
قد يتراود الى عقل القارىء لماذا كانت هذه التقاليد التي تخدم الذكر ومن أوجدها؟ والرد على هذا السؤال ببساطة لأنه عبر التاريخ لم نجد مرة واحدة اضطهدت المرأة فيها الرجل، وأن العادات والتقاليد ان لم تكن المرأة واعية بدينها يجعلها المنتفعون جزءا من الدين ويقنعون المرأة بها. وهنا تستطيع المرأة اليوم أن تلوم المرأة العربية في العصور السابقة لعدم حرصها على التفقه في الدين، وبالتالي فتح المجال للمشايخ لتحويل الدين الاسلامي الى دين ذكوري عبر إدخال المفاهيم التي تخدم مصالحهم وتضطهد المرأة بأشكال مختلفة.
أما بالنسبة لضيق الأفق في الدين فهذا يرجع الى قرون سابقة تدهور فيها حال الدين بسبب كبار المشايخ الذين أقروا بالأخذ بالنقل قبل اعمال العقل في المسائل الدينية. ومع تطور الحياة وظهور حركات فكرية جديدة أصبح الدين عبارة عن مجموعة من القوانين الرجعية البالية التي تقصّر في الاجابة على أسئلة أتباع المذاهب الفكرية الأخرى. بالتالي فالمسؤولية تاريخيا تقع على عاتق من قدم النقل على العقل في الدين ومن اتبع دون تفكير.
والسؤال الان هل من الممكن تقليص الفجوة بين الخطابين والتأكيد على أن الاسلام لا يتعارض مع حقوق المرأة المسلمة ولا يضطهدها؟ إنما إن نظرنا إلى محتوى الدين الاسلامي نجد أنه لم يسبق أن حظيت المرأة في أي عصر من العصور عبر التاريخ بما حظيت به المرأة من حقوق منصوص عليها في القرآن والسنة؟
نعم بالتأكيد من الممكن تقليص الفجوة وجعل الخطابين يصبان في نهر مشترك، لكن يحتاج الموضوع الى جهد المرأة والرجل المسلمين معا. يجب على المرأة أن تنفتح على الدين وتبدأ بالتفقه فيه وفهم فحوى ومحتوى النصوص والتمييز بين ما أوجده المجتمع الذكوري والعادات والتقاليد وبين النصوص الشرعية والأوامر الدينية. كما ويجب على المشايخ المتفقهين فتح عقولهم وقلوبهم لخطاب الاخر وتفنيده والقدرة على الاقناع بدلا من التكفير. وهنا حقيقة نحن بحاجة الى علماء دين ينتجون معرفة جديدة تغلق جميع الفجوات الموجودة بالتفاسير الدينية التي لم تستطع الرد على الكثير من المسائل التي طرحتها وتطرحها النسويات الليبراليات. اذا استطعنا القيام بالأمرين السابقين سيتم الحد من هذه الفجوة والارتقاء بالدين وبالتفكير فيه.
أنا اعلم انه هناك تفنيد كاف وواف المشايخ المعاصرين الذين أعملوا العقل لا النقل في الأمور الدينية لكن لا أرى عدداً كافياً من المناظرات والنقاشات بين النسويات الليبراليات وهؤلاء المشايخ. لذا بتقديري الشخصي من المهم جداً أن نبدأ بالالتفات الى هذا الموضوع وفتح باب النقاش بين الخطابين لكي نرتقي بالمجتمع المسلم والمرأة المسلمة ولنتخلص من الكثير من الصراعات بين الطرفين الذين يلتقيان أكثر مما يتنافران لكنهما في غفلة عن نقاط الالتقاء تلك.