شبكة قدس الإخبارية

البوابات لأ .. لماذا ؟!

ثائر الأحمد

هذه النقاط تتطرق إلى بعض النقاشات حول المسجد الأقصى ورفض الفلسطينيين الدخول من بوابات التفتيش الكهربائية التي نصبها الاحتلال على أبواب الأقصى. وهذه النقاشات ترد بعض الشيء على السؤال الذي يسأله كثيرون "لماذا نعتصم ولماذا نرفض دخول بوابات التفتيش؟"

النقطة الأولى: البوابات أداة للإخضاع النفسي

صباح الأحد 16 تموز 2017، على باب المجلس، أحد أبواب المسجد الأقصى من الجهة الغربية، حاول أحد موظفي دائرة الأوقاف الدخول إلى المسجد. أوقفته شرطة الاحتلال، وطلب منه الشرطي أن يمرّ أولاً عبر البوابة الإلكترونية الكاشفة للمعادن، ومن ثم سيسمح له بدخول الأقصى.

رفض الموظف التفتيش، ولم ينصاع لأمر الشرطة. اللافت في الموضوع أن البوابة الإلكترونية لم تكن في وضع التشغيل أصلاً، ولم تكن مشبوكة بالكهرباء بعد، إذ كانت في لحظات تركيبها الأولى، مما يعني أن المرور عبرها لا يعني "تفتيشاً" بالمعنى الحرفي للفعل. لكن مجرد القبول بالمرور منها حتى وهي غير مشغلّة، يعني في وعي ذلك الموظف الصادق الخضوع - ولو نفسيا- للأمر الواقع الذي تحاول سلطات الاحتلال فرضه، والاستسلام له.

واللافت أكثر في القصة، أن شرطي الاحتلال اعترف أمام الموظف بأن البوابة الإلكترونية لا تعمل بعد، ومع ذلك أصر على عدم السماح له بالدخول إلا إذا مرّ من خلالها. "شغالة ولا مش شغالة مش راح أمرق"، هكذا كان موقف الموظف.

تلخص هذه القصة معنى القبول بهذه الإجراءات الأمنية الإسرائيلية الجديدة في محيط المسجد الأقصى، وهو الخضوع النفسي والاستسلام لإرادة الاحتلال.

كما أنها تقول لنا أن المطلوب منا هو الخنوع والقبول بما يفرض علينا، وأن الموضوع ليس "التفتيش" بحدّ ذاته لأسبابه الأمنية المزعومة، وإنما هو أحد تجليّات فرض السيطرة والسيادة الإسرائيلية على المسجد.

ويمكن استقراء ذلك حتى من تصريحات قائد لواء شرطة الاحتلال في القدس، إذ قال في تصريحه عصر الجمعة لوسائل الإعلام الإسرائيلية، بأن "المسجد الأقصى ليس مركزاً تجارياً"، ولن يكون من السهل على قواته تفتيش كل الناس خاصة أيام الجمعة. ويجدر بالذكر هنا أنه حتى في هذه الأيام التي يدخل فيها عدد قليل جداً جداً من المسلمين للأقصى، فإن جنود الاحتلال لا يأبهون لتفتيشهم، ولا يدققون كثيراً في متابعة العلامات التي تعطيها تلك البوابات الكهربائية. مرة أخرى، نرى أن الموضوع نفسي سياسي، يراد منه إخضاع المقدسيين، لتمهيد الطريق للمزيد من السيطرة وفرض السيادة على القدس. وبالتالي لا داعي للالتفات إلى بعض من يروج بأن هذه البوابات "هدفها فرض الأمن"، لا يشعر المسلمون بتهديد وهم في مسجدهم، ولا حاجة لهم بهذه البوابات الإسرائيلية لتوفر لهم الأمن.

النقطة الثانية: المستوطنون

في حين يرفض الفلسطينيون دخول الأقصى تحت شرط التفتيش، فإن اقتحامات المستوطنين له مستمرة، وقد كانت يوم الاثنين أولى هذه الاقتحامات منذ يوم الخميس الماضي

يقول البعض هنا: "بدكم تتركوا اليهود يسرحوا ويمرحوا في الأقصى، وانتو واقفين برة على الأبواب، وتاركينهم على راحتهم جوة". ومنهم من يزيد بالقول بأن الاعتصام خارج الأقصى يساعد "في تطبيق سياسات الاحتلال".

في هذا القول عدة إشكاليات، منها ما هو متعلق بالمعلومات التي يستند إليها هذا القول، والتي هي معلومات غير كاملة، ومنها ما هو متعلق بالمنطق الذي يحكم هذا القول.

أولاً: يفترض هذا القول أعلاه بأن الاعتصام هو الذي سيؤدي إلى ترك الأقصى مستباحاً من المستوطنين، وهذا الافتراض غير صحيح، لأن الأقصى مستباح من المستوطنين منذ سنوات، وبالذات منذ سنة بالضبط، عندما حارب القريب والبعيد مشاريع الرباط، وتآمروا عليها، وعندما كثفت سلطات الاحتلال استهداف كل من يتواجد في المسجد الأقصى، بالسجن والابعاد والتهديد وقطع مخصصات التأمين، وغيرها، بالإضافة إلى استهداف الحراس واعتقالهم وتهديدهم. إذن الوضع من ناحية اقتحامات المستوطنين للأقصى واستفرادهم به فهو ليس جديدا، هو قائم منذ فترة طويلة، وليس الاعتصام خارج الأقصى هو الذي سيؤدي للاستفراد.

ولمن لا يعلم: الاقتحامات وصلت في العام الأخير مستويات جديدة، منها أن المستوطنين يتمتمون الصلوات والأدعية التلمودية ولا أحد يعترضهم، إلا فيما ندر، والمستوطنون يقيمون عقود القران في المسجد الأقصى ولا اعتراض، وكان آخر عقد قرآن قبل أسبوعين بالضبط.

ملخص القول أن الوضع من ناحية اقتحامات سيء منذ زمن بعيد، وأنه لا يصح القول بأن عدم دخول المصلين للأقصى سيفتح المجال للمستوطنين، فالمجال "مفتوح ومخلص".

ثانياً: تتعلق النقطة الثانية التي ترفض القول بأن الاعتصام يترك الأقصى للمستوطنين، بالمنطق الذي بني عليه هذا القول.

هذا المنطق يقول أن الغاية تبرر الوسيلة، وأنه من أجل غاية نبيلة مثل التصدي للمستوطنين المقتحمين يمكننا أن نتغاضى عن الوسيلة، وننسى أن هذه الوسيلة قد تضر بنا لاحقا، وقد تؤدي إلى أن "تفرط المسبحة" حتى النهاية، ويصبح كل شيء بيد الاحتلال، لا سمح الله.

من يظن بأن الدخول إلى المسجد الأقصى تحت شرط التفتيش والبوابات الالكترونية، يمكن القبول به من أجل التصدي للمستوطنين، ينسى بشكل أو بآخر أنه "بعد أن كنا في مصيبة واحدة قد نصبح في مصيبتين!" بسبب هذا الادعاء.

القصد، بأن الاحتلال يصاعد يوماً بعد يوم من محاولات فرض سيادته على الأقصى، ويمكن لمن يتتبع أخبار الأقصى على مدار السنوات الأخيرة ملاحظة ذلك. بما أن مشاريع الرباط قد وُئدت، فقد حقق الاحتلال بعضاً من مصالحه في الأقصى، وأعاد ما يسميه "الهدوء" له. إن القبول بالبوابات الالكترونية يضيف إلى بعض إنجازات الاحتلال التي حققها مؤخراً في معركة الأقصى. وبذلك لا يجوز التضحية بضرر دائم من أجل ضرر مرحلي. أي لا يجوز قبول البوابات التي لو قبلت ستبقى للأبد وستفرض واقعاً جديداً لم يكن، من أجل عدم ترك الأقصى للمستوطنين (الضرر المرحلي لعدم وجود مسلمين مقابلهم في هذا الوقت) والذين يتواجد ضررهم منذ زمن، وسيتسمر إلى أن يهيأ الله الظروف لغير ذلك.

النقطة الثالثة: المزيد من الحشد

لا يجوز الانجرار في وسط هذا الالتفاف الشعبي إلى أي نقاشات فارغة من نوع أن الشباب الفدائيين "مدسوسين"، وأن هذه العملية بتدبير إسرائيلي. أولاً، يجدر بنا ألا نعيد أخطاء آبائنا ووساوس المؤمرات التي تعيش في رؤوسهم، والتي من كثرة تكرارها يحق لنا أن ننعت أصحابها بالغباء. عدا عن ذلك، فكروا فقط بما ستقابلون به هؤلاء الشهداء الثلاثة يوم لقائهم عند رب العالمين، وقد قبلهم ورفعهم في عليين.

هناك مؤامرة على الأقصى نعم صحيح، وهناك جهات فلسطينية وأخرى عربية شقيقة لا تهتم فعلياً بما يجري، وقد تحاول إضعاف الموقف الشعبي المقدسي اليوم، هذه هي المؤامرة التي يجب أن ننتبه لها في حال حدثت. (تذكروا موقف البعض من الكاميرات التي كانت ستوضع في الأقصى، والتي لولا وقوف ثلة من المقدسيين ضدها لأصبحت أمراً واقعاً، وتذكروا موقف البعض من حائط البراق والتنازل عنه).

في المقابل، من المهم أن يتصاعد هذا الاحتجاج المقدسي الشعبي وتتوسع ميادينه، ويتكاثف عدد المشاركين به وصولاً إلى يوم الجمعة، الذي يبدو أنه سيحسم الكثير .من المهم أن تغلق جوامع قرى القدس وبالأخص في شعفاط وبيت حنينا وجبل المكبر وصور باهر أبوابها ليتم حشد أكبر عدد ممكن من المصلين على أبواب الأقصى وأبواب البلدة القديمة، وبالتالي تشكيل ضغط أكبر. وفي هذا السياق، من المهم توافد أهلنا في الداخل، ونذكر بشكل خاص رواد الحركة الإسلامية، ونقول لهم "لقد حظرت حركتكم" لكنكم موجودون يمكنكم الوصول بسياراتكم إلى القدس.

وكذلك من المهم في سياق الأمل، تذكير الفلسطينيين بتاريخهم المشرف وتجاربهم الناجحة في التصدي لمخططات الاحتلال، منها موضوع الكاميرات الذي ذكرناه، ومنها كذلك رفض مشايخ القدس عام ١٩٦٧ فرض الوصاية الإسرائيلية عبر وزارة الأديان على الأقصى. يومها اعتصم المقدسيون ١٤ يوماً رفضاً لهذه الوصاية، وانتهى ذلك باستسلام الاحتلال والتراجع عن مخططه.

ختاماً، القبول بالبوابات الإلكترونية يعني قبول بالأمر الواقع، يعني قبول بالمزيد من مظاهر السيطرة الإسرائيلية على القدس وعلى الأقصى، وأمام المقدسيين اليوم الفرصة لرفض ذلك تماماً، فيجب رص الصفوف وتعزيز هذا الموقف.