شبكة قدس الإخبارية

الكاميرا الفلسطينية.. العين الموثِقة لبطولات الانتفاضة الأولى

160744222580832
رويدا عامر

غزة - خاص قُدس الاخبارية: "كنّا نتعرض للضرب والاعتقال وكسر الكاميرات، على الرغم من أننا كصحفيين كنا نعمل لوكالات عالمية معروفة لديهم، هذا الأمر لم يحمنا بل كنا نلتقط الصورة ونهرب بسرعة خوفاً من اعتقالنا وإتلاف المواد الصحفية" لأنه لم يكن المحتل يعترف بالإعلام الفلسطيني بل كان يتهم الصحفيين بأنهم يريدون نقل منظمة التحرير الفلسطيني إلى الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة الأولى.

لم يكن في الانتفاضة الأولى عدد كبير من المصورين بل كانوا يعدون على أصابع اليد، يُعرف منهم المصورين "عادل هنا ومجدي العرابيد"، اللذان خاضا تجربة صعبة خلال الانتفاضة الأولى، فكانت مهنة الصحافة لا تخلو من الكر والفر من أجل نقل الصورة للعالم في وقتٍ ظنّ المحتل أن لا أحد يعلم بجرائمه.

مجدي العرابيد هو مصور فيديو وكان مصوراً لوكالة الأنباء العالمية "ibcn" خلال الانتفاضة الأولى، أصيب 18 مرة خلال المواجهات الطويلة مع الاحتلال وكانت الإصابات بشكل مباشرة لمنع العدسة الفلسطينية من التصوير، وآخر إصابة له كانت عام 2005 والذي يعتبرها الأخطر.

يروي العرابيد تجربته بالقول "في بداية الانتفاضة الأولى لم يكن يوجد إعلام فلسطيني حقيقي، والقلة التي كانت تعمل في الصحافة هم مراسلون للصحف فقط، وفي ذلك الوقت كان الاحتلال يسمح للوكالات الأجنبية بأن تدخل إلى قطاع غزة لتغطية الحدث وتبقى ليوم أو يومين ومن ثم تعود إلى دولتها مرة أخرى".

ويضيف لـ "قدس الإخبارية"، "جنود الاحتلال أحدثوا إرباكًا كبيرًا آنذاك، عندما أصبحوا يتخفون بشخصية الصحفيين لاعتقال الثوار والفدائيين، فأصبح غير مرغوب بوجود الكاميرات الأجنبية في القطاع، وكان لدينا علاقات مع الصحافة الأجنبية للعمل معهم والتغطية لهم وإرسالها إلى مكاتبهم في القدس أو بشكل مباشر عبر الأقمار الصناعية".

وبحسب العرابيد، فإنه رغم ضعف الإمكانيات كانت الصورة تنقل بشكل سريع ومباشر لفضح جرائم الاحتلال، كما أنه وبشكل يومي كانت تنشر الصور التي نلتقطها في الإعلام العالمي، وكنا ننشر الحدث أولًا بأول وبسرعة، بالرغم من ضعف الخبرة في العمل الصحفي وفي نقله، ولكن الظروف علمتنا أساسياته وتفاصيله".

"نقل الصورة الفلسطينية بعين فلسطينية، كان له الأثر السلبي الكبير على الاحتلال، فعندما كانت تأتي الوكالات الأجنبية إلى غزة تنقل الحدث الذي تريده وتخرج وبهذا تنتهي التغطية وتترك أحداث غزة بدون تغطية، ولكن وجودنا في كل مكان ووقت كان له تأثير وتم نقل الأحداث من الزاوية الصحيحة"، يقول العرابيد.

أما عن حماية العائلات الفلسطينية للمصورين، كان لعائلة الكفارنة شمال قطاع غزة دوراً بارزاً في حماية المصور مجدي العرابيد حيث قال "كان لدي تغطية لأحداث بيت حانون شمال قطاع غزة والتي استمرت ثلاثة أيام متواصلة وكانت منطقة عسكرية مغلقة، حيث استقبلتني عائلة الكفارنة في منزلها وكانت تحميني دائمًا وتخفيني في خزانة الملابس حتى لا يراني الجنود، وكنت ألجأ إلى هناك من أجل تغيير فيلم الكاميرا لأنه يحتاج إلى ظلمة وكانوا يأمنون لي الطريق دائماً".

الصديق الآخر للمصور مجدي العرابيد هو عادل هنا مصور وكالة أسوشيتد برس، جمعتهم الصداقة وحسن الجيرة في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، بالإضافة إلى كونهما رفيقا السجن، بعد اعتقالهما سوياً على يد الاحتلال لمدة ستة شهور اعتقال إداري خلال عملهم الصحفي، وخلال فترة الاعتقال اتفقا على تغطية الأحداث أولاً بأول ليكونا "عين الحقيقة".

المصور عادل هنا من وكالة "أسوشيتد برس" يروي تجربته أيضًا، والذي عاش فترة الانتفاضة كاملة وشارك في نقل الأحداث للعالم، حيث بدأ مسيرته المهنية في الصحافة قبل عام من اندلاع الانتفاضة، وكان حينها كاتب للتقارير السياسية والاقتصادية، ولهذا كان يحتاج الى التقاط الصور بنفسه ومن هنا انطلق بمصاحبة كاميرته في الانتفاضة الأولى.

ويضيف لـ"قُدس الإخبارية"، "المهنة كانت صعبة جداً خلال الانتفاضة وتحولت إلى لعبة أعصاب، حيث كنا نختبئ دائماً من جنود الاحتلال، ونجبر على إخفاء سياراتنا في مكان بعيد عنا، ونجلس في الشوارع الضيقة وفي البيوت، وعندما يعلم الاحتلال بأننا موجودين في مكان ما كان يأخذ منا الكاميرا ويتلف الصور التي بداخلها أو يكسر أشرطة الفيديو، لم يكن سهلاً أبدًا أن نتواجد طيلة الوقت في مكان خطر لنقل الصورة، وأنت لا تعلم ما مصيرها أما أن ترسل للوكالة الإخبارية أو يتم إتلافها من قبل الاحتلال".

أما عن الإمكانيات الصحفية في ذلك الوقت وكيفية توصيل المادة الصحفية لمقرات الوكالات الاعلامية يقول، "لم يكن عدد المصورين كبيراً بل كنا ما يقارب أربعة مصورين فقط وكان الأمر صعباً في تغطية الأحداث بشكل مستمر لحظة بلحظة، كما أن المعدات كانت بسيطة جداً ليس بالتطور التي هي عليه الآن، وكان الأمر يحتاج إلى إرسال أشرطة الفيديو أو أشرطة الأفلام إلى القدس من أجل تجهيزها للنشر وهذا الأمر كان أكثر صعوبة من التصوير نفسه، في بعض الأحيان كنا نهرب أشرطة الفيديو إلى القدس وفي معظم الأوقات كان الاحتلال يكشف الأمر ويتلفها على الفور ويذهب التعب سدى".

وأشار إلى تعرضهم لإطلاق نار من أجل تخويفهم بعدم التواجد في أماكن المواجهات وكان إطلاق النار يهدف إلى تحذيرهم لعدم الرجوع مرة أخرى للتصوير في المنطقة.

وبحسب المصور هنا، فان الأهالي كانوا على وعي بأهمية نقل الصورة ومتقبلين للمصورين، مضيفًا "عندما كنا نشعر بالخطر نذهب إلى إحدى المنازل القريبة منا وأصحاب المنازل كانوا يساعدوننا في ذلك، ونبقى هناك إلى حين معرفة الاحتلال مكاننا والقدوم لتفتيش المنزل نهرب بسرعة عن طريق أسطح المنازل إلى حين الوصول لمكان آمن، الأمر كان في غاية الصعوبة والخطر".

"قلة عدد المصورين جعلنا لا نستطيع الذهاب إلى كافة المناطق التي بها أحداث وكانت تغطيتنا لمدة ساعتين في كل مكان، ولكن الأهالي في مختلف المناطق التي يتوفر لديها تليفونات مثل عائلة القرعيشة في الشاطئ وصيدلية العيلة وعائلة النجار في جباليا كانوا يساعدونا من خلال الاتصال بنا عبر الهواتف القديمة الأرضية التي كانت توفرها لنا الوكالات الاخبارية، ومن خلال اتصالاتهم بنا نذهب إلى مناطق المواجهات لنقل الصورة هناك"، يوضح هنا.

أما عن أكثر صورة انتشرت وتركت تأثيراً كبيراً على المواقع الاخبارية الدولية، قال إنه "خلال مواجهات مخيم جباليا التقطت صورة لطفل يرمي حجارة على أحد جنود الاحتلال، حيث دخل مجموعة من الأطفال المخيم وانطلقت المواجهات مع جيش الاحتلال، فكان في هذا اليوم أحداث عنيفة جداً في مخيم جباليا، والتقطت الصورة للطفل الذي يرمي حجارة على الجندي الواقف أمامه وهذه الصورة انتشرت بشكل كبير على المواقع الدولية".

لازالت الصحافة هي عين الحقيقة للقضية الفلسطينية والكاميرا أداة تحارب جرائم الاحتلال من خلال توصيلها للعالم أجمع، المصوران عادل هنا ومجدي العرابيد وثّقا بكاميراتهم أحداث الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى وجميع المواجهات التي تلتها حتى الآن.