حتى تصل إلى القمة لا بد من صعود الجبل ناهيك عن العثرات التي ستواجهها بالصعود، إن الحركة الأسيرة منذ نشأتها وهي في صعود متواصل للحصول على بعض من الحرية، إنجاز تلو إنجاز، عثرات كثر، تضحيات جسيمة، أرواح قد بذلت، أجساد قد تآكلت وذبلت، صحة قد ضعفت، للوصول إلى ما وصلوا إليه حتى الآن.
إن ما وصلت له الحركة الأسيرة "كما قلنا بعضا من الحرية" ما هو إلا إنجازات تلك الإضرابات في مرورها في الحركة الأسيرة، قلنا بعضا من الحرية لأن الحرية بشكل عام تصورها بأن تكون حرا طليقا غير مقيد اليدين والعينين، أو أن لا تستطيع الخروج من أمتار معدودة مغلقة، وتحديد مدى النظر، هذه هي الحرية في المفهوم المتدارك للذهن أولا، أما بعض الحرية التي بحث عنها الأسرى على مرور الإضرابات، ما هي إلا تلفازٌ وبعض القنوات وزيادة كمية الطعام وتحسين جودته وعدم التقيد باختيار نوع الطعام والسماح بإدخال اللباس المدني بواسطة الأهل، وتحسين وضع الغرف الرديئة، وزيادة استنشاق الهواء تحت أشعة الشمس بزيادة ساعات الفورة"الخروج إلى الساحة"، وزيادة عدد الصور مع الأهل مرة كل خمس سنوات بدلاً من مرة واحد طوال العمر، وزيادة عدد الزيارات، وإلغاء العزل الانفرادي، والتعذيب، ورفض مناداة السجان بكلمة (حاضر سيدي) ورفض منع التجمع لأكثر من أسيرين في الساحة، إلا أن الحركة الأسيرة لا تلجأ إلى الإضرابات إلى بعد الاستعانة بكل الطرق الأخرى من الحوار مع السجان وغيرها، لأن الإضراب غاية وليس هدفا، لما فيه من تدهور وتراجع صحي لدى الأسرى، وقد يرتقي شهداء نتيجة الإضراب.
ومن شهداء الإضراب في الحركة الأسيرة عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد بتاريخ 11/7/1970، خلال إضراب سجن عسقلان، وهو بذلك أول شهداء الحركة الأسيرة خلال الإضراب عن الطعام، ومروراً بالشهيد راسم حلاوة وعلي الجعفري واللذين استشهدا بتاريخ 24/7/1980 خلال إضراب سجن نفحة، والشهيد محمود فريتخ الذي استشهد على أثر إضراب سجن جنيد عام 1984، والشهيد حسين نمر عبيدات والذي استشهد بتاريخ 14/10/1992 في إضراب سجن عسقلان، وهؤلاء الشهداء هم الذين رسموا كرامة الحركة الأسيرة، والحياة التي يحياها الثوار الذين لا يرضون الذل والإهانة خلف القضبان الاحتلال ولا خارجها فهم من يبحثون عن الحرية أينما وجدت، ومن أبرز الإضرابات التي خاضتها الحركة الأسيرة وإنجازاتها، إضراب معتقل كفار يونا بتاريخ 18/2/1969، واستمر الإضراب ثمانية أيام، وتزامن مع إضراب الرملة، السبب المطالبة بتغير”الجو مي” (فرشة بلاستيكية رقيقة ينام عليها الأسير) وتحسين وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية ورفض مناداة السجان بكلمة (حاضر سيدي)، ونتج عنة السماح بإدخال القليل من القرطاسية من أجل كتابة الرسائل للأهل وإلغاء (كلمة سيدي من قاموس السجون)، فهذه الإنجازات تسطر في التاريخ وتكتب في كتب التضحية وهي رد على من يدعي أن الإضرابات لا تحقق شيئا وأنها عبثية.
لا يتصور في مخيلتنا أن قادة لهم أجمل التضحيات للوطن وأجمل البطولات ضد الاحتلال، ولكن لاقوا حتفهم وقضوا خلف القضبان بأن يقولوا لسجان "حاضر يا سيدي" ، هذا مثال على الانتصارات التي حققتها الإضرابات وأيضاً إضراب 25/9/1992، الذي شمل معظم السجون، وشارك فيه نحو سبعة آلاف أسير، واستمر (15) يوما، بعد فشل إضراب نفحة عام 1991، بدأت السجون كلها بالتحضير لإضراب شامل لكل الأسرى في سجون الاحتلال، وأمام هجمة إدارة السجون الشرسة على الأسرى استمرت التحضيرات قرابة عام كامل، حيث بدأ الإضراب يوم 25 أيلول (سبتمبر) 1992 في غالبية السجون المركزية وتضامن بعض المعتقلات.
وكانت مشاركة السجون على النحو التالي: جنيد وعسقلان ونفحة وبئر السبع ونابلس في 27/9، سجن جنين 29/9/، سجن الخليل 30/9، سجن رام الله، وأسيرات تلموند في 1/10، سجن عزل الرملة في 5/10، سجن غزة المركزي في 10/10، فيما شاركت السجون التالية مشاركة تضامنية، مجد، النقب، الفارعة، شطة، جاء هذا الإضراب بعد شهرين من فوز حزب العمل في الانتخابات وتشكيل حكومة يسارية بقيادة إسحق رابين، وتسرب أنباء عن بدء مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية.
استمر هذا الإضراب 18 يوما في غالبية السجون و19 يوما في معتقل نفحة، وتفاعل الشارع الفلسطيني مع الإضراب بصورة كبيرة، وتأججت فعاليات الانتفاضة، وتحرك الفلسطينيون داخل الخط الأخضر بصورة نشطة، وعلى غير العادة بقيت أجهزة التلفاز عند الأسرى ولم تسحب، مما أدى إلى رفع معنويات المضربين عند مشاهدتهم لتفاعل الناس مع الإضراب، وقد أدى هذا الإضراب إلى صدام بين وزير الشرطة ومدير مصلحة السجون غابي عمير، الذي أبدى التشدد في موقفه تجاه الأسرى.
انتهى الإضراب بنجاح كبير للأسرى وقد اعتبر هذا الإضراب من أنجح الإضرابات التي خاضها الأسرى الفلسطينيون من أجل الحصول على حقوقهم، حيث تم تحقيق الكثير من الإنجازات الضرورية، مثل إغلاق قسم العزل في سجن الرملة ووقف التفتيش العاري وإعادة زيارات الأقسام وزيادة وقت زيارة الأهل والسماح بالزيارات الخاصة وإدخال بلاطات الطبخ إلى غرف المعتقلات وشراء المعلبات والمشروبات الغازية وتوسيع قائمة المشتريات في الكانتينة.
هذا على صعيد الانتصارات التي حققتها الإضرابات وغيرها الكثير من الانتصارات فقد خاضت الحركة الأسيرة ستة وعشرين إضراب عن الطعام منذ تأسيسها حتى هذا الإضراب الذي بداء في 17/4/2017، وكانت هذه الإضرابات بين انتصار وفشل، أما ما يحتاجه الأسرى ممن هم خارج السجون، بالوقوف إلى جانبهم ومساندتهم وتحريك الشارع، وخروج المظاهرات والمسيرات المؤيدة والداعمة للإضراب خاصة داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948، والضغط على الاحتلال بكل الطرق ودعم الدولي والمحلي، وهذا له أثر واضح في التأثير على مسيرة الإضراب وصموده، كما حدث في إضراب عام 1992 الذي شمل جميع السجون، مما حقق نجاحا ملحوظا بالمقارنة مما سبقه من إضرابات.