شبكة قدس الإخبارية

مجزرتا "الدوايمة وكفر قاسم".. ذكريات مفجعة ودماء متجددة

٢١٣

 

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: يوافق اليوم الأحد الذكرى الواحدة والستين لمجزرة كفر قاسم التي نفذها عناصر حرس الحدود بجيش الاحتلال الإسرائيلي في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956.

واستشهد في المجزرة 49 فلسطينيًا في قرية كفر قاسم، التي تُلقب اليوم بمدينة الشهداء، نسبة إلى مؤسسها الأول الشيخ قاسم، وهو أحد سكان قرية مسحة المجاورة، التي يبلغ عدد سكانها اليوم ما يقارب 22 ألف نسمة.

في هذه المجزرة (مجزرة كفر قاسم) سقط الضحايا بأمر مسبق وقتلوا بدم بارد، لم يغفر للأطفال كونهم أطفالاً ولا للنساء كونهم نساء أو كبار السن أو للعمال الذين جهدوا في عملهم ليحصلوا على قوت عيشهم، ولم يعرفوا أن أمرًا بحقهم أُخذ مسبقًا.

تاريخ المجزرة

وتزامنت مجزرة كفر قاسم مع حرب العدوان الثلاثي على مصر يوم الاثنين 29/10/1956م، والذي تأمرت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر بعد أن أعلن جمال عبد الناصر عن تأميم قناة السويس؛ فهدف هذا العدوان هو إعادة السيطرة على القناة ومصر وضرب حركة التحرر الوطني العربية، وكان من أهداف اشتراك إسرائيل في هذه الحرب خلق ظروف جديدة تسهّل لها تصفية القضية الفلسطينية وترحيل المواطنين العرب القاطنين على الحدود الشرقية، حسبما صرح العديد من الضباط والسياسيين الإسرائيليين في ذلك الوقت، وكان لقسم منهم مسئولية مباشرة عن المجزرة..

ففي ذلك الوقت كان هناك العديد من مخططات الترانسفير والترحيل التي أخاطتها الأوساط الحاكمة لتهجير وإجلاء المواطنين العرب الذين بقوا بأراضيهم، وقد أرادوا أن تكون كفر قاسم بابًا آخر لبداية تشريد وترحيل للمواطنين العرب.

أحداثها

في يوم الاثنين 29/10/1956م، وهو اليوم الأول الذي بدأ فيه العدوان الثلاثي على مصر، كان "دافيد بن جوريون" رئيس الحكومة الصهيونية ووزير الدفاع، و"موشية ديان" رئيس الأركان، والجنرال "تسفي تسور" قائد قيادة المركز والمسئول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالاً والى كفر قاسم جنوبًا، والمقدم "يسخار شدمي" كان قائد لواء الجيش في منطقة، وشموئيل ملينكي قائد فرقة حرس الحدود التي ضمت إلى لواء الجيش بقيادة "يسخار شدمي"، و"غبريئيل دهان" قائد السرية المسئولة عن كفر قاسم.

في صباح يوم الاثنين 29/10/1956م يقوم الجنرال "تسفي تسور" بإبلاغ المقدم "يسخار شدمي" وقادة الألوية في تلك المنطقة عن السياسة التي قررها وزير الدفاع "دافيد بن جوريون" للتعامل مع العرب في منطقة الحكم العسكري وهي: يجب ضمان الهدوء التام على هذه الجبهة لصالح العمليات في سيناء.

على إثر هذه الأوامر يقوم المقدم "يسخار شدمي" بزيادة ساعات منع التجول الذي كان مفروضًا على القرى العربية في ذلك الوقت، فمنع التجول الذي كان مفروضًا على القرى العربية امتد من الساعة التاسعة مساءً على الطرق، ومن العاشرة مساء داخل القرى وحتى الصباح. وما قام به "شدمي" هو زيادة هذه الساعات لتبدأ من الخامسة مساء بدل التاسعة.

ونتيجة لذلك استدعى (شدمي) الرائد ملينكي إلى مقر قيادته، وأبلغه بالمهمات الموكلة إلى وحدته والتعليمات المتعلقة بطريقة تنفيذها. واتفقا على أن يكون حظر التجول على القرى المشار إليها، من الساعة الخامسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وطلب (شدمي) من (ملينكي) أن يكون منع التجول حازمًا لا باعتقال المخالفين، وإنما بإطلاق النار، وقال له: من الأفضل قتيل واحد، وفي شهادة أخرى: بعدة قتلى بدلاً من تعقيدات الاعتقالات. وعندما سأل (ملينكي) عن مصير المواطن الذي يعود من عمله خارج القرية، دون أن يعلم بأمر منع التجول، قال شدمي: لا أريد عواطف! وأضاف بالعربية: الله يرحمه.

توجه ملينكي إثر ذلك إلى مقر قيادته، وعقد اجتماعًا حضره جميع ضباط الوحدة، وأبلغهم فيه أن الحرب قد بدأت، وأفهمهم المهمات المنوطة بهم وهي: تنفيذ قرار منع التجول بحزم وبدون اعتقالات، وقال: من المرغوب فيه أن يسقط بضعة قتلى، ووزّع جنوده إلى مجموعات.

جرى بعد ذلك توزيع المجموعات على القرى العربية في المثلث، واتجهت مجموعه بقيادة الملازم (جبرائيل دهان) إلى قرية كفر قاسم، وقد وزع "دهان" مجموعته إلى أربع زمر، رابطت إحداها على المدخل الغربي للقرية.

وفي تمام الساعة الرابعة والنصف مساء يوم الاثنين 29/10/1956م قام العريف (يهودا زشتسكي) بإبلاغ مختار القرية السيد (وديع أحمد صرصور) بأمر منع التجول. المختار سأل عن مصير أهالي القرية المتواجدين خارجها، والذين لم يعودوا بعدُ من أماكن عملهم؟ فكان جواب العريف: سنهتمّ بهم.

الساعة الخامسة .. الضوء الأخضر

مع اقتراب الساعة الخامسة كانت وحدات حرس الحدود منتشرة على مداخل القرية، وفي الساعة الخامسة تلقوا كلمة السر لبدأ العملية وهي "أخضر".

أوقف الصهاينة كل شخص عائد إلى كفر قاسم، وتأكدوا من أنهم من سكان كفر قاسم، وأمروهم بالاصطفاف على حافة الطريق، وأطلقوا النار..

ويبتعدون عن الجثث، ويوقفون جماعة أخرى من العائدين ويطلقون النار..

وصل عدد ضحايا مجزرة كفر قاسم إلى 49 ضحية من النساء والأطفال والنساء. وفي البلدات المجاورة قُتل من الطيبة شاب خرج من بيته إلى بيت الجيران، وكان عمره 14 سنة. وفي الطيرة قتل رجل يبلغ الستين من عمرة كان عائدًا من عمله في الحراسة. وفي باقة الغربية استشهد شاب وعمره 14 عامًا.

قُدِّم أفراد حرس الحدود الذين قاموا بالمجزرة إلى محاكمة عسكرية استمرت 22 شهرًا، وامتنعت فيها عن محاكمة قسم من أفراد حرس الحدود أو معاقبة من قاموا بقتل أناس داخل البلدة، وأيضًا "شدمي" الذي لم تحيله النيابة إلى المحكمة.

حُكم على (ملينكي) بالسجن (17) عامًا، أما (دهان وعوفر) فحكم على كل واحد منهما بالسجن (15) عامًا. أما باقي المتهمين فقد حكم عليهم بالسجن لمدة (7) سنوات. بعد ذلك خفضت العقوبة على (ملينكي) إلى (14) عامًا، ودهان (10)، وعوفر (8)، والباقي (4)، ثم أصدر رئيس الدولة عفوًا جزئيًّا، فخفضت محكومية ملينكي ودهان إلى (5) سنوات، ثم قررت لجنة إطلاق السراح في السجون تخفيف ثلث المدة في بداية عام 1960م؛ أي بعد مرور (3) سنوات ونصف السنة على مجزرة كفر قاسم.

قدم الجنود استئناف إلى المحكمة العسكرية العليا، حيث قررت هذه المحكمة تخفيف المحكومية حتى وصلت إلى إلغاء نصف مدة السجن. وفي سنة 1960م أطلق سراح آخر مرتكبي المجزرة.

أما العقيد (شدمي) الذي كان صاحب الأمر الأول في هذه المذبحة، فقُدِّم إلى المحاكمة في مطلع عام 1956م، وكان حكمها تبرئة شدمي من مسئوليته عن المجزرة؛ بحجة أنه أُسيئ فهم أوامره. وكانت عقوبته التوبيخ، ودفع غرامة مقدارها قرش صهيوني واحد.

مذبحة "الدوايمة" المنسية

في الساعة الحادية عشرة قبل منتصف ليل 28 اكتوبر 1948، قامت كتيبة الكوماندوز 89 التابعة لجيش الاحتلال والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي شتيرن والآرغون الصهيوينةوبقيادة موشيه دايان، وزير الدفاع لاحقا، بارتكاب مجزرة رهيبة ضد سكان قرية الدوايمة، وقد ظلت تفاصيل هذه المجزرة طي الكتمان، إلى أن كشفت عنها لأول مرة مراسلة صحيفة حداشوت الإسرائيلية خلال شهر سبتمبرعام 1984م .

الدوايمة قرية فلسطينية تقع غرب مدينة الخليل على بعد 24 كيلومتراً، بلغ عدد سكانها عام 1945 حوالي3,710 نسمة. ترتفع حوالي 350 متر عن سطح البحر، ويحيط بها أراضي قرى اذنا ودورا والقبيبة وبيت جبرين وعرب الجبارات.

وهي مدينة قديمة، أطلق عليها الكنعانيون إسم "بُصقة" أي "المرتفع" وذكرت بهذا الاسم في العهد القديم، نزلت بها بعض الحملات الصليبية في العصور الوسطى وأطلق عليها الصليبيون إسم "بيتا واحيم".

يعود تسمية القرية بهذا الاسم إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وسبب تسميتها هو تخليدا لذكرى رجل صالح سكنها اسمه "علي بن عبد الدايم بن أحمد الغماري، والذي يرجع نسبه إلى العالم الجليل عبد السلام بن مشيش والذي يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

تفاصيلها

جاءت الفرق الإسرائيلية وهاجمت القرية في البداية من الجهه الغربية، ثم توزعت الأليات إلى ثلاث مجموعات، الأولى اتجهت نحو الجهة الشمالية للقرية، والثانية نحو الجنوبية، والثالثة نحو الطرف الغربي، وتركت الجهة الشرقية مفتوحة.

ثم بدأت عملية إطلاق النار وتفتيش المنازل منزلاً منزلاً، وقتل كل من يجدوه، صغيراً كان أم كبيراً، شيخاً أم امرأة ، ثم نسفوا بيت مختار القرية، وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 29 اكتوبر 1948، مرت المصفحات الإسرائيلية بالقرب من مسجد الدراويش في القرية، وكان في داخله حوالي 75 مسناً يستعدون لأداء الصلاة، فقام الإسرائيليون بقتلهم جميعاً بالمدافع الرشاشة.

وبعد ظهر نفس اليوم إكتشفت  القوات المهاجمة المغارة الكبيرة "طور الزاغ" التي لجأ إليها ما يزيد عن 35 عائلة واحتموا داخلها، فأخرجوهم وأطلقوا عليهم النيران وحصدهم جميعاً قتلى عند مدخل المغارة.

وفي ساعات الليل تسلل بعض سكان القرية إلى منازلهم ليأخذوا بعض الطعام والملابس، فعمدالصهاينة إلى قتل كل من يضبط عائداً إلى القرية.

وفي سوق القرية قتل الإسرائيليون عدة أشخاص ثم جمعوا جثثهم وأضرموا فيها النيران حتى تفحمت.

كان العديد من الضحايا هم من أبناء القرى المجاورة الذين لجؤوا إلى القرية بعد سقوط قراهم في أيدي الغزاة الصهاينة، وأبيدت بعض الأٍسر بأكملها، وأجبر الأسرى على حمل جثث الضحايا وإلقائها في آبار مهجورة، وقد حطموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم ثم قاموا بقتلالأمهات، واعتدوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبئوا بصياحهم واستنجادهم.

شهداؤها

أكدت الاحصاءات التي أجمع عليها العرب والأمم المتحدة وجيش الاحتلال الصهيوني أن عدد شهداء مذبحة الدوايمة كان بين 700 إلى 1000 مواطن، هذا غير من كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيام من حصول المجزرة، وقد كان الإحصاء كالتالي:

- 580 شهيدا أول يومين من المذبحة (منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في المسجد)،  110 شهيدا ممن كانوا يحاولون الدخول للقرية لأخذ متاعهم وطعامهم، و3 من 9 أسرى تم قتلهم في المعتقلات الصهيونية.

وقد حاول الاحتلال طمس معالم وتفاصيل تلك المجزرة، حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة ومنع التحقيق فيها.

وصف أحد جنود العدو الذين نفذوا هذه المجزرة، ما شاهده بقوله " لقد قتل نحو 80 إلى 100 عربي من الذكور والنساء والأطفال، وقتل الأطفال بتكسير رؤوسهم بالعصي، ولم يكن ثمة منزل بلا قتلى، وقد أمر أحد الضباط بوضع امرأتين عجوزين في بيت، وفجر البيت على رأسيهما ".

تباهى أحد الجنود القتلة بأنه اغتصب امرأة من القرية ثم أطلق النار عليها، وتبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار"، وآخر أجبر إحدى النساء على نقل الجثث ثم قتلها هي وطفلها، وآخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية ووجدن مقتولات في أحد أطراف القرية.

استخدمت إحدى نساء القرية وعلى يديها طفل رضيع، في تنظيف المكان حيث كان الجنود يأكلون، وفي نهاية الأمر أطلقوا عليها النار وعلى طفلها الرضيع فقتلوهما، كما أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فاخترقت الرصاصة رأسه وصدر أمه فقتلتهما والطفل يلثم الثدي، وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه.

المؤرخ الصهيوني بني موريس يقول في تعليقه على هذه المذبحة "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية، وأن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب المابام عن فظائع ارتكبت في قرية الدوايمة، وأن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة".

قال أحد الإسرائيليين وهو أهارون كوهين "تم ذبح سكان قرى بأكملها، وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها" الحاخام الصهيوني يوئيل بن نون "إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا"، أما أحد قادة حزب المابام الصهيوني وهو إسرائيل جاليلي فقال إنه شاهد مناظر مروعة من قتل الأسرى، واغتصاب النساء، وغير ذلك من أفعال مشينة.

إن صحوة ضمير مثل هؤلاء من المؤرخين والقادة الصهاينة، لم تكشف إلا عن جزء لا يذكر من تفاصيل هذه المجازر التي ارتكبتها عصابات الدولة العبرية، على أيدي سفاحين وقتلة والذينكوفئوا فيما بعد بمناصب وجوائز بعد ارتكابهم تلك الفظائع.

بعد نكبة عام 1948 وتهجير سكان القرية العرب منها، أقيم على أنقاضها عام 1955 مستعمرة أماتزياه اليهودية، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى "أمصيا" أحد ملوك المملكة اليهودية الذي امتد حكمه من سنة 800 وحتى سنة 783 قبل الميلاد ومن جرائمه قتله لعشرة آلاف "آدومي" وسبي عشرة آلاف آخرين جنوب البحر الميت وأتى بالأسرى إلى البتراء شرق نهر الأردن وأمر بطرحهم من فوقها فماتوا جميعا.