1- بخلاف نبرة التّشاؤم والعجز المنتِشرة، والتي تربطُ القرار بهوان العرب وذلّتهم والاستخفاف بهم، أظنّ أنّ هذا القرار يمكن أن تكونَ له تبعات إيجابيّة على قضايانا بخلاف المُراد منه، وفي الآتي تفصيل .. 2- القرار يأتي في سياق هرولة النّظام السعوديّ الجديد وحلف إزالة آثار الربيع العربيّ نحو التطبيع مع إسرائيل .. النّظام السعوديّ الجديد يُقدم على مقامَرة شديدة الخطورة لطالما تجنّبتْها الأنظمة الاستبداديّة العربيّة، ألا وهي الجمع بين الاستبداد والقمع الداخليّ من جهة، وبين عداء القضيّة الفلسطينيّة علنا والتآمر المُعلَن عليها وعلى الفلسطينيّن .. كانت الأنظمة العربيّة تسعى دائما إلى الاحتفاظ بمساحة عن القضيّة الفلسطينيّة لتجنّب إمكانيّة تهييج المشاعر المتعلّقة بها في وجه النّظام .. هذا القرار، رغم رفض السعوديّة الرسمي له، يضع حلف إزالة آثار الربيع العربيّ في عداء مُعلَن -بدأ إعلاميّا وسيُصبحُ سياسيّا حتما- مع الفلسطينيّن وقضيّتِهم وحقوقِهم المشروعة .. هذا أكبرُ من طاقة احتمال هذا الحلف .. ما من نظام عاقل يضعُ نفسَه في مواجهة تطلّعات الشعوب العربيّة للحريّة، وفي مواجهة حقوق الفلسطينيّين المشروعة وقضيّتِهم العادلة في الوقت نفسه .. 3- القضيّة الفلسطينيّة لا تموت ومرشَّحة دائما للانفجار .. بإمكان حلف إزالة آثار الربيع العربيّ أن يضغط اليوم على الرئيس الفلسطيني، لكن ماذا سيفعل لو حصلت حرب إسرائيلية على غزة أو انتفاضة في الضفة وبدأت صور العدوان والشهداء تنتشر؟ 4- الرهان على أنّ إجهاض الربيع العربيّ قتل التعاطف العربيّ مع فلسطين رهان خطر .. كون الربيع العربيّ حوّل فلسطين إلى قضيّة ثانويّة مقولةٌ يُروَّج لها يساريّا من أجل بشّار الأسد وليبراليّا من أجل تبرير الإعجاب السّاذج والمتواطئ بإسرائيل، لكن في حقيقة الأمر ما تزال المهمّة الصّعبة هي إقناع الجمهور العربيّ أن قضيّة الربيع العربيّ والتحرّر من الاستبداد لا تقلّ نبلا وعدالة وأهمّية عن قضيّة فلسطين، بالتّالي ما تزال قضيّة فلسطين هي المثال الأخلاقي الذي حاولنا رفع الربيع العربيّ إلى مستواه ولم ننجح في كثير من الأحيان، أما مقولة أن القضيّة الفلسطينيّة باتت أقلّ أهمّي فهو قولٌ ثقافوي محدود الأثر والانتشار، والرّهان على نسيان فلسطين يُثبتُ خطأه كلّ مرة .. 5- حتّى قبلَ الربيع العربيّ، كثيرٌ من المظاهرات والاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي وتضامنا مع فلسطين كانت في الحقيقة تستهدفُ بشكلٍ ما النّظم العربيّة الاستبداديّة .. كان الخروج من أجل فلسطين في مستوى مهمّ منه خروجا ضدّ النظم العربيّة، وعودة فلسطين إلى الواجهة فرصة ذهبيّة للعودة إلى الشّارع والألسِنة مع فلسطين والقلب مع فلسطين وضدّ الاستبداد العربيّ معا .. 6- الوعي بالعجز أفضل من العجز بشرط تحوّله إلى مشروع للخروج من حالة العجز .. أما إذا بقي مجرّد وعي بالعجز وتحوّل إلى مجرّد تظارف ثقيل عن تغيير صورة البروفايل والاستهزاء بما سيفعلُه العرب احتجاجا والبحث عن مفارقات سخيفة وافتعال للكوميديا فيما لا كوميديا فيه فهذا أسوأ من العجز .. العرب أسقطوا رؤساء 4 دول كبيرة قُتِل اثنان منهما، وقادوا ثورة أسطوريّة في وجه بشار مرتكب الجرائم ضدّ الإنسانيّة الذي ما كان له أن يبقى في السلطة لولا اجتماع مجرمي الأرض ضدّ الثورة السوريّة .. بالتالي ، احتفظ بتظارفك وسخفك وقرفك وبحديث عجز العرب الذي ينتمي لما قبل الربيع العربيّ وبال"ستاند أب كوميديان" القابع بداخلك لنفسك .. 7- ربّما تكون هذه إحدى المرّات القليلة التي يجب الاهتمام فيها قصدا بالتّضامن الإلكترونيّ والكتابة .. هناك رهان من حلف إزالة الثّورات على تشويه فلسطين والفلسطينيّين، وهناك أجيال جديدة تستخدمُ وسائل التواصل لا تعرف كثيرا من أسماء شهدائنا وتاريخنا وحقوقنا وأساسيّات قضيتِنا .. كلّ شيء مهم، وكلّ شيء له قيمة، ويخلقُ الله ما لا تعلمون ..