شبكة قدس الإخبارية

منازل المعلمين في "إسكان الأفق" بنابلس ضحية للمصالح الشخصية

٢١٣

 

شام إبراهيم

نابلس - خاص قدس الإخبارية: بين الفينة والأخرى، تقتحم قوات كبيرة من جنود الاحتلال مشروع "إسكان الأفق" شمال غربي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، وتشرع بعمليات تدريب واسعة داخل هذا الإسكان غير المأهول، يصاحبها عمليات تخريب لجدران وواجهات البنايات السكنية، وخلع الأبواب وتحطيم أقفالها.

منذ 15 عاما، بدأت جمعية الأفق التعاونية لإسكان المعلمين بتنفيذ مشروع سكني، وهو عبارة عن إسكان نموذجي يقع على شارع التفافي يفصل بين مستوطنة "شافي شمرون" المقامة على أراضي قرية دير شرف من الجهة الغربية، وأحد معسكرات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجهة الشرقية ويعرف بمعسكر "جبل عيبال"، ويرى القائمون عليه أن المشروع يسهم في الحفاظ على الأرض من المصادرة خاصة أنه أقيم في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال أو ما تعرف بالمناطق "C"، حسب تقسيمات اتفاق أوسلو.

لكن هذا المشروع بقي مظلما، حيث لم ير النور لغاية اللحظة، وتعثَّر سكن المشتركين فيه بسبب عدم توفير خدمات الكهرباء والماء والصرف الصحي والبنية التحتية، من قبل الجهات المختصة والمسؤولة عن مد الإسكان بتلك الخدمات، وبقيت بناياته مهجورة وخاوية على عروشها، مما فتح شهية جنود الاحتلال لاتخاذ الإسكان مكانا للتدريب على اقتحام المنازل.

يقول مدير الجمعية عمر كلبونة إن الإسكان أقيم على أراض مهددة بالمصادرة، ووجد ليحمي تلك المنطقة من التمدد الاستيطاني أولا، ويوفر حياة كريمة للمعلمين المساهمين في المشروع، في منطقة تتسم بالهدوء، وبعيدا عن ضغط المدينة، وتشجيع الناس للاستثمار والبناء بمثل هذه المناطق.

ويضيف في حديثه لـ قدس الإخبارية، إن معظم المساهمين في المشروع هم من المعلمين والمعلمات، قاموا بالاقتطاع من رواتبهم وهدفهم الأساسي هو تحقيق مستقبل أفضل لهم ولأولادهم، حيث كان من المفترض أن يكونوا هؤلاء قد استقروا في الإسكان الجديد منذ عام 2003.

لكن هؤلاء لم يحظوا لغاية الآن بالسكن، كونه يحتاج إلى تعبيد الطريق الواصلة إليه، كذلك خط ناقل للكهرباء ذات ضغط عالي تكفي السكان، فهو يحتاج بحسب الخبراء إلى 1 ميغا واط من الكهرباء، كذلك فإن المياه لم تصل للإسكان بعد كما أكد كلبونة.

ويرجع كلبونة السبب إلى تعنت مجلس قروي قرية اجنسنيا التي تعد الأرض القائم عليها المشروع ضمن ولاية القرية، حيث يرفض المجلس إعطاء جمعية الأفق ورقة "عدم ممانعة"، تستطيع بموجبها الحصول على هذه الخدمات من قرى أخرى.

يقول لـ قدس الإخبارية، "نحن نعلم أن مجلس قروي اجنسنيا لا يستطيع توفير هذه الخدمات، الأمر الذي دفعنا للبحث عن بدائل، لذا تواصلنا مع قرى مجاورة إمكانياتها أفضل وقادرة على تغطية هذه المتطلبات، خاصة مجلس قرية الناقورة وأبدى استعداده مساعدتنا وتوفير احتياجات المشروع من كهرباء وماء وبنية تحتية، لكنه اشترط الحصول على موافقة مجلس قروي اجنسنيا، وذلك من خلال ورقة خطية، حتى لا تفسر هذه المساعدة بأنها تعدي على أراضيها".

توجهت الجمعية لرئيس مجلس اجنسنيا، لاطلاعه على الموضوع، وأن الحل بات قاب قوسين، غير أن الجمعية تفاجأت برفضه التعاطي مع الأمر، وتوقيع الورقة، دون إبداء أسباب واضحة لهذا الرفض.

ويعزو كلبونة سبب الرفض إلى رغبة المجلس في الاستفادة من الخدمات المقدمة للمشروع، لتطوير الخدمات في القرية، ولقناعته أن استفادة المجلس من هذه الخدمات لن يتم إلا من خلال مشروع كبير تموله مؤسسة كبيرة، تفوق قدراتها وإمكانياتها المجالس القروية.

"لم نعد قادرين على التحرك" قال كلبونة، مضيفا إن إحدى الشركات عزمت على تشطيب 70 وحدة سكنية في الإسكان من أصل 173 وهو العدد الكلي للوحدات السكنية في المشروع، غير أنها لم تستطع تنفيذه بسبب افتقاره للماء والكهرباء، كذلك فإن شركة كهرباء الشمال وضعت علامات لتمديد أعمدة كهرباء لتزويد الإسكان بالكهرباء ذات ضغط عالي، لكن المجلس القروي حضر في "ليلة ما فيها ضوء قمر" وكنوع من المناكفة، بمساعدة من جهات رسمية، ووضع أعمدة له ومد خطوط كهرباء، لا تكفي لتغطية احتياجات منزلين في الإسكان.

ويصف كلبونة الأمر بالمأساوي، قائلا إن المجلس يريد منا دفع مبالغ مالية، مقابل الحصول على الخدمات، فمثلا لتوفير خط ناقل للكهرباء اشترط دفع 400 ألف شيقل، لتوفير خدمات الضغط العالي، مع العلم أنه لا يمتلكها، كما أنه يدَّعي أن الإسكان غير مرخص رغم أننا نملك الترخيص من الحكم المحلي.

الإسكان نفذ المشروع على مساحة 150 دونما، أقيم المشروع على 80 منها، وما تبقى خصص للطرق والمرافق العامة.

وفي رده على الموضوع خلال حديثه لـ قدس الإخبارية، رفض رئيس مجلس قروي اجنسنيا محمود الأسعد، ما أسماه "الهجوم الإعلامي" الممارس على المجلس فيما يخص هذه القضية، مشيرا إلى أن الإسكان لغاية الـ2016 كان جاهزا من بنى تحتية وخطوط مياه وكهرباء، فقط ينقصه الخطوط الناقلة.

وأوضح أن عددا من أصحاب الشقق السكنية توجهوا للمجلس، وطلبوا توفير الخدمات، والذي بدوره توجه للجمعية وطلب منها المساهمة بما نسبته 33% من قيمة الخط الناقل للضغط المنخفض، وهذا المبلغ حسب التعرفة المعتمدة لسلطة الطاقة، غير أن الجمعية رفضت ذلك دون إبداء أسباب واضحة.

وبين أنه وبعد فحص المهندسين والخبراء للخطوط الكهربائية في اجنسنيا، أكدوا أنها بقدرة قوية وقادرة على إعطاء الخدمة للإسكان ولأبعد بيت فيه عن المحولات، ولدينا تقارير ووثائق تثبت صحة ما نقول، غير أنهم قاموا بدفع الأموال لشركة كهرباء الشمال ورفضوا أن يدفعوا للمجلس.

وقال لـ قدس الإخبارية، "قمنا بإيصال الكهرباء بضغط منخفض للإسكان، وأحضرنا مهندسين وقالوا إن الخط قوي ويمكن أن يفي بالغرض حاليا، ويمكن زيادة قدرته مستقبلا في حال استقر جميع السكان في منازلهم، والمجلس يعرف هذا الأمر، كذلك فإن جمعية الأفق أحضرت مهندسا من جانبها، وقال الكلام ذاته، ولكن رفضوا أيضا لسبب غير مفهوم".

وحول طلب الجمعية من المجلس التوقيع على ورقة للحصول على خدمات من جهات ومجالس قروية أخرى، لفت الأسعد إلى أن المجلس رفض ذلك لأن هذه أراضي تقع تحت ولاية القرية، كما أن المجلس قام بإيصال الخدمات اللازمة له متسائلا: إذا كانت الخدمات جميعها بما فيها خط الإنترنت قد وصل إلى الإسكان، فلماذا إذا نلجأ إلى القرى المجاورة للحصول عليها؟.

وقال إن قرية رأس الناقورة تحصل على المياه من شركة "ميكروت" الإسرائيلية كذلك الكهرباء من الشركة القطرية الإسرائيلية، وهي نفس المصادر التي تحصل فيها اجنسنيا عليهما، كذلك فلا يوجد طريق معبدة تصل بين الإسكان ورأس الناقورة، بالإضافة إلى ذلك فإن المسافة من اجنسنيا إلى الإسكان أقرب بكثير، وبذلك تصل الخدمة للسكان بشكل أفضل، وبسعر أقل.

وأردف الأسعد لـ قدس الإخبارية، إن المجلس نفذ مشاريع بقيمة 2 مليون شيقل، من ضمنها مشروع طرق داخلية وجدران استناديه بدعم من الصندوق العربي الكويتي، بقيمة 290 ألف دولار، وذلك دفعهم لاتهامي باستغلال الأموال التي تأتي للإسكان، لتنفيذ مشاريع في اجنسنيا، رغم أن لدي الأوراق والوثائق التي تثبت أنه مشروع مخصص للقرية.

"ورغم ذلك وجهتهم لمؤسسات مانحة ووزارات من الممكن أن تساعدهم في منح ومشاريع للإسكان، وأخبرتهم بأنني على أتم الاستعداد لمرافقتهم، وإقناعهم بدعم الجمعية والإسكان، لكنني وجدت رفضا من قبل الهيئة الإدارية لجميع ما قدمته من حلول دون معرفة السبب" أضاف الأسعد.

بيد أن أحد المعلمين المشتركين في الإسكان، والذي رفض الكشف عن اسمه، قال لـ قدس الإخبارية، إن مجلس اجنسنيا لا يملك الإمكانيات والقدرات التي تمكنه من تقديم الخدمات لجميع الإسكان، وقد عارض مرارا وتكرارا كل المشاريع التي حاولت جمعية الأفق عملها لحل الإشكاليات.

وأشار إلى أن رئيس المجلس يخرج دائما للإعلام ويعبر عن رغبته في تقديم المساعدة، لكن لا يطبق ذلك على أرض الواقع، لأن قدرته ضعيفة، وتابع :"قمت بتسديد نحو 75% من أقساط شقتي في الإسكان لكني لا أتمكن لغاية اللحظة من السكن فيها، بسبب افتقار المنطقة للخدمات الضرورية".

في عام 2003 قام الشنار بحسب المعلم بدفع مبلغ مالي للشركة القطرية الإسرائيلية، للحصول على 1 ميغا واط من خدمة الكهرباء وهي حاجة الإسكان منها، وذلك لأن سلطة الطاقة لم تكن موجودة حينها، لكنها توقفت لسبب لا نعلمه، ولم نحصل على الخدمة.

"الكثير من الوحدات السكنية سرقت" قال المعلم، مضيفا أن اللصوص سرقوا نوافذ الألمنيوم من إحداها، كذلك فإن البناء على وشك أن يتآكل، بسبب العوامل الطبيعية كونها عرضة للرياح والأمطار وأشعة الشمس، كذلك عدم وجود صيانة دورية فيها".

وحول عمل الجمعية قال "لم نترك وزيرا إلا وطرقنا بابه، ولأن المعلمين لم يسمعوا جوابا قام معظمهم ببيع شقته لأشخاص غير معلمين، وهو ما يفسر أن لا أحد في الهيئة الإدارية لجمعية الأفق من المعلمين، كما أن رئيسها تربطه علاقة قرابة مع رئيس مجلس قروي الناقورة، وهو ما يفسر إصراره على أخذ الخدمة منه لا من غيره، جميعهم يسعون نحو مصالحهم".

وعلق مدير الحكم المحلي في مدينة نابلس خالد اشتيه بالقول، "إن الإشكالية تكمن في أن الهدف من هذا المشروع السكني هو ربحي استثماري بالدرجة الأولى، بدأ رجل من مدينة نابلس العمل به منذ العام 1997 وتوقف بسبب الأوضاع السياسية ثم عاد للعمل عام 2003، وأصبح جزء منه لجمعية الأفق، ولأن العديد من المشتركين لم يستكملوا دفع أقساط الشقق رفض التنازل عنه بشكل كامل لصالح الجمعية، وبقيت معظم البنايات السكنية باسمه".

وبين اشتية لـ قدس الإخبارية، أن صاحب المشروع لم يتواصل مع الدوائر والجهات المختصة لاستكمال جميع الأوراق الرسمية، هو تقدم بطلب للمصادقة على مشروع إسكان ينظم فيه شبكة طرق، ثم بعدها لبناء البنية التحتية بعدما يستوفي الشروط بحيث يقدم كل ذلك إلى اللجنة الإقليمية للبناء والتخطيط، والتي بدورها تفحص المشروع وتعطي الموافقة عليه.

واستطرد اشتيه: بعد ذلك تقع على المالك مسؤولية التعاقد مع هيئة محلية للحصول على خدمات المياه والكهرباء والاتصالات، وغيرها، وبعدها استكمال البناء والتراخيص وكل ما يلزم، يقدم تنازل عنها للمالك الجديد، كذلك يجب أن يقدم تنازلا عن المرافق العامة، حتى تستطيع الهيئة المحلية بناء المدارس وغيرها، لكنه لم يفعل.

مضيفًا، "جزء من الوحدات السكنية الآن لصالح مالك المشروع، والجزء الآخر للجمعية، والتي هي أيضا مرجعيتها وزارة الداخلية، لكننا خلال الأسبوع القادم سنقوم بعقد اجتماع يضم مجلس اجنسنيا والهيئة الإدارية في جمعية الأفق، لنحاول التوصل إلى حلول".