شبكة قدس الإخبارية

"سراج القدس" مدرسة على درب التغيير

إسراء رجبي

عندما تجتمع عليك المواقف المتتالية التي تضعك في موقف بعيد عن الشفقة، هو موقف الفخر والأمل بأناس جعلهم المجتمع "عالة"، وهم في الحقيقة فخر واعتزاز بطاقاتهم الكامنة التي ستجعلهم منتجين في المجتمع.

عندما ترى مشروعاً يحمل فكرة وقع عليها جدل كبير بين موافق ومعارض، وتراه يثبت فرضيته بتطبيقها، وتذوق لذّة إيجابية نتائجها، تقف حينها شاهداً على نجاحه وانتصار فكرته.

مدرسة سراج القدس

انطلقت فكرة مدرسة سراج القدس من وحي تجربتين لمكفوفين اصطدما بكثير من العوائق التي وقفت أمام كثير من إنجازاتهما، إلا أنهما أصرّا على المضي قدماً وحققا الكثير منها، والتي وصلوا بها إلى إنشاء مدرسةٍ دمجية أسموها "سراج القدس الدمجية"، لم يعيدوا بها شريط معاناتهم التي عاشوها، بل جعلوها منبراً لعلاج مشاكل يعاني منها الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة.

رؤيا المدرسة هي تحقيق بيئة مجتمعية وتعليمية ملائمة تساعد الأشخاص ذوي الإعاقات البصرية وذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة الأطفال الطلبة على اكمال تعليمهم وتلبية احتياجاتهم وتحقيق طموحاتهم وتنمية قدراتهم المختلفة.

المؤسسون جزء منها

حملوا شعارهم "فاقدون للبصر مالكون للبصيرة"، اثنان من المكفوفين خرجوا بالفكرة وأصرّوا على تطبيقها بما لديهما من إمكانيات بسيطة ومتواضعة، هما تيسير رجبي ونور الدين عمرو.

حملوا همها ومسؤوليتها، مسؤولية تنمية المكفوفين وضعاف البصر من الصغر حتى يتسنى لهم تحقيق أكبر قدر من الإنجازات والتقدم في حياتهم.

يعقب على ذلك نائب مدير المدرسة تيسير رجبي: "تبلورت هذه الفكرة نتيجة للمعاناة الشديدة التي عانيتها في المدارس منذ صغري، حيث الاهمال والتهميش والسخرية والاستهزاء والتعليقات الجارحة وانعدام المعاملة الجيدة من قبل المعلمين والادارة وعدم توفر الوسائل والادوات المساعدة في التعليم، وبالرغم من ذلك كان لدي الاصرار والعزيمة على إكمال التحصيل العلمي في المدرسة والجامعة".

وأضاف "كانت هذه الفكرة من أجل أن نرفع المعاناة عن أبنائنا المكفوفين وضعاف البصر من ناحية نفسية واجتماعية وصحية وتعليمية وتنمية المهارات وإبراز القدرات وتوفير الوسائل المساعدة والادوات، وتغيير النظرة السلبية من قبل المجتمع للمكفوفين، والخروج بنتائج فعلية ملموسة".

نتجت الفكرة من رحم المعاناة ولم ينقطعوا منزوين ولم يعتزلوا بل تخطوا ذلك إلى محاولة حلها ليس لأنفسهم فقط بل وللأجيال القادمة.

[caption id="attachment_11462" align="aligncenter" width="480"]خلال إحدى النشاطات اللامنهجية في المدرسة خلال إحدى النشاطات اللامنهجية في المدرسة[/caption]

فكرة الدمج بين موافق ومعارض

تفردت مدرسة سراج القدس بتطبيق عملية الدمج فيها بين الأصحاء والمكفوفين وضعاف البصر، بما يتوفر حالياً لديها من إمكانيات. كانت نظرتها إيجابية لما لها من آثار ونتائج إيجابية على المكفوفين والأصحاء من نواحي نفسية واجتماعية وتعليمية وأخلاقية.

فمن الناحية النفسية، دمج المكفوف مع زملائه في الصف والساحات وجميع مرافق المدرسة من المبصرين والمكفوفين وليس من فئة المكفوفين فقط، يزيد من التنافس والتفاعل فيما بينهم ويقلل بشكل كبير الشعور بالدونية والعجز.

فقد كانت النتيجة في المدرسة من غير المتوقع بأن الأوائل من الناحية الأكاديمية في معظم الصفوف من ضعاف البصر.

وأيضاً يصقل بهم ثقة عالية بالنفس، ويتخلصون من الاهمال والتهميش من قبل الطواقم التعليمية والادارة المدرسية كما هو ظاهر في بعض المدارس، بالإضافة إلى تخلص الأصحاء من الالفاظ البذيئة والاستهزاء والسخرية التي كان من الممكن أن تنمو لديهم في حال تمييزهم عن ذوي الاحتياجات الخاصة.

أما من الناحية الإجتماعية، فيوثّق العلاقة بين المكفوفين والمبصرين ويبني العلاقات الحميمية والصداقات من خلال النشاطات المدرسية خاصة الرياضية والترفيهية والرحلات، كما وأن الأثر الأكبر يكون بتغيير النظرة السلبية.

ومن ناحية تعليمية، فقد كان لتطوير الأساليب واستخدام التقنيات المتوفرة دور كبير في تسهيل تلقي المعلومات لدى المكفوفين، وتوفر أساليب تناسب الجميع، مما يحقق المساواة في الفرص.

فمن المعلوم أن المكفوفين معافون (محرومون) من مواد الرياضيات والعلوم (المواد العلمية بشكل عام) مع العلم أن هنالك أساليب وأجهزة متوفرة تسهل تعليمهم.

فكانت المدرسة سبّاقة إلى استخدام الوسائل التعليمية الحديثة والحاسوب الناطق والكتب الصوتية والمكبرة بمساعدة طاقم من المتطوعين، مما يمكّن المكفوفين ويبني مهاراتهم وقدراتهم.

أما نظرة المعارض كانت تعتبر عملية الدمج لا تعطي حقاً كاملاً لذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم، وأنه لا يمكن المساواة في طرق وأساليب التعليم بينهم وبين الأصحاء، كما وأن ذلك سيكون له أثر نفسي سلبي عليهم بشعورهم بالنقص وعدم قدرتهم على إنجاز بعض ما ينجزه الأصحاء، وبالتالي يعيشون حالة توتر وقلق مستمر، مما يقلل من تقبلهم لإعاقتهم ويضعف تقدمهم.

النشاطات اللامنهجية في المدرسة

لم تقتصر المدرسة على حصر العملية الدمجية بالتعليم الأكاديمي فقط بل وتخطته للنشاطات اللامنهجية التي من الممكن أن يجد الكثير أنفسهم فيها، ولما لها من أثار إيجابية على نفسية الطلاب.

فعملت على تفعيل النشاطات الرياضية، مثل الجودو وكرة الهدف والسباحة وألعاب القوى والسباق، وأيضاً تنمية المهارات والمواهب الفنية، مثل الدراما والتمثيل والأدب والشعر والأشغال اليدوية.

كما وعملت على تنظيم المخيمات الصيفية والمهرجانات الثقافية والاحتفالات والرحلات والمباريات الدمجية للمكفوفين والمبصرين، وتقدم دورات في اللغات والقرآن الكريم.

وكذلك عمل جولات تثقيفية في الأماكن التاريخية والمقدسات في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك. وعلى هامش ذلك، قامت المدرسة بتوفير الخدمات الأساسية والطعام والملابس والرعاية الصحية والعلاجات لأسر الطلاب المحتاجة.

seraj3

موارد سراج القدس

تعتمد المدرسة في مواردها على الهبات والتبرعات وكفالات بعض الطلبة من المكفوفين وضعاف البصر، والأقساط الرمزية للطلبة.

وكذلك على ما يقدمه الخيرون من أهل العطاء وتأمل المدرسة منهم أن يستمروا في مد يد العون من أجل أن تبقى صرحاً منيراً في مدينة القدس.

للتغيير قواعد وأصول، فالتغيير ليس بالكلمات فقط بل التغيير بالفعل والتطبيق وإثبات فرضية هذه الكلمات، فيكون وقعها أكبر ومعارضوها أقل، ومواليها كثر، فتثبت براءة التغيير ويتحقق النجاح الحقيقي والأثر الأكبر، هنا كانت "سراج القدس" مع المكفوفين وضعاف البصر على درب ذلك التغيير.