استيقظ "نمر جمل" من بلدة "سوريك" كما عادته في الصباح الباكر، ارتدى ملابسه دون أيّ تغيير عن الروتين اليومي المعتاد حينما يتوجه إلى عمله، قبّل أطفاله موهماً إياهم وزوجته حينما ودّعهم للمرة الأخيرة أنه سيذهب إلى عمله ويعود في المساء ليحتضنهم من جديد.
لم يشاهده أحد حينما استل السلاح المسروق من جيش العدو عام 2003، "حسب المعلومات الواردة من إعلام العدو" ووضعه أسفل قميصه، معززا رصاصاته التي ستخترق صدر العدو بالإيمان الحتمي والمطلق بضرورة الخلاص من الاحتلال والعيش بكرامة.
عقد العزم على عمل "فعل مقاوم" يربك حسابات العدو بعد هدوء نسبي امتد لأسابيع بسيطة تعد على أصابع اليد الواحدة ليعتقد الأخير واهماً أن جذوة الانتفاضة الثالثة قد خبأت وأن ثمار التنسيق الأمني بينه وبين السلطة قد آتت أكلها ويستطيع الاحتفال بأعياده اليهودية دونما منغصات تذكر.
ولكن النمر الفلسطيني رفض هذا الركود ومضى في طريقه ليضع بصمته المقاومة وَيُذَكّر العدو أنّه طالما بقي على هذه الأرض فسيبقى من يقاوم دون كلل أو ملل، وأن هناك من يبذل الدماء رخيصة على مذبح الحرية من أجل شيء واحد فقط، وهو "الحرية" التي هي نفسها المقابل لكل فعل مقاوم.
مع كل عملية فدائية تنفذ وتضرب عمق العدو ومنظوماته الإجرامية، وتستهدف جيشه المنظم والذي يملك من الأسلحة ما هو قادر على تدمير مناطق كاملة، يستهدفه الشبان بأسلحة بسيطة وغير نوعية وغير عملية في المعارك، يحتار العالم فينا والعدو على رأسهم، ويتساءلون، ما الذي يدفع شبان فلسطينيين في مقتبل العمر أو رجالا قد أسسوا حياتهم للتضحية بكل شيء والرحيل عن هذا العالم بهذه الطريقة؟
الإجابة، إن شِيفرة النضال الفلسطيني تكمن في فهم الصراع المستمر مع العدو الصهيوني وتسخير كل القوى والإمكانيات من أجل هذا الصراع بالإضافة إلى فهم القواعد الأساسية المُسَيّرة له، حيث أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس صراع حدود، بمعنى: "إمّا أنا وإمّا هُمّ" على هذه الأرض الغير قابلة للقسمة على اثنين والتي لا تصلح للعيش المشترك بيننا وبين المحتلين، مما يولد الشعور بالظلم لدى الجمع الفلسطيني بعد سرقتها منا، ولذلك إن الظلم المرتبط بالصورة الإجرامية للكيان الصهيوني هي أفضل محرك للجماهير من أجل تحمل المسؤولية التاريخية للفرد مما يدفعه لتقديم أغلى ما يملك من أجل الدفاع عن الأرض ومقاومة العدو حتى الوصول إلى الهدف الاستراتيجي وهو تحرير كامل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر من براثن الاحتلال الصهيوني.
يضاف إليها، أن الفكرة الأساسية للنضال لدينا كفلسطينيين هي أننا أصحاب حق، ولأن الحقوق حقائق ثابتة ضمن إطار المسلمات وليست نظريات تحتاج لتجارب عملية لإثبات صحتها من عدمها فتطبيقها على أرض الواقع وحشد المناصرين من حولها يصبح أسهل إن طبقناها بالشكل الصحيح مما يُقَرّبنا نحو الهدف ويسرّع من عملية الوصول إليه وإتمامه، ولتطبيقها لابد من بذل الدماء على مذبح الحرية، طبعا، نستنتج ذلك من خلال النظر إلى تجربة الثورة الفلسطينية وانتفاضاتها الثلاث بالإضافة إلى تجارب التحرر العالمية الأخرى وأمثلتها كُثُر.
هذا كله، أعني، صورة الاحتلال الإجرامية وسرقة الأراضي والشعور بالظلم لدى الجمع الفلسطيني المتولد في منطقة اللاوعي من سيكولوجية النفس الجماهيرية الفلسطينية، يدفع كل فرد منا هو صاحب حق بالأساس إلى الانتفاض بوجه جلاديه رفضا للظلم الواقع عليه سواء من العدو أو من المناصرين للعدو أو من المتخاذلين الذين خذلوا قضيتنا العادلة، وذلك يعود بالأساس لأنه يملك ما يدافع عنه، وأفنى حياته ببنائه والحفاظ عليه، وفي النهاية سرق منه بالتخاذل من الأقرباء وليس بقوة العدو.
بالمقابل، إن جنود العدو الصهيوني لا يملكون سوى الأسلحة المجردة من الإيمان بالحقوق، حيث أن جُلّهم قدموا من كافة بقاع العالم من اجل احتلال فلسطين، وبالتالي هم لا يملكون ما يثبتهم بالأرض، ولا يملكون الرابط الروحي ما بين الأرض وأصحابها، فيصبحون أضعف منا بمراحل وعند كل مواجهة حقيقية ستراهم يهربون من كل المنافذ وخير دليل على هذا الهجرة المعاكسة للصهاينة من فلسطين إلى خارجها في ذروة الأفعال الفلسطينية المقاومة للاحتلال وفي حروب غزة الثلاث.
نستنتج مما سبق، أنّه لأننا أصحاب حق في الأرض والحياة الكريمة سننتصر مهما طال الزمن أو قَصُر، وحتى إن خذلنا المتخاذلون مهما اقتربوا منا بالصلات أو ابتعدوا، فنصرنا أيضاً يندرج تحت إطار الحقائق المُسَلّمة، وكلما زاد الإيمان بالحقوق الثابتة لنا، زادت قوتنا بشكل طردي ومفاجئ للعدو، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة المفرطة المؤدية بنتيجتها الحتمية إلى التحرير، ولهذا أمام العدو خيار من اثنين فقط: الموت على تراب فلسطين لنلقي جثثهم في البحر أو الرحيل عن هذه الأرض للأبد ودون التفكير بالعودة إليها حتى كسائحين.