ورقة تقدير موقف
مقدمة
أنهى الأسرى الفلسطينيون يوم 27 أيار الماضي إضرابًا عن الطعام دام 41 يومًا، شارك فيه قرابة 1500 أسير من أصل نحو ستة آلاف أسير في السجون الإسرائيلية.
وتعدت أهمية هذا الإضراب القضايا المطلبية التي رفعها الأسرى، دون التقليل من شأنها بالنسبة إلى حياتهم، إلّا أنّه شكّلَ اختبارًا للحالة الوطنية الفلسطينية ككل، وللتوجهات الإقليمية والدولية الراهنة إزاء المسألة الفلسطينية.
ليتضح: أولًا، أنّه مع وجود درجة عالية من الاستعداد الشعبي للتفاعل مع الحدث الوطني عمومًا إلا أنّ هناك افتقارًا إلى القيادة والأطر التنظيمية التي تحشد وتوجّه الشارع. وثانيًا، أنّ الطرفين الإسرائيلي والأميركي يريدان ويسعيان لضرب شرعية ومكانة الأسرى، وذلك كجزء من مساعي إنكار حق الفلسطينيين في المقاومة والنضال رغم استمرار الاحتلال.
يعطي التدقيق في تفاصيل هذا الإضراب مؤشرات مهمة بشأن واقع الحركة السياسية والوطنية الفلسطينية الحالية
مطالب الإضراب
كانت مطالب الأسرى في جلّها الأعظم استعادة حقوق حُرِموا مِنها في السّنوات الفائتة بعد أن كانت بحوزتهم. ويكاد يكون ثلث المطالب مرتبطًا بالتواصل مع الأهل، وعدد الزيارات وظروفها وشروطها، والسماح بتواصل هاتفي محدود معهم.
إلى جانب مطالب أخرى، مثل تقديم رعاية صحية في حدها الأدنى، والسماح بالعودة لدراسة الثانوية العام والانتساب إلى الجامعة العبرية المفتوحة، كما كان معمولًا به سابقًا، وتحسين وضع التبريد في سجون المناطق الحارة، ووقف سياسات العزل الانفرادي، ومطالب أخرى شبيهة، تعكس وصول أوضاع السجون إلى مستوى يشكل خطرًا حقيقيًا على صحتهم الجسدية والنفسية.
الاستعدادات والقوى المشاركة
بدأ الإعداد للإضراب قبل أشهر من البدء به، سواءً من خلال التواصل بين المعتقلين والسجون بطرق صعبة ومعقدة، أو مع هيئات الأسرى في الخارج. وبدأ الحديث عن الإضراب يصل إلى الإعلام والجمهور قبل نحو شهر من انطلاقه يوم 17 نيسان 2017.
يشكل أسرى حركة "فتح" غالبية الأسرى، وإذا كانت قيادات الحركة في المعتقلات، وخصوصًا عضو اللجنة المركزية للحركة، مروان البرغوثي، وعميد الأسرى الفلسطينيين المعتقل منذ العام 1983، كريم يونس، هما من قادا الإضراب مع عدد من قادة "فتح" في المعتقلات، فإنّ هذا لا يعني أنّ "فتح" كانت موحدة بشأن الإضراب فضلًا عن باقي الفصائل.
في واقع الأمر لم تتبنّ "حماس" الإضراب، ولم تتبناه رسميًا الفصائل الأخرى الأصغر حجمًا من حيث عدد الأسرى. وعارضه بعض مسؤولي "فتح" في الأسر، خصوصًا سجني ريمون والنقب، حيث يوجد فيهما نحو 1800 أسير للحركة، إذ عارضت الهيئات التنظيمية للحركة فيهما الإضراب، وكانوا بطبيعة الحال على تواصل مع قيادات للحركة في الخارج.
في المقابل، لعب سجن هدريم، حيث مروان البرغوثي وأحمد سعدات، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعدد من قيادات الفصائل الأخرى، بما فيها حركة "حماس" والجهاد الإسلامي والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، دورًا مركزيًا في الدعوة للإضراب، ويعتقد أن المشاورات والاتفاقات بشأن الإضراب انطلقت من هناك في شهر آب 2016.
يعدّ عدم الانضمام إلى الإضراب حالة طبيعية، ومتوقعة، تخضع لعوامل منها: أولًا، الصعوبة الجسدية والنفسية التي تترتب على الإضراب، ما يجعل خوضه أمرًا مؤلمًا، ونادرًا جدًا ما أجمع الأسرى في معتقل أو في كل الحركة الأسيرة، على الإضرابات في الماضي. وثانيًا، هناك حسابات الفصائل السياسية، والخلافات الموجودة بينهم، لا سيّما في خارج المعتقلات، التي تنعكس على الوضع في داخل المعتقلات.
انطلق الإضراب في الموعد المحدد، واكتسب زخمًا متصاعدًا من خلال انضمام سعدات وقيادات أسيرة من "حماس" إليه.
البنية التنظيمية والقيادية
تميّز هذا الإضراب بوجود قيادة معلنة وواضحة له بعكس إضرابات سابقة، حيث تكون لجنة قيادة الإضراب سريّة غالبًا، وهذه القيادة، تمثلت بالدرجة الأولى بمروان البرغوثي، بما له من قيمة رمزية وسياسية، فهي المرة الأولى التي يخوض فيها عضو لجنة مركزية من "فتح" إضرابًا داخل المعتقلات، وقد حدد البرغوثي عبر عدد من الرسائل والبيانات قواعد الإضراب، والجهات المخولة بالحديث باسمه.
حاولت السلطات الإسرائيلية ضرب وحدة الإضراب بالتوصل إلى تفاهمات جزئية مع بعض السجون والأسرى، ولكن هذا لم ينجح.
استمر دور مروان عاملًا بارزًا ودافعًا للإضراب إلى الأمام، خصوصًا في ظل وجود مجموعات نشطاء انضموا بشكل فردي إلى الجهد المنطلق من مكتب الحملة الشعبية للمطالبة بالإفراج عنه، بقيادة زوجته فدوى، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح".
لكن، وفي الوقت ذاته، فتح وجود البرغوثي على رأس الإضراب، الباب لحساسيات سياسية داخل "فتح"، وسط اتهام البعض بأنّ مروان لم يستشر الحركة، وأنّه يشخصن الإضراب، رغم تأكيد أعضاء في اللجنة المركزية معرفتهم ومتابعتهم للإضراب منذ مرحلة مبكرة قبل انطلاقه، إذ تشير المعلومات إلى أنّ قيادة "فتح" والمستوى السياسي المعني لديه اطلاع على الإضراب قبل ما لا يقل عن 45 يومًا من بدئه.
وكان واضحًا أن البرغوثي أعد العدة جيدًا، فمع اليوم الأول للإضراب، نشر مقال يشرح ظروف الأسرى في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، ما أحدث ضجة كبيرة، وانزعاجًا إسرائيليًا بالغًا. وكانت هناك رسائل وبيانات معدة مسبقًا من قبل مروان بناء على السيناريوهات التي توقعها لتطور الأحداث تعلن كلًا في حينها.
اشتغل الجانب الإسرائيلي على ضرب رمزية مروان أثناء الإضراب، بطرق عدة: منها إبلاغ هيئات فلسطينية خارج المعتقلات تتابع ملف الإضراب بإمكانية القبول بالمطالب شريطة الحديث مع أطراف أخرى سوى البرغوثي، وشريطة تعليق الإضراب أولًا، فضلًا عن بث فيديو غير واضح يزعم فيه أنّ البرغوثي يتناول بعض البسكويت في زنزانته، وهو ما لم يلق صدىً أو تصديقًا بين الفلسطينيين، فيما لم يكن مروان رافضًا تمامًا لصيغ تفاوضية يقوم بها الأسرى الآخرون في القيادة المتفق عليها للإضراب.
الفصائل والقيادة الرسمية
أعلنت القيادة الفلسطينية موقفًا داعمًا للإضراب منذ البداية، وقام الإعلام الرسمي الفلسطيني بدور بارز في مساندة الإضراب، وتحركت وزارة الخارجية الفلسطينية في اتجاهات عديدة لإيصال رسالة الإضراب، وكان لهيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير، برئاسة الوزير عيسى قراقع، ونادي الأسير، برئاسة القيادي في حركة "فتح"، قدورة فارس، الدور الأبرز في متابعة الإضراب، والفعاليات المصاحبة له في مختلف المدن الفلسطينية. فيما أعلنت اللجان التنظيمية لحركة "فتح" في مواقع عديدة برامج وفعاليات مستمرة لمساندة الإضراب، خصوصًا في خيم التضامن التي نصبت في المدن والكثير من القرى، كما شاركت قيادات من "فتح" وفصائل المنظمة في الفعاليات التضامنية المختلفة.
وبالرغم مما سبق، برز غياب فاعلية الماكنة التنظيمية للفصائل، وغياب التنسيق بين أطر الحركة الوطنية الفلسطينية، وخصوصًا داخل "فتح"، فيما كان غياب "حماس" عن الفعاليات الشعبية ملموسًا.
ومع تحرك بعض المؤسسات المختصة بالأسرى، وبعض اللجان التنظيمية، كان واضحًا غياب الفعل القيادي المؤسسي، فلم تكن هناك اجتماعات أو موقف للجنة التنفيذية للمنظمة، وحتى اللجنة المركزية لحركة "فتح" لم تجتمع بشكل رسمي بكامل عضويتها لتناقش الموضوع إلا في مرحلة متأخرة من الإضراب.
لم تستطع التنظيمات الشعبية التابعة للفصائل القيام بعمليات حشد ممنهجة كبيرة للجمهور لمساندة الإضراب، ومن فعل ذلك هم أفراد ومجموعات تكونت وتجندت طوعًا مع بداية الإضراب، والتحقت أو عملت بجانب اللجان المشكلة من قبل هيئات وأندية الأسرى، التي وإن كانت غير بعيدة عن السلطة و"فتح" إلا أنّها ليست الأذرعة الشبابية والشعبية للفصائل.
وعلى سبيل المثال، فإنّ النشاطات المركزية الجماهيرية التي رافقت الإضراب، مثل تجمع ميدان نيلسون مانديلا، في رام الله، يوم 352017، الذي كان مقررا ليكون ذروة الحشد الجماهيري، واستقطب نحو خمسة آلاف مشارك، شهد عمليات حشد وتعبئة قام بها أفراد متطوعون بصفة ذاتية، حتى وإن كانوا أعضاء في تنظيمات وفصائل. وبرز دور شركات خاصة في دعوة موظفيها، كما دعت بعض قيادات فصائلية أعضاء مؤسسات تديرها. وبشكل عام، غاب الحشد الموجه والمنظم من الفصائل، وبالتالي أوضح الإضراب وجود شرائح شبابية واجتماعية عديدة تسعى للانخراط في النشاط الوطني مع غياب الأطر المنظِمة، لا سيّما الفصائل.
وفي استمرار لحالة الفجوة بين الشعبي والرسمي، حدث أكثر من حالة توتر قريبة من مقر القيادة الفلسطينية (المقاطعة)، عندما حاولت أمهات وزوجات أسرى الوصول للحديث مع الرئيس الفلسطيني، أو الاعتصام هناك. كما لم يجر تفعيل العمل القانوني الدولي، أو الذهاب إلى أطر الأمم المتحدة، وبقي العمل في إطار الصليب الأحمر واتصالات ثنائية مع هيئات ودول مختلفة.
كان هناك أمثلة ومحطات أبرزت حالة عدم التنسيق، والافتقاد إلى خطة عمل شعبية وفصائلية. فمثلًا في يوم 11 أيار الماضي، بعد قرابة شهر من بدء الإضراب أعلن قدورة فارس، نقلًا عن مفوض التعبئة والتنظيم في اللجنة المركزية لفتح، بيانًا يعلن إلزام أسرى "فتح" غير المضربين بالانضمام إليه، ونشر البيان على وسائل الإعلام الرسمية، قبل أن يتم سحبه ويصدر نفي، وبعد أن اجتمعت اللجنة المركزية بجزءٍ من أعضائها، لتصدر بيانًا لا يتضمن هذا الإلزام، ولتنفي مصادر الحركة البيان، ورفض فكرة الإلزام للأسرى.
من الأمثلة الأخرى على غياب أو ارتباك الأجهزة التنظيمية، إعلان إضرابات عامة جزئية أو كليّة والتراجع عنها، كما حدث مع الإعلان عن إضراب عام ثم التراجع عنه في منتصف أيار، (كان هناك يوما إضراب عام في المدن الفلسطينية أثناء الإضراب تم الالتزام بهما كليًا لكن لم يرافقهما نشاطات جماهيرية كبيرة).
على صعيد حركة "حماس" وقطاع غزة، فإنّ عدم انضمام الحركة إلى الإضراب رسميًّا، باستثناء من انضم إليه من الأسرى بشكل فردي، وهو فيما يعتقد كان لرفض خوض الإضراب بقيادة البرغوثي، تبعه غياب للمشاركة في التضامن الشعبي، سواءً في الضفة الغربية، أو قطاع غزة.
وكان هناك تلميح إلى تبني وسائل أخرى سوى الإضراب، فمثلًا بعد ستة عشر يومًا على الإضراب، قال الناطق العسكري باسم القسام أبو عبيدة في تصريح متلفز: "الكتائب قررت بأن يدفع الاحتلال ثَمَن كل يوم تأخير في الاستجابة لمطالب الأسرى".. "ندعو المواطنين في الضفة الغربية إلى الاستنفار وحشد كل الجهود في يوم الغضب نصرة للأسرى، والذي يصادف غدًا الأربعاء في رام الله وفي كل ميادين الضفة"، مشيرا إلى أنّ الثمن هو زيادة عدد الأسرى المطلوبين في قوائم تبادل ألمح المتحدث أنّه يجري التفاوض عليها.
ورغم هذا الدعم لم يجر دعوة أسرى "حماس" للدخول في الإضراب، كما أنّ "حماس" أعلنت وثيقتها الجديدة، من العاصمة القطرية الدوحة، أثناء الإضراب، وبالتزامن مع تحذير أبو عبيدة، في إشارة إلى استمرار خطط "حماس" السياسية كالمعتاد. وبطبيعة الحال، استمر إضراب الأسرى ولم يصدر جديد من أبو عبيدة بشأن المهلة، أو خطط إسناد أخرى.
كما أنّه مع قرب الإضراب من نهاية الشهر الأول، بدأت حالات شكلت محور خلاف في الشارع الفلسطيني، تجسدت في قيام شبان وفتية بإغلاق طرق داخل المدن والقرى وحول المخيمات الفلسطينية أمام حركة السير، تضرر منها فلسطينيون بالدرجة الأولى، مقابل رغبة هؤلاء الشبان على ما يبدو توجيه رسالة بعدم رضاهم عن مستوى التفاعل مع الإضراب.
وكان بيان مروان البرغوثي، منتصف أيار، بعد أول زيارة من محامي له، وفي أول اتصال فعلي له مع العالم الخارجي بعد نحو شهر من بدء الإضراب، يدعو لخطة ممتدة، فقد دعا "إلى التحام حركة إحياء النكبة وفعالياتها مع الحركة الشعبية للتضامن مع الأسرى، وصولًا إلى تطوير هذه الحالة إلى عصيان مدني ووطني شامل تتزامن مع ذكرى مرور نصف قرن على الاستعمار "الإسرائيلي" الكولونيالي للأراضي العربية المحتلة العام 67"، أي أنّه كان يدعو لتصعيد يصل إلى نقطة العصيان بعد نحو ثلاث أسابيع من بيانه.
وكان واضحًا أنّ السلطة والمنظمة لم تكونان بصدد تبني مثل هذه الخطط، وعلى العكس كانت اتصالات القيادة الفلسطينية مع الإدارة الأميركية والقوى الدولية تنصب على استئناف العملية السياسية والمفاوضات، وتجلى هذا في زيارة الرئيس عبّاس إلى واشنطن يوم 3 أيار، وزيارة الرئيس ترامب إلى بيت لحم يوم 23 من الشهر ذاته.
ولعل بيانين صدرا عقب الإضراب، يجسّدان ويؤكدان حالة عدم التنسيق وعدم الاتفاق داخل "فتح" حول الإضراب. فقد أصدر مروان البرغوثي بيانًا بعد أيّام من فك الإضراب، شكر فيه الشعب الفلسطيني، والحملات الإعلامية، وجهات مختلفة، ولكن عند حديثه عن القيادة الفلسطينية والفصائل، قال "إني أدعو الرئيس الفلسطيني أبو مازن وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والفصائل الوطنية والإسلامية، للقيام بواجبها الوطني حيال الأسرى من خلال العمل على تحريرهم وإطلاق سراحهم، مجددًا التحذير من أي استئناف للمفاوضات قبل اشتراط الإفراج الشامل عن كافة الأسرى والمعتقلين". ويشير هذا النص بشكل ضمني إلى عدم رضا البرغوثي عن الدور الذي قامت به القيادة الفلسطينية والفصائل.
استفز البيان أوساطًا داخل "فتح"، فصدر بعد أيّام بيان موقع باسم أسرى حركة "فتح"، دون وضوح من يقف خلف البيان بالضبط، جاء فيه "لا بد لنا أن نؤكد على احترامنا الكبير والعظيم للأخ القائد العام لحركة فتح ولرئيس دولتنا الفلسطينية محمود عباس "أبو مازن" لمساندته ووقوفه معنا، وإعطائه الإيعاز لكافة مؤسساتنا التنظيمية والرسمية في السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة سفاراتنا وبعثاتنا الديبلوماسية بدعمنا بكافة الوسائل (...) ونشكر كافة الأخوة القادة أعضاء لجنتنا المركزية ومجلسنا الثوري لوقوفهم معنا...".
وتحدث البيان عن البرغوثي، وقال "في الوقت الذي نقدر فيه جميعًا نضالاته ولا نختلف على شخصه الوطني والنضالي والقيادي في حركة فتح، فإننا نستهجن ما جاء في بالبيان الذي نسب إليه". وأشار كاتبو البيان إلى أن بيان مروان جاء "متناسيًا ذكر قيادة الحركة وعلى رأسها الأخ الرئيس أبو مازن، وكذلك هذا الجيش الفتحاوي الكبير الممثل بالأقاليم والمناطق التنظيمية ومؤسسات الحركة بشكل عام، فلكل جواد كبوة، حيث كان يجب أن يشير لأصغر شبل وزهرة وعلى رأس الجميع قائدنا ووالدنا سيادة الأخ الرئيس أبو مازن...".
جرى أثناء الإضراب تعيين كريم يونس، عضوًا للجنة المركزية لحركة "فتح"، ويعدّ هذا مكسبًا معنويًا مهمًا للحركة الأسيرة، ويعني أن اثنين من مركزية "فتح" صارا في المعتقل إلى أجلٍ غير مسمى، لعدم وجود سقف لأحكامهم.
إنجازات الإضراب والحصيلة السياسية
يلخص بيان البرغوثي، سالف الذكر عقب الإضراب، الإنجازات بالنسبة للأسرى بالقول إنّهم "تمكنوا من انتزاع جملة من الإنجازات الإنسانية والعادلة، وفي مقدمتها إعادة الزيارة الثانية لعائلات الأسرى التي توقفت منذ سنة تقريبًا، وتحسين شروط وظروف حياتهم اليومية، وحل مشكلات عالقة منذ سنوات تتعلق بالأسيرات والأشبال والبوسطات والمعالجة والكانتين والمشتريات وإدخال الملابس...".
في الواقع، إنّ حسم نتائج الإضراب الفعلية ينتظر انتهاء المفاوضات بين الأسرى وإدارة السجون، إذ كانت هناك مطالب تركت للتفاوض لما بعد تعليق الإضراب، وتنتظر رؤية التطبيق الفعلي لأي تفاهمات.
على الصعيد السياسي والوطني، أظهر الإضراب عدم وجود إستراتيجية وطنية لمعالجة مسألة ظروف الأسر وعملية السعي لإطلاق سراحهم، بما في ذلك حشد التضامن معهم، هذا مع أن هيئات وأندية وجمعيات الأسرى تقوم بدور مهم في متابعة شؤونهم وشؤون عائلاتهم. وظهر أثناء الإضراب أنّه إذا كانت المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية،بذلت جهودًا مهمة لمساندة الأسرى، فإنّ ذلك جاء دون خطة عمل وطنية متكاملة، وبدرجة من التشوش في عملية صنع القرارات، وفي حشد الشارع.
الهجمة المضادة الإسرائيلية الأميركية
سعت الحكومة الإسرائيلية جاهدة أثناء الإضراب للتحريض ضد الأسرى، وضد أي دعم يقدّم لهم من السلطة الفلسطينية، وخصوصًا المخصصات الشهرية المقدمة لأهالي الأسرى والشهداء. وبدأت أنباء تتسرب عن حوارات ومناقشات تتعلق بمدى استمرار السلطة في ذلك، ثم جاءت سلسلة إشاعات، أو أخبار غير مؤكدة، بعد الإضراب، عن وقف أو تأخر رواتب أسرى محررين، لتؤكد تصريحات وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يوم 13 حزيران، أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، أنّ السلطة الفلسطينية وافقت على وقف "الدفعات" المخصصة "للشهداء"، وقال تيلرسون: "على الأقل تم إبلاغي أنّهم غيروا سياساتهم"، وقال "لديهم النية لوقف الدفعات لأفراد عائلات الذين قاموا بجرائم عنف ضد آخرين".
نفت مصادر فلسطينية في مقدمتها كل من قراقع وفارس هذه الأنباء، ولكن لا يبدو أن هذا الملف أغلق، ومن المتوقع أن يشهد تفاعلات في المرحلة المقبلة.
خلاصة
لقد أثبت إضراب الأسرى القدرة العالية على الفعل السياسي لدى الأسرى، وعلى تحريك أجزاء من الشارع، وعلى وجود شرائح اجتماعية مستعدة للنضال الميداني، فضلًا عن قيام مؤسسات رسمية بأدوار مهمة، ولكن أثبت في الوقت ذاته تزايد التراجع في آليات وقدرات الحشد الميداني والشعبي، والتشوش والقلق أحيانًا، في مستويات رسمية وفصائلية بشأن الدور المطلوب شعبيًّا، إلى جانب عجز هذه المستويات عن تطوير وتنفيذ إستراتيجيات عمل شعبية نضالية شاملة.
في الأثناء تتحين الحكومة الإسرائيلية مدعومة من الإدارة الأميركية الفرص للانقضاض على شرعية الأسرى وما يمثلونه وطنيًا للفلسطينيين، فضلًا عن التضييق عليهم وعلى عائلاتهم معيشيًا وماليًّا.
*ورقة صادرة عن لجنة السياسات في مركز مسارات، من إعداد د. أحمد جميل عزم، أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة بيرزيت.