عندما كانت تصل صحيفة "يدعوت أحرونوت" العبرية صباح كل يوم وقبل توزيعها على الأسرى، كان لابد لها أولا أن تمر عبر "مقص الرقيب"، هذا الشخص كانت مهمته تفقد الصور"الخليعة" وتشفيرها إما طمساً بحبر أو قصاً بمشرط، والمضحك ان الأمر زاد عن حده لدرجة أن هذا "المفلتر المتشدد" عادة ما كان يخفي صور الطفلات والشباب الذين يرتدون ملابس السباحة، والحيوانات التي تمارس دورها الغريزي.
الروايات والكتب أيضاً كانت تخضع لمقص الرقيب، فبعد أن يأتي بها الصليب الأحمر وقبل وضعها على رفوف المكتبة، كانت تمر عبر "المفلتر"، يطلع على عناوينها ويقلب بعض صفحاتها، فما كان منها يدعو للإباحية والإلحياد كانت ترسل لأقسام الرفاق أو حركة فتح، وكوني كنت مسؤولاً عن مكتبة القسم، جائني مرة أحد المشايخ وطلب مني سحب كتاب شعر سميك فيه بيت أو اثنين لنزار قباني يصف فيه جسد المرأة.
كتب "الداعية" عمرو خالد طالها أيضاً "الرقيب"، ولكنه كان هذه المرة رقيباً داخلياً غير خاضع لقوة خارجية، فقد عزف الأسرى عن مطالعة كتبه لمواقفه المخزية من الرئيس المصري المختطف محمد مرسي، فكان مصيرها الأهمال في مخزن السجن بين معلبات الكانتينا وحقائب الأسرى.. ولو سمح لهم بحرقها لفعلوا ذلك أسوة بكتب "ابن رشد".. أما كتاب "جرعات من الحب" فكان يتداول بين الزسرى بالخفاء، لدرجة أن بعضهم كان عندما يريد تمريره لزميله يضعه داخل رغيف خبز "من باب الفكاهة والتندر".
لم يتوقف مقص الرقيب عند الصحف والكتب، بل كان مشرفاً أيضاً على المواضيع التي تطرح للنقاش في "الجلسات الثقافية" اليومية، وفي حال كان الكلام مخالفاً لسياسة الحركة سواء السياسة أو الدينية أو الفكرية أو الثقافية كان يوضع اشارة (×) على المحاضر ولا يسمح له باعطاء محاضرات جديدة.. كان يتم ذلك بطرقة مؤدبة غير مباشرة. أما التلفاز فله حكاية أخرى، فجهاز التحكم عن بعد "الريموند" كان يظل في يد أمير الغرفة أو أحد المشايخ الكبار وهو من يتحكم بما يشاهده بقية الأسرى داخل الغرفة... طبعاً هذا الأمر كان متفاوتاً بين شيخ مشتدد لا يحبذ حتى مشاهدة "باب الحارة، وبين شيخ متساهل كان يسمح بمشاهدة (بعض) المسلسلات التركية وعرب آيدل..
حتى المقالات والخواطر والتعميمات التنظيمة كانت تُعرض على أمير القسم وأحيانا على الأمير العام قبل قراءتها أو تعليقها على لوحة الحائط، وهو بدوره إما يقبلها دون تعديل أو يبدل بعض محتوها أو يحذفها من أساسها .
إدارة السجن كانت تمارس هي الأخرى دور مقص الرقيب، فكان مطلوباً من المشايخ تسليم خطبة الجمعة مكتوبة قبل القائها، فيما يقف سجان "سهير" يتقن العربية عند بدأها ليدقق في محتواها ومضمونها، وفي حال كان فيها ما يدعو لـ"التحريض" والدعوة لقتال اليهود أو تمجيد المقاومة فكان مصير الخطيب العزل في الزنازين الانفرادية.
الخطباء كانوا أذكياء واستطاعوا التأقلم مع ذلك وصاروا يلجأون للاستعارات على مذهب "كلية ودمنة" ولا يسمون الأمور بمسمياتها الحقيقية، فيما كان بعضهم لا يبالي بتعليمات مدير السجن.
كان مدير القسم يتفقد باستمرار لوحة الحائط، وفي حال كان فيها ما يدعو للتحريض أو ما شابه كان يتلفها على الفور ويرمي بها في سلة المهملات، المضحك في الأمر أن أغلب محتوى هذه اللوحة هو بعض ما جاء في الصحف العبرية سواء كانت مقالات مترجمة أو حتى صور لعمليات أو منفذيها..
وفي هذه الحالة كان الأسير في السجن يخضع لشكلين من الرقابة الأول من قبل قيادة الحركة الأسيرة والثاني من إدارة المعتقل، مع فرق التشبيه بين النوعين وهدف من يقف خلفهما.