غزّة- خاص قُدس الإخبارية أثارت قضية حي "تل السكن" الأثري الواقع في شمال مدينة الزهراء جنوب مدينة غزة، ضجةً عارمة بسبب أعمال تجريف في موقعٍ أثري يعدّ شاهدًا على حضارةٍ كنعانية تعود إلى قرابة 5000 عام قبل الميلاد في فترة العصر البرونزي القديم، وفقًا لما أقرته بعثة آثار فرنسيةٍ فلسطينية مشتركة.
أعمال التنقيب واصلتها البعثة الفرنسية الفلسطينية المشتركة عام 2000، حيث زارت المكان وأجرت بحوثاتٍ فيه، وأعلنته على إثرها منظمة "اليونسكو" موقعًا أثريًا هامًا، توقفت لاحقًا عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، ثم عادت من جديد بعد انسحاب الاحتلال من قطاع غزة عام 2005، لكن الموقع التاريخي عاد إلى رفّ الإهمال من جديد بعد توقف زيارات البعثة الفرنسية بقيادة خبير الآثار الفرنسي في فلسطين جون باتيست عن الزيارة.
مجددًا، عادت قضية موقع "تل السكن" الأثري إلى الواجهة، بعدما شرعت الجرافات بأعمال تجريف ونقل رمال، في أراضٍ تعود لملكيات خاصة ملاصقة للموقع، حيث تم اكتشاف آثارٍ كنعانية جديدة كجدرانٍ طينية وآوانٍ فخّارية، ورغم النداءات المكثفة التي أطلقها خبراء ومختصون بضرورة منع عمليات التجريف بالمكان والحفاظ على الموقع الأثري، إلا أن آلياتٍ وجرافات تابعة للحكومة بغزة نفذت عمليات تجريف في الموقع مع مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.
وعلى الرغم من إقرار وزارة السياحة والآثار بغزة بأهمية المكان الأثري، عبر وثيقةٍ رسمية، أكدت الوزارة خلالها على أهمية المكان في إثبات حق الشعب الفلسطيني في وجوده على الأراض الفلسطينية، وأن "الحفاظ عليه أمانة لله وللتاريخ وفي رقبة كل مسؤول وصانع قرار"، ودعوتها للوقف الكامل والفوري والعاجل لكل التعديات الواقعة عليه من قبل سلطة الأراضي ووزارة الاقتصاد، إلا ذلك لم يمنع سريان القرار الحكومي بتجريف أجزاء من الموقع لأهدافٍ خاصة.
[gallery type="slideshow" ids="129312,129311,129310,129331,129332,129333,129334,129335,129336,129337"]وتدّعي اللجنة العليا لتخصيص الأراضي أن وزارة السياحة والآثار قد منحتها موافقةً على استعمال أراضي المكان، وهو ما نفته الوزارة -وما يتضح من خلال الوثائق المنشورة أيضًا- مؤكدةَ أنها خاطبت الحكومة بالإشارة إلى أن ما يجري في "تل السكن" اعتداءٌ على الموقع الأثري، ومع استمرار تراشق الاتهامات بين الجهتين، تستمر عمليات التجريف ونقل الرمال من المكان دون توقف.
زخم قضية "تل السكن" وصل إلى خارج حدود المكان الأثري، الذي عبّرت منظمة "اليونسكو" العالمية عن صدمتها من عمليات التجريف التي تجري فيها، مؤكدةً أنه أقدم من الأهرامات المصرية وأحد أهم مظاهر الحضارة العالمية، داعيةً إلى الحفاظ عليه ووقف ما يجري من تدميرٍ فيه.
أما المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، فقد طالبت من أسمتها الجهات المختصة في قطاع غزة بالوقف الفوري لأعمال التجريف في موقع تل السكن الأثري، مشيرةً إلى أن "إثبات أثرية المنطقة يكفي فيه تقارير الخبراء وأصحاب الاختصاص ولا يحتاج إلى قرار حكومة يؤكد ذلك"، مؤكدةً أن أن الآثار في فلسطين المحتلة تكتسب أهمية كبيرة في ظل سعي الاحتلال المحموم لإثبات ملكيته للأرض، متوجهةً إلى النائب العام في غزة بالدعوة إلى فتح تحقيقٍ جنائيٍ موسع لمحاسبة المسؤولين المتواطئين من مختلف الجهات لتخصيص الموقع لبناء مساكن ثم تجريفه وتدميره وإلحاق خسائر فادحةٍ فيه لا يمكن تعويضها.
وإزاء مواصلة سلطة الأراضي أعمال التجريف في موقع "تل السكن" الأثري، نظّم عدد النشطاء والصحفيين في غزة وقفةً احتجاجية داخل الموقع الأثري جنوب مدينة غزة عصر اليوم، لإيصال رسالةٍ للمسؤولين بوقف ما يجري في المكان، ورفعوا عريضةً لرئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمدلله يطالبونه فيها بإعطاء الأمر بالوقف الفوري لأعمال التجريف في الموقع، واتخاذ كافة الاجراءات الميدانية لحماية الموقع وإغلاقه لحين إنتهاء التحقيق، والمباشرة بتقييم الأضراء في المكان وإجراء أعمال تنقيب إنقاذية فورية للحفاظ على ما تبقى منه.
أصداء قضية الموقع الأثري وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي ضجّت هي الأخرى بالاحتجاج على ما يجري بحق ما اعتبر أحد أهم المواقع الأثرية التي تثبت حق الشعب الفلسطيني في أرضه منذ آلاف السنين، وقد رصدت شبكة قدس الإخبارية عددًا من التغريدات التي تحدث حول الأمر.
وكانت شبكة قدس الإخبارية قد أعدت تقريرًا سابقًا حول القضيّة، طالعها عبر الرابط التالي للاستزادة " هل تفرط حكومة غزة بأقدم مدينة كنعانية جنوب فلسطين؟ "