شبكة قدس الإخبارية

الرد على العملية

دينا سعيد

يتلخص المشهد الصهيوني في الرد على العملية الفدائية بتأطيرها على أنها إمتداد للسلفية الجهادية أو الإسلام المتطرف واصفينها بالعملية الإرهابية ضمن ثيمة عالمية وكإنها جزء من التفجيرات والعمليات التي تحدث في أوروبا والوطن العربي في سياق "الهجمات الإرهابية". ويتم التأكيد ان الدافع وراء العملية هو الخلفية الدينية، وعلى أثرها قرر الإحتلال إغلاق المسجد الأقصى تحسبًا لفحص المكان ولمعاقبة الفلسطينيين.

بالمقابل تم إحتضان عائلات الجنود القتلى في قرى المغار وحرفيش والتأكيد على الرابط "التاريخي" بين الطائفة العربية المعروفية الدرزية وبين المشروع الصهيوني في سياق الإخوة في المجتمع الصهيوني وتقديم التضحيات من أجله وبنائه سويًا. لا حديث عن جثامين المقاومين من إلى الجبارين بل تم إصدار أمر بإغلاق بيوت العزاء للشهداء. لا بد أن نعي أن قرار اغلاق المسجد الأقصى لم يكن فقط نابع كنتيجة للبيروقراطية الأمنية، بل كان رغبة في تحييد الأقصى كوجهة وعنوان للمقاومة والتصدي للمشروع الصهيوني. أي تحييد قلوبنا نحن المقهورين تجاه الأقصى كمولد للمقاومة، وفي إغلاقه يصبح ضرر علينا التعاطي معه فقط وفقًا للشعائر الدينية بمعزل عن السياق السياسي والوطني والتحرري له ولرمزيته.

 أكد وزير الحرب الصهيوني "ليبرمان" أن للعملية خلفية دينية متطرفة لا علاقة لها بفلسطين والإحتلال متهربًا من سؤال المحاورة حول الدافع في القناة الثانية "الإسرائيلية" في مقابلة مساء يوم السبت المنصرم. وتصدرت عناوين الصحف والاخبار عملية "إرهابية" ومقتل جنود من الطائف الدرزية، وأن الحرم تحت النار ووجهت "إسرائيل" خطابها للعالم تدعي فيه أنها كدولة تتعرض لهجمات "إرهابية" من قبل منفذين فلسطينيين في المركز الأكثر حساسية في الشرق الأوسط والذي من الممكن أن يؤدي إلى تفجير المنطقة. وأشارت أنها تقوم بالإشراف عليه وحفظ الأمان فوقه وحراسة المصلين والزائرين والسياح، وأنها تطبق القانون والمواثيق الدولية وتسمح للناس بممارسة شعائرهم الدينية وإقامة الصلوات والزيارات. يتزامن هذا كله مع زيارة "نتنياهو" إلى دول أوروبية لتعميق العلاقات السياسية والإقتصادية مع الكيان الصهيوني، انطلق في مسار بدأ في فرنسا لتخليد ذكرى يهود فرنسا القتلى في معسكرات النازية. وقام نتنياهو خلال جولته بإستعراض ما تتعرض له "إسرائيل" من هجمات وما تفعله من أجل حفظ الامان وإتاحة الاماكن المقدسة للناس للعبادة.

أصرت القيادة الصهيونية إبتداءً ب"نتنياهو" إلى وزير الحرب "لبيرمان" إلى وزير داخلية الاحتلال "إردان" إلى قائد عام شرطة الاحتلال "روني الشيخ" إلى منسق الإدارة المدنية في الجيش الصهيوني "يؤاف مردخاي" إلى قائد شرطة القدس "ليفي" أن "إسرائيل" تحافظ على الوضع القانوني التاريخي "ستاتوس كفو – الوضع الراهن" وأنها لا تنوي تغيير ذلك، كان هذا أكثر تصريح عاد على نفسه في كافة هذه الأيام كي تقنع "إسرائيل" العالم بأن إغلاقها للمسجد الأقصى وللبلدة القديمة هو اغلاق مؤقت وجاء كتحصيل حاصل لعملية "إرهابية" ويجب أن تؤخد التدابير اللازمة أولًا للتأكد من إنتهاء العملية كون العملية كانت في مناطق مفتوحة والإحتمالات عالية وتم الإعلان عنها كحدث يمتد لساعات، ثانيًا إخلاء المصابين والتأكد من عدم وجود أي فرص لتنفيذ عملية إضافية بفارق زمني قليل، لاحقًا يتم تمشيط المكان وفحصه جيدًا وبحث القضية حتى التوصل إلى الأسباب وفهم الإخفاقات والتعلم من التجربة لرفع إحتمالية إحباط عمليات مستقبلية في ظل أمر منع نشر من اللحظة الأولى عن مجريات البحث والعملية الفدائية. هذا كان ضمن ما يُسمى بالبيروقراطية الأمنية وله غطاء قانوني ذا قشرة صلبة.

لكن في الواقع استغل الإحتلال هذا الغطاء واستباح كافة أرضية المسجد الأقصى وبث صورة الإغلاق والتحكم والسيطرة ليقول لنا أنه الآمر الناهي في فتح وإغلاق المسجد وهذا جاء بعد تمهيد طويل المتمثل في اقتحامات الأقصى اليومية للمستوطنين وحظر الحركة الإسلامية وتجفيف السيولة المادية إلى الأقصى وإلى المرابطين وإصدار مئات أوامر الإبعاد عن البلدة القديمة، بالإضافة إلى ملاحقة المرابطات ومحاكمتهن وحظر عشرات الحراكات الشبابية التي كانت تتطوع في الأقصى وترابط فيه بالإضافة إلى تفريغ البلدة القديمة من الأطفال والشباب وزجهم بالسجون خلال الأعوام الثلاثة الماضية. ولا ننسى العامل الرئيسي والأساسي الا وهو تفعيل نظام التقسيم الزمني للأقصى، إذ ترافقت اقتحامات الأقصى مع ساعات الصباح الباكرة، وتُتاح زيارات الأجانب في أوقات العصر. بإختصار هو عرض عضلات لسيادة الإحتلال على القدس في ظل صمت فلسطيني وعربي وعالمي.

لكن هذا العرض موجه بالدرجة الأولى إلى جمهور المستعمِرين الصهاينة على أرض فلسطين، لا مفر، دائمًا يضطر هذا النظام ويجتهد وتحديدًا في العقود الأخيرة بإقناع مستعمريه بأنه مشروع مُربح غير مُكلف وهذه المعادلة مربوطة ومقرونة بمصطلح الأمن والأمان وبعوامل أخرى. لطالما ردد الصهاينة جملة "هار هبايت بيدينو" أي أن المسجد الأقصى القائم على الهيكل المزعوم في يديهم وهم يفرضون سيطرتهم التامة عليه بعد حرب 67. في كل نقاش أو عندما يعزون بعضهم ساخرين وفي حملات تجييش المستوطنين للذهاب إلى الأقصى لاقتحامات استفزازية، رافق هذا المصطلح المجتمع الاستعماري لعقود. البارحة وفي مشاهد الإغلاق وصور البعض ترصد الأقصى من بعيد خالي من أصحابه إلا اعدائه فقد فحصوه وفتشوا آباره وإقتحموا مكاتبه وخزائنه ومخابئه وكسروا ما يمكن تكسيره وربما ركبوا بعض الكاميرات أو أجهزة التنصت والمراقبة. بالإضافة إلى دخول وحدات متخصصة استكشفت كافة معالم الأقصى من الداخل والخارج بحرية تامة أمام أعين العالم والصهاينة.

لهذا الرد الصهيوني الحاضر المتكرر عند كل عملية أوجه كثيرة للتفسير، تكررت في حالة الشهداء يعقوب أبو القيعان، نشأت ملحم، فادي قنبر، إبراهيم العكاري وغيرهم من أبطال شعبنا. المشترك في هذه الحالات هو قدرتها على المباغتة وخلق إرباك في بنية الجهاز سواء في النموذج أو في الفشل الإستخباراتي قبل العملية، علينا تذكر فاعليتها في الجهاز وتذكر فعل القولبة الصهيوني وتأطير الاحداث وفق منطق إستعماري صهيوني بإمتياز يطمح لأن يتفشى صداها في المستوى الشعبي عسى أن تخلق أرضية تخفف من وطأة تحديات العدو نحو التدجين والسيطرة والضبط وإعادة تشكيلنا من جديد بشكل غير مقاوم.

بالإضافة إلى سيناريو "داعش" من أجل نزع الشرعية/الحب/التعاطف/البطولة والأسطرة مع العملية ومنفذيها، فهناك عامل مميز  إضافي في "عملية جبارين" وذلك يعود كونهم فلسطينيين ال 48. وهذه نقطة حساسة جدًا بالنسبة للصهاينة، حساسة على المستوى اليومي، وعلى مستوى الصرف الصهيوني من أجل تدجين الناس في ال 48 من خلال جهاز التربية والتعليم والمناهج الصهيونية وسياسات التجهيل الممنهجة وقنوات أخرى. وحساسة لكونها نموذج يُسهل نقله في أراضي ال 48، وحساسة لكونها بسيطة وقادرة على صفع الإستعمار بقوة بمستوى الفاعلية والضرر نتيجة الحدود المفتوحة بين الحيز الفلسطيني والحيز الإستيطاني الصهيوني في أراضي ال 48. من تابع الردود الصهيونية على مجمل العمليات الفدائية التي خرجت من أراضي ال 48 في الاعوام الاخيرة يرى نفس النبرة واللهجة في التعامل مع الناس، نفس اللجهة في اللوم والتحريض على الاحزاب والقيادات.

هناك عامل أساسي في التعامل مع العمليات من الجانب الصهيوني نلاحظه دائمًا لكن خطابه وفعله أقوى في السنوات الأخيرة وفي الأيام الأخيرة، متمثلًا بهدم النصب التذكاري للشهيد رائد نزال، وهذا بُعد الهوس بقتل صورة البطل وتشويهها وتمزيق إرث المقاومة من اللحظة الاولى وإستبدالها أو تحويل الحدث المركزي وهو العملية إلى نتائج العملية على الناس، بمعنى "إغلاق الأقصى منذ 69" و "منع الناس من الحصول على التصاريح بسبب العمليات" و "منع التصاريح للداخل وللبحر في العطلة نتيجة العمليات" وظهرت هذه النقاشات بعد عملية الشباب من دير أبو مشعل وغيرها من عمليات، هذا المنطق هو منطق صهيوني إستعماري في النظر إلى الأمور، وهذا جزء من سيطرة "إسرائيل" على منظومات التفكير الخاصة بنا وحشوها منطق ضعيف. يتمثل قتل الإرث المقاومة وتغييبه بعدة طرق منها منع بناء نصب تذكارية أو إقامة جنازة مهيبة، منع أمسيات تتعلق بالشهداء أو مراكز تقدم منح بأسماء الشهداء بالإضافة إلى اغتيال التاريخ المعنوي حول العمليات العسكرية والمقاومة.

يكمن الرعب لدى الصهاينة في عودة انتشار ثقافة المقاومة في الـ48 أكثر من العملية نفسها، لأنها وبكل بساطة على دراية بقطع السلاح وتتابعها وتعي تحركاتها لكن لا بد من أن يفشل هذا الجهاز عدة مرات في الرصد والمتابعة وظهرت هذه الحالة في قضية الشهيد نشأت ملحم وعادت تعلو الأصوات الصهيونية التي تحذر من فلسطينيي الـ48 وتوافر الأسلحة لديهم وأن هذه مسألة وقت حيثما تتحول فوهات البنادق العربية نحونا. فالهجوم الصهيوني على الشهداء نشأت ملحم أو على يعقوب أبو القيعان في الإعلام الصهيوني أو في مواقف القيادات الصهيونية هو هجوم على صورة الشهيد وعلى إنعكاسه بداخلنا أولًا، ما تفعله ماكينات الإعلام الصهيونية وقيادات هذا الاحتلال أولًا هو مصادرة أية أرضية يمكن البناء عليها ثقافة وطنية مقاومة كونها تبني "بروفايل" جديد للمنفذ يلاصقه إسقاط للفعل وتغليفه على أنه فعل "طائفي، عنيف، دموي، يهاجم أبرياء".

الوضع بالـ 48

يمكننا القول أن البنية السياسية القائمة في أراضي ال 48 لا تستطيع أن تدعم عمليات المقاومة أو العنف المسلح ولا تستطيع إحتضانها بهذا الشكل المباشر، وذلك وبكل بساطة لأن هذه التشكيلات السياسية قررت أن تخوض السياسة بموجب المواطنة "الإسرائيلية" وأدواتها وسقفها وهذا ضمن ما يُسمى بإبرام عقد إجتماعي عند قبول المواطنة وليس الهوية والجنسية.

بعد أوسلو وتم تأبيد شكل العمل السياسي للفلسطينيين بالداخل، لا يمكن لأحد في أراضي ال 48 أن يعلن دعمه المباشر والكلي للعمليات فإحتمالية الإعتقال والمحكامة عالية جدًا، لكن نسأل أنفسنا ما الذي يحيلهم إلى إصدار المواقف التي تتنكر للفعل وتتجرد منه؟ الإعلام وتحديدًا الصهيوني، غالبية أعضاء القائمة المشتركة تتم إستضافتهم على الشاشات الصهيونية للمشاركة في حوار حول الاحداث ويشعروا أنهم محرجين بقول موقف مع المقاومة بدون تفاصيل وأن هذا نتيجة الإحتلال، يكتفون برفض الحدث وإلغائه والحديث عن الإحتلال. بهذا يصبح العمل الفدائي في أراضي ال 48 عملًا خارجًا عن المألوف السياسي والإجتماعي السياسي، فعلًا يتحدى تيارات أيديولوجية وأحزاب تصرف الملايين، فعلًا يناطح أوسلو ويقف أمام الفصائل والأحزاب في الهامش يناور ويعرض عضلاته. فعل يخرج من أسفل طبقات المجتمع إلى قمته. فعل يُعتبر حسب لسان الموقف الرسمي في ال 48 كسلوك غير واقعي ومرفوض.

إن غالبية التيارات السياسية الفلسطينية في أراضي ال 48 لا تؤمن بالكفاح المسلح  بل في المسار السياسي الشعبي الجماهيري المدني والقانوني وعلى رأسها المشاركة في البرلمان الصهيوني "الكنيست"  ما عدا أبناء البلد والحركة الإسلامية الشمالية وهذا يمتد منذ عقود. وفي سياق الكنيست لا يمكننا لوم الاحزاب فقط أنها تشارك في إنتخابات الكنيست، هناك جماهير تخرج من بيوتها وتمارس عملية التصويت منذ عام 1952. هذه الاخزاب لا تبدي أي دعم للعمليات و لا تستطيع خلق حاضنة شعبية للمقاومة في اللحظات الحاسمة. بالإضافة إلى وجود التيار الشيوعي الذي له تاريخ في النكبة وما بعد وله تاريخ قصير منذ الحرب على غزة 2008، يستنكر العمليات الفدائية ويقف ضد "العنف" بهذا المفهوم الشمولي غير الواضح  لأطراف أو تعريفات ويعتبر المقاومة عنف. فنحن أمام حالة فلسطينية راهنة يتم فيها التجرد من الفعل المقاوم ودفعه إلى الهامش وكإنه العيب الذي يجب علينا أن ندفنه وننساه في ظل تلبك وإرتباك وتعابير وجه غير واضحة في ضل الإدلاء بتصاريح حول العملية في القدس. المختلف والمميز هذه المرة هو في موقف غالبية القيادات السياسية في أراضي ال 48 بجزئية العنف، تم الحديث عن رفض العنف ورفض الدم في أكثر من موقف وحالة.

المثير أن هذا الخطاب هو ذاته المستخدم في الحديث عن الجريمة المنظمة والعنف المتفشي بالمجتمع الفلسطيني في ال 48 وكأننا نتحدث عن قتلى في صفقة أسلحة أو مخدرات، لا عن أجيال عزل تدافع عن شرف أمة ولغة وتاريخ وحضارة. وفي هذا الجانب خطورة فأدوات المقاومة ليست هي أدوات العنف والجريمة المنظمة ومن العيب على "قيادات" إستدخال جمل مثل العنف والدم في هذا السياق، فشل الاحزاب في حصر الجريمة المنظمة وإنهائها لا يسمح لهم بإحتواء المقاومة على أنها جزء من حرب شوارع بين عصابات وعلى انها تصرف غير قيمي وغير أخلاقي لا يطمح للعدل أو الحرية!

هناك تيارات ضخمة في الـ48 تتنكر لإرث المقاومة في أراضي ال 48 منذ النكبة حتى اليوم، هذا الإرث لا يتم الحديث عنه، ولا يتم ذكر مقاوميه وشهدائه، ولا تقام لهم الزيارات للاضرحة أو أمسيات التكريم والتخليد، لا توجد نصب تذكارية ولا يوجد أدب يتحدث عن إرث المقاومة وقصصها وسردياتها وتفاصيلها، لا في الثقافة ولا في الأفلام ولا في حتى في القبور، هناك عزوف عن هذا الجانب وهذا خطير جدًا ويؤهل لبروز مجموعة شاذة من النقاشات التي يجب أن تدور في سياق العملية.

ترافق العمليات الفدائية نقاشات حادة حول مفهوم الشهادة والشهيد ومن يصح تسميته بذلك وكان هذا النقاش حاد وحاضر في قضية الشهيد نشات ملحم، كما في حالة الشباب من ال جبارين! خرجت نقاشات حول العملية وأنها تشبه ستايل داعش، يتبنى هذا الخطاب الجيل الجديد وبعض الطائفيين العنصريين ويتم الحديث أنه هؤلاء الشباب قاموا بعملية نابعة من خلفية دينية لقتل دروز. بالإضافة إلى نقاش جديد بدأ يظهر على الساحة أن هؤلاء الشرطيين القتلى هم ضحية مشروع إستعماري الذي قضى في سنوات الخمسينات بإبرام صفقة حلف دم كاذبة وغير حقيقية تقضي بتجنيد إجباري للدروز ومن هذا يصبح الإستنتاج ان الدروز ضحية وقتلهم كقتل الأبرياء وأنهم موظفين يقومون بحراسة الأقصى وتوفير الأمان للناس.

ظهرت نقاشات أيضًا على شاكلة أن هناك حق مطلق للفلسطيني بإختياراته وبقراراته وأنه له الحرية التامة بأن يفعل ما يشاء، أي إذا تجند جاري عبدالله فهذا حقه وقراراته وخياراته ضمن الحيز الديمقراطي واحترام خصوصية الفرد وما إلى ذلك من ترهات الحقوق والفرادنية التي لا تناسب السياق الإستعماري والتحرر منه وبناء ثقافة وطنية تنطوي على جماعة وطنية مهمتها أن تتحرر وتوفر الحريات الجماعية قبل الخوض في نقاش الحريات الفردية التي اتت مع قدول الدول وتطورها بالمستوى الليبرالي، وهذا الخطاب أتى ضمن طبقة إجتماعية وسياسية إستطاعت أن توفرها "إسرائيل" لقطاع ضخم في أراضي ال 48.

يمكننا أن نرى أن هذه النقاشات نابعة من خلل وضمور في الثقافة الوطنية، في إنتاجها وفي إنتشارها وفي إستخدامها، في ظل عدم وجود اجسام تحمل على عاتقها شبكة من المفاهيم والمصطلحات والمقولات والأفعال التي ربما تعمل على إنشاء جيل وطني يحمل ثقافة وطنية تحررية ترى فلسطين كلها. لا تنغر وتحمل المنطق الصهيوني بسرعة دون نقد او تفكير أو معالجة، النقاشات الحادة التي تدور بعد العمليات هي عبارة عن متحف الهزيمة الذي صنعته "إسرائيل" في وعينا، وهي عبارة عن بيت عزام لعدم وجود قواسم مشتركة حول الدفاع والتحرر والمقاومة بين شعب مشتت ومقسم ومشرذم.

في النهاية وفي الخلاصة، تفعل "إسرائيل" كحالة إستعمارية على صهر وعينا ودكنا وتجريدنا من ذواتنا حتى إنسلاخنا عن شعبنا. لكن دعونا لا ننسى، دعونا نتذكر الان أننا لن ننسى ولا يمكن لنا أن يغيب عن بالنا شهدائنا ومقاومتنا وجيلنا الغاضب الصادق الذي يتحدى أجهزة ودول جرارة ونظريات وكتب وتكنولوجيا متقدمة وادوات سيطرة وضبط وتدجين ومشروع ضخم. دعونا لا ننسى أن عملية بسيطة عمرها 5 دقائق يمكنها أن تغير كل حياتنا في لحظة وتعيدنا إلى سكة بناء فلسطين من جديد. تأكدوا أنها تؤثر فينا وتعيد تشكيلنا وعلاقتنا من جديد بهذا الإستعمار وبعلاقتنا مع شعبنا ومع أسره وشهدائه وعملائه ومتخاذليه ومقاوميه.