بمراجعة أحكام المحكمة العليا يتبين أن هناك كثير من القضايا أو معظمها التي يمثل فيها النائب العام الجهات الحكومية، وطبقا لنص المادة (2) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، والتي تنص على (الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي)، فإن الشعب هو مصدر السلطات الثلاث، سواء التنفيذية أو القضائية أو التشريعية.
وفي بحث في أي من السلطات يتربع النائب العام ورجاله، يتبين أن السلطة القضائية هي الأقرب من حيث التنسيب في التعيين، وان رئيس الدولة له إصدار القرار بالتعيين شكلا، وفق أحكام المادة (107) من نفس القانون الأساسي والتي تنص فقرتها الأولي على (يعين النائب العام بقرار من رئيس السلطة الوطنية بناءً على تنسيب من المجلس الأعلى للقضاء وبمصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني)، والجواب الأكبر والأساسي والذي يقطع الشك في اليقين هو ما ورد في الفقرة الثانية لنفس المادة والتي تنص على (يتولى النائب العام الدعوى العمومية باسم الشعب العربي الفلسطيني ويحدد القانون اختصاصات النائب العام وواجباته).
إذن هنا وبموجب الفقرة الأخيرة فإن النائب العام يتولى الدعوى العمومية باسم الشعب العربي الفلسطيني وفق ما يحدده القانون من إجراءات، وبالتالي فإن النائب العام ورجاله يمثلون الشعب سواء كجماعة أو أفراد في الدعوى، وإن تمثيل الحكومة ضد الشعب هو محل جدل ونقد كون أن الحكومة لديها صفاتها المختلفة والتي تدور حول شخصيتها المعنوية فقط، وبالتالي يمكن للنائب العام أن يحرك القضايا ضد الحكومة باسم الشعب إذا ما ورد شكوى ضد الحكومة من أحد أو أكثر من المواطنين.
بالتالي فان المصلحة، وخاصة مصلحة العامة تلتقي في البحث عن تحريك الدعوى باسم الشعب، وهل الحكومة هي الشعب، وهل يستوي ذلك في ظل مبدأ الفصل بين السلطات؟ مما يعني ذلك أن النيابة كسلطة منفصلة عن الجميع موضوعيا، يجب أن تستقل بعيدا عنهم، لأن القضاء وإن كان ينسب اسم سعادة النائب العام لمنصبه، فإن النائب العام يكون ورجاله خصوم شرفاء في القضية، ولن يكونوا طرفا مباشرا إلى جانب القضاء، وأن النيابة والقضاء لهما صفتان مختلفتان، إذ أن النيابة خصم شريف والقاضي الحاكم في القضية، وإن النيابة وكما يمكن لها تحريك الدعوى ضد المواطن مرتكب المخالفة، فإنها لا تستطيع أن تمثل الحكومة مباشرة في أي من الدعاوي الإدارية والحقوقية، وإنما فقط في الدعاوى الجزائية كممثل للشعب، ذلك للحفاظ على عمل النيابة ومنع انجرار اختصاصاتها نحو السلطة التنفيذية وتأثيرها في مجريات عملها.
بالتالي، اعتقد أنه يجب على الحكومة وكافة وحداتها الإدارية أن توكل محامي لها في قضاياها أيا تكن، وأن يمثل النائب العام في الدعوى كممثل للشعب فقط. وهذا ليس من قبيل الترف في الكتابة إنما لمسالة وردت في إحدى القضايا، ولتعزيز دور النيابة العامة وإبراز عملها ودورها وقطع الطريق على مقترحات إرجاعها نحو التبعية المباشرة أو غيرها أو الجزائية لوزارة العدل أو غيرها وفق مبدأ الفصل بين السلطات والاختصاصات بما يضمن نزاهة وشفافية أقرب للعدالة وحرية العمل.