جالِسون على الأرائك، أو مُمَددون كالأموات، لا فَرق، فالنتيجة في النهايةِ واحدة، لن تَتَبدل بِتَبَدُلِ الجلسة.
نُقَلِبُ محطات التِلفاز الفضائية، ونُلاحِقُ الفتياتِ على "الفيس بوك"، نُتَابِعُ صُوَرهنّ على "الانستغرام" ونشاهد حَرَكاتهن على "سناب شات"، نَسرقُ ما يسرقه الآخرون من الآخرين وندّعي الثَقافة، وإن لم نَجِد ما نسرقه، نخلع القناع الذي نرتديه ليأتي دور القناع الآخر فنرتديه.
ندّعي ونَقول، نحن قُرّاءُ جَيِدون، نستعين بـ"جوجل"، ونطلب منه أن يَجلِبَ لنا عباراتٍ مِن، عَن، لِ، وفي نهاية البحث، ننشر مما كتب غسان كنفاني وأحيانا محمود درويش، كما تُرِيدُ الفتاة التي نلاحق، عَبَرَ الخبرُ سَريعاً على وجل، "الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيا مطلوباً"، خَرجنا عن صمتنا، وكسرنا بروتوكولاتنا، يجب أن نواكب الحدث، رددنا كالببغاءات وقلنا: "مات وكان نداً"، "قُتل وكان ندا"، ثم ترحمنا على الشهيد، وتفرق من حضر عن التعليق، وكأن الحدث لم يَكُن، فلقد عَبَرَ الخبر.
لكن انتظروا، هناك خطأٌ في الخبر، هل أخطأ المحرر؟، وما الخطأ؟! لا خطأ، فلقد عَبَرَ الخبر، هناك خطأ، لقد قتله الجيش وما الخطأ؟!، هم ليسوا جيشاً، هم عصابات الهاغاناة والشتيرن قدموا من اصقاع المعمورة يريدون سلب أرضي، واحتلال بلدي، وهو، هو الذي يقولون إنه قتل، لم يقتل وإنما رحل شهيدا يزمجر في السماء بغضب، أخبروني، متى أصبح المُدافع عن أرضهِ مطلوبا؟، هم قالوا كذلك، ونحن رددنا، هو ليس مطلوبا، عليكم الحذر، إنه المُثَقف المُشتبك، وإن لم تكن مثقفا مشتبكا "لا منك ولا من ثقافتك".
صَرَخَ البعض مُوَضِحاً، لم تسمع الاُذن، وكأن شيئاً لم يَكُن، رَحَلَ الخبر وطار مع روح الشهيد، فلقد عَبَرَ الخبر، أصبح خلفنا، ومضى الخطأ مع الخبر، فنسيناه، لأن الخبر قد عَبَر، يَومِياتُنا تُقاسُ على جدار الزمن الذي حدده "الفيس بوك"، نَتَذكر ما يُرِيد، وننسى ما يُرِيد، إننا له محكومون، ما اقبحنا، ندعي ما ليس فينا، ونُفضح عندَ أولِ خبر، يا بشر، منذ بدء الخلق كانت الكلمة، وأنزل الله من السماء أولى الآيات "اقرأ"، فمتى سنقرأ؟! أخبروني، متى سنقرأ؟!، ونسير على وقع خطى الشهيد ونحقق وصيته بأن نكون مثقفين مشتبكين.