شبكة قدس الإخبارية

لماذا تفشل المصالحة دائماً؟

هيئة التحرير

حديث المصالحة الممل واللامنتهي بالنسبة للشارع الفلسطيني، لم يعد خبرًا يهمه ولايثيره، فما الذي جعل المصالحة تتحول إلى عملية مستمرة لا تنتهي؟ وكأن الهدف من المصالحة هو حالة الحديث عن المصالحة فقط.

عصفور في غزة ولا عشرة في الضفة والعكس

تلك الحالة وصفها الدكتور مهدي عبد الهادي قبل عام من اليوم بأنها " زواج مدني لا يرقى إلى الشرعي أو يهبط إلى زواج المتعة"، أو بلسان الأمثال الشعبية "لا مطلقة ولا معلقة". بعد عام من هذا التصريح، وبعد سبعة أعوام من الخلاف بين الحركتين، ما زال عبد الهادي، وهو مدير المؤسسة الأكاديمية الفلسطينية للدراسات الدولية (باسيا) في القدس، ينظر إلى المصالحة بذات اليأس قائلاً أنها "حالة من العلاقات العامة" بين الطرفين قابلة للتجديد من الحين للآخر. يشاركه هذه النظرة آخرون، منهم المحلل السياسي خليل شاهين من غزة، الذي لا يرى في المصالحة أكثر من طريقة للبحث في كيفية تقاسم الحصص وإدارة الانقسام وليس حلّه. تغيب في هذه الحالة الموصوفة أعلاه المصالح العليا والأولويات الوطنية للشعب الفلسطيني، لتحل محلّها المصالح الحزبية للحركتين. تبدو المصالحة إذن كالطريق المتاح حالياً ليصل كل طرف إلى تحسين وضعه السياسي وزيادة نفوذه وقوته. من جهة، تريد حماس من المصالحة أن تؤدي إلى تشكيل حكومة فيكون ذلك مدخلاً لها للنظام السياسي وبالتالي الاعتراف بها. وحماس – بحسب شاهين – لا تريد انتخابات قد تضطرها للخروج من الحكم، لذلك يبدو خيار ادارة الانقسام أفضل لها تحقيقاً للقول: عصفور في غزة خير من عشرة في الضفة. من جهة أخرى، تريد فتح من المصالحة أن تؤدي إلى انتخابات جديدة فتكون وسيلة لتحسين ظروفها "الحاكمية"- حسب تعبير مهدي – في الضفة الغربية ورفدها بحقنة جديدة من "الشرعية القانونية" للاستمرار فيما بعد في قيادة ملف المفاوضات.

Mahmoud Abbas, Ismail Haniyeh

الحريات، الأمن، ضغوطات أمريكية

بعيداً عن أقوال المحللين والمراقبين، يقول عضو المكتب السياسي لحركة حماس خليل الحية إن السبب الرئيس لتعطيل المصالحة الفلسطينية هو "ملف الحريات" وبشكل خاص في الضفة الغربية. الحية قال في لقاء صحفي شاركت به " قدس " أن المصالحة تسير بخطوات بطيئة لكن المطلوب صياغة برنامج سياسي فلسطيني مشترك وإحداث الشراكة الحقيقية والتفاهم على البرنامج المشترك ولا مانع من المقاومة بكل أشكالها والعمل السياسي المنضبط المتوافق عليه فلسطينياً”. وبين أن حركته اتخذت قراراً يقضي بإنجاز تحديث السجل الانتخابي حتى لو تعطلت ملفات المصالحة الأخرى. أما على الطرف الآخر، فيقول النائب عن حركة فتح جمال حويل: " ليس هناك إرادة حقيقية للمصالحة، هناك حسابات شخصية لم يتم تجاوزها بعد". يبدو أن هناك ضغوطات على الرئيس أبو مازن لكي لا ينجز المصالحة، على حد قول حويل، لكنه مصر للذهاب قدماً نحو المصالحة وبناء الدولة. وتوقع حويل أن يتم تشكيل حكومة لتدير الوضع القائم وهذا أمر يختلف عن حدوث المصالحة بمفهومها الواسع. ونوّه إلى أن حوادث من نوع التراشق الاعلامي في أجواء المصالحة قد تعكر سيرها بشكل سليم مشيراً للتراشق الذي حدث بين د.عزيز دويك والنائب عزام الأحمد. وبينما ينهمك الطرفان في حساب أجندتهما وأولوياتهما، تم تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية المهترئة، ولم تبدِ الأطراف الفلسطينية المختلفة رغبة جادة في إصلاحها وإعادة بنائها. هذا التجاهل يمشي في ذات الاتجاه مع انعدام البرنامج السياسي المشترك الذي يُجمع عليه الفلسطينيون. عدا عن المصالح الداخلية والتجاذبات، فللمصالحة نصيب من التأثر بالارتباطات الخارجية، فهي حالة تحمل عنوان الانتظار، ينتظر فيها أبو مازن تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وما سيصحبها من مبادرات "حسن نيّة" بحسب مايرى المحللون. وقد كان مصدر مصري مقرب من جلسات المصالحة الفلسطينية كشف لـ" قدس" أن الجلسة الأخيرة للمصالحة الفلسطينية شهدت انسحاب الرئيس الفلسطيني من جلسات المصالحة بعد تلقيه اتصالاً من القنصلية الأمريكية بالقدس طلب منه تأجيل المصالحة إلى ما بعد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وبين المصدر أن الجلسة الأخيرة كانت كفيلة بإتمام المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لولا التدخلات الخارجية من الإدارة الأمريكية، مشدداً على وجود إحباط لدي الأجهزة الرسمية المصرية مما يجري في جلسات المصالحة الفلسطينية .

14_57_33

هل نحن بحاجة للمصالحة؟

يبرز سؤال جديد خلفه الفشل المستمر للمصالحة ، هذا السؤال هو هل المشروع الوطني الفلسطيني بحاجة لهذا النوع من المصالحة؟ تلك المصالحة التي تقوم على توزيع الحصص أو بتفكيك بعض الثوابت بغرض صياغة برنامج موحد، وفقا للمثل القائل: "لكي تصنع العجة لابد من كسر البيض".

انبثق هذا السؤال نتيجة حوارات أجرتها شبكة قدس مع مجموعة من الشباب والذين بدورهم أشاروا إلى ضرورة العودة للمجلس الوطني بوصفه المظلة الجامعة لكل الفلسطينين، بدلا من السلطة التي اقتصر تمثيلها لفلسطيني الضفة وغزة، وأضاف الشباب أن المصالحة باتت الوجه الآخر لإعاقة تقدم المشروع الوطني الفلسطيني ولابد من تجاوزها لطرح سؤال العودة للتمثيل الجامع والذي لاينظر إلى فصيلين فقط في الضفة وغزة.