قرار حكومة الوفاق الوطني خصم 30%- 50% من إجمالي رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، لم يكن مفاجئاً وسيترك تداعيات خطيرة، حيث تم التمهيد لتلك الخصومات خلال الأيام الماضية من خلال الحديث عن قانون التقاعد المبكر.
فقرار الخصومات يدفع آلاف الموظفين إلى حافة الفقر كون الراتب هو المصدر الوحيد للحياة في قطاع غزة الذي يعاني حصاراً إسرائيلياً منذ أكثر من عشرة أعوام أدت إلى ارتفاع ظاهرتي الفقر والبطالة، ويندرج ضمن العقوبات الجماعية.
إن القرار طُبق في قطاع غزة دون الضفة الغربية علماً أن حالة التقشف يجب أن تطبق على كافة الموظفين بلا استثناء في كافة محافظات الوطن. وإن كان الحديث عن بدء حالة التقشف فيجب أن يشمل مصاريف النثريات والسفارات والمقرات الحكومية من وقود السيارات وبدل مهمات سفر، وأصحاب الرواتب العالية والتي تصل أحيانا إلى 15 ألف شيقل أو رواتب المستشارين التي تصل إلى 7000 دولار أمريكي، وليس صغار الموظفين.
فأين تصريحات رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله، بأن الحكومة لن تتخلى عن قطاع غزة، وكذلك تصريحات الرئيس محمود عباس؟. وهل الخصومات هي رد على تمرد حكومة حماس على المحكمة الدستورية وتفعيل لجنتها الإدارية كحكومة موازية لحكومة الوفاق الوطني، بالإضافة إلى مواصلة حماس استيلائها على الإيرادات وعدم إعادتها للخزينة ما أثر سلباً وفاقم الوضع المالي للحكومة؟؟.
وإن كان الحديث عن أن الخصومات طالت العلاوات فقط وجزء من علاوة طبيعة العمل دون المس بالراتب الأساسي، وأن ذلك له علاقة بالحصار المالي على فلسطين، فلماذا يتم استهداف موظفي السلطة في قطاع غزة دون مناطق أخرى في الوطن؟، علماً أن حكومة رام الله وبالتحديد بطلب من الرئيس أبو مازن هي من أمرت موظفي غزة بالاستنكاف ثم عاقبتهم لتطبيقهم القرار.
ألا يكفي يا سيادة الرئيس ما يعانيه قطاع غزة من حصار وانقسام وعزلة عن العالم الخارجي، أفلا تعلم أن البطالة في غزة وفق آخر الإحصائيات وصلت إلى 43% وفي صفوف الشباب إلى 65% مما يدفعهم للهجرة والانتحار وإلى مستقبل مجهول. ألا يكفي أن 80% من سكان قطاع غزة تحولوا إلى متسولين يتلقون المساعدات من وكالة الغوث، وقرابة 80 ألف أسرة من الشؤون الاجتماعية إضافة إلى المؤسسات الدولية الأخرى.
فمنذ أكثر من عشرة أعوام قطاع غزة يعاني من مشاكل عدة، أبرزها، انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 16 ساعة يومياً وفي أحسن الأحوال لثماني ساعات، كما أن 95% من مياه غزة غير صالحة للشرب وفق مؤسسات دولية.
إن قرار الخصومات الجائر يكافئ غزة اليوم التي صمدت أمام الحصار والعدوان ويزيد من معاناتها ومن نسب الفقراء في صفوف موظفيها، حيث أن التقديرات تشير إلى أن 30% من موظفي السلطة الفلسطينية في قائمة الفقراء، فيما قرابة 90 ألف موظف بالضفة وغزة مقترضين من البنوك الفلسطينية إضافة إلى الآلاف منهم حصلوا على قروض من مؤسسات الإقراض الأخرى. ألا يكفي غزة ما خلفه الاحتلال والعدوان من ارتفاع أعداد الأيتام إلى 20 ألف يتيم، و3 ألاف حالة طلاق سنوياً، وأكثر من 70% من طلبة جامعاتها غير قادرين على تسديد الرسوم الدراسية؟؟!!
إن غزة ليست عبئاً على أحد وليست حمولة زائدة، فإيرادات المقاصة في العام 2016 وصلت إلى 2.3 مليار دولار، علما أن التقديرات تبين أن غزة تساهم بحوالي 40% من أموال المقاصة، إضافة إلى حصتها من المساعدات وأموال الاعمار وبالتالي فهي تنفق على نفسها. كما أن غزة خلال السنوات الماضية تعرضت لظلم كبير من خلال توقف توظيف أبنائها في مؤسسات السلطة الفلسطينية إلا أن فاتورة الرواتب ارتفعت من 1.3 مليار دولار عام 2007 إلى 1.93 مليار دولار عام 2016، رغم أن غزة كانت محرومة من تلك الزيادة سواء في الرتب أو التوظيف أو العلاوات.
إنني أتحدث عن غزة ليس لأنها الأجمل والأفضل، وليس لأنها الأغلى من المحافظات الأخرى، بل لأنها تتحمل النسبة الأكبر من التضحيات والجوع والفقر، وهي من أدمت العدو الإسرائيلي، ولم تجد سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخرجاً من غزة سوى من أحد الأمرين، إما أن يبتلعها البحر أو تتخلص من حمولتها الزائدة والتي جاءت أوسلو لإنقاذ إسرائيل من ورطتها. غزة هي أكثر الأماكن فقراً وجوعاً، وهي من خاضت المعركة ضد التوطين في الخمسينيات وخاضت تجربة نضالية في عام 1956، وشهدت مستوى عالي من الوحدة الوطنية من مختلف التيارات السياسية، وتعرضت لأكثر من ثلاثة حروب خلفت آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى، فهي تستحق أكثر من ذلك.