شبكة قدس الإخبارية

حزما ... المقاومة التي لا تنضب

٢١٣

 

محمد علوان

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: على البوابة الشمالية لقرية حزما في القدس المحتلة جاءت  امراة مسنة تحمل "بقج الخضرة" على رأسها من بعيد لتخاطبني: "عرب ولا يهود انتو؟، قولولهم يفتحوا هالبوابة"، واستدارت من ظنت أن أي أحد موجود هنا بإمكانه فتح حاجز يحمل حقدا تجمع منذ ثلاثين عاما للرد على حجارة المقاومة ونيرانها المستعرة من أهالي القرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

قرية حزما التي يسكنها 8 آلاف إنسان، لا زالت تقارع الاحتلال منذ العام 1981 عندما قرر الاحتلال الإسرائيلي البدء بالاستيلاء على أراضي القرية لصالح إنشاء مستوطنة آدم، هذا التمدد تسلل رويدا رويدا حتى سيطر على 18 الف دونم من أصل 19 ألف، أي أبقى لأهالي البلدة دونما واحدا ليعيشوا عليه.

حياة مقاومة

أصبحت المقاومة والمواجهة مع الاحتلال جزءا من حياة أهالي القرية وتعايشوا مع هجمات الاحتلال، الأمر الذي جعل من المقاومة حياة يومية يعيشها أهالي القرية منذ الأعوام الثلاثين الماضية.

في عام 1991 قررت سلطات الاحتلال فصل حزما عن القدس المحتلة بوضع حاجز على أحد أطرافها ليزداد خناق الاحتلال على أهالي القرية، الأمر الذي زادة جذوة المقاومة اشتعالا بين جنباتها.

يزداد عدد البيوت المصطف على رأس الجبل المقابل للحاجز والمستوطنة لتضيق مساحة القرية على أهالها بسبب إجراءات الاحتلال، ثلاث مداخل للقرية تغلق قوات الاحتلال المدخل الرئيسي منهم في غالب الأحيان ما يضطر الأهالي لسلك طرقا أخرى.

يقول يوسف الحلو من أهالي القرية: "نحن هنا على المدخل الرئيس، يمنع الخروج او الدخول من خلاله بالمركبات، في حين يسمح لمن يسير على قدميه بعد أن يخضع للتفتيش العاري، أما الطرق الأخرى فهي وعرة ما يتسبب بخراب كبير للمركبات التي تسلكها نظرا لرداءتها".

ويوجد بجانب المدخل الرئيس للقرية السوق التجاري الرئيس، والذي يحوي عشرات المحلات التجارية، غير أن العديد من أصحاب تلك المحلات ترك المجمع التجاري بسبب الإغلاقات المتتالية والمستمرة من قبل الاحتلال، فانتشار جيش الاحتلال المستمر على المدخل يجعل أهالي القرية من سكان المنطقة على أهبة الاستعداد دائما لأي هجمات من جيش الاحتلال على البلدة.

ويقول رئيس بلدية حزما موفق الخطيب: "لا يزال جيش الاحتلال يستهدف حزما منذ العام 1981، وأعلن وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان مؤخرا نية حكومته إقامة حديقة للمستوطنين على أراضي أهالي القرية، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع شارع التفافي لخدمة المستوطنين وعلى حساب أراضي القرية".

ويضيف الخطيب، "لم يكتف الاحتلال بالجدار الذي أقامه على مساحة 4 آلاف دونم من أراضي القرية، بل وضع ايضا جدارا موازيا للجدار السابق بطول 5 كيلومتر ما بين مدخل حزما الرئيسي وما بين المعبر والجدار، كما أنه يمنع شق أي طريق قد تساهم في توسيع المساحة المسموح البناء عليها بالقرب من الأراضي المصادرة منذ فترة طويلة، حيث قام قبل عدة أسابيع بتدمير طريق ترابي شقها أهالي القرية لمساعدتهم في تسهيل الوصول لأراضيهم الذين ينوون بناء بيوتا لهم عليها".

مثلث الرعب

أطلق أهالي حزما اسم "مثلث الرعب" على المنطقة التي تشهد المواجهات الأشد مع الاحتلال، والتي يتعمد الاحتلال التمركز فيها عند اقتحامه للقرية، لضيق مساحتها الأمر الذي يجعله قادرا  السيطرة على المنازل بإطلاق مئات قنابل الغاز المسيل للدموع على الشبان الذين يتصدون له، لكنه غالبا من يتفاجأ بمقاومة شرسة تخالف توقعاته دائما، حيث في غالب الأحيان تضطر قوات الاحتلال للانسحاب بسرعة من المكان تحت وطأة حجارة المقاومين ونيرانهم.

أهالي القرية يخرجون بكافة شائحهم، من نساء رجال وشباب وأطفال لمقارعة الاحتلال، في كل مرة يقتحم القرية، ومنذ محاصرته للقرية بالجدران والحواجز واستيلائه على أراضي القرية ارتقى من الأهالي 20 شهيدا على مدى ثلاثين عاما.

ويؤكد الأسير المحرر أنس الخطيب أن الاحتلال يلقى موجات من الهجمات المضادة من الشبان بمجرد اقتحامه للقرية.

ويقول: "لا ندري إن كانت حزما بالنسبة لهم منطقة تدريب عسكرية أم ماذا، أنا رأيتهم بأم عيني يقتحمون القرية بقوات كبيرة معززة، ولم يلقوا في البداية أي مواجهة فباشروا هم بإطلاق الأعيرة النارية وقنابل الغاز التي اقتحمت المنازل، فرد عليهم الشبان بمقاومة باسلة".

اعتقالات بالجملة

ومع ارتفاع وتيرة عمليات المواجهة في القرية، ترتفع عمليات الاعتقال بين الشبان، فبهمجية الاحتلال التي باتت معروفة، تُطرق أبواب المنازل مع ساعات الليل المتأخرة ويبدأ جنود الاحتلال باقتحام المنازل، وإن تعرضت قوات الاحتلال لأية مقاومة يباشر جنود الاحتلال بإطلاق قنابل الغاز داخل المنازل في المناطق السكنية الضيقة، وتبدأ عمليات اعتقال الأطفال والشبان وحتى النساء من أهالي القرية.

ويقول راشد صلاح الدين أحد سكان القرية عن اقتحام جنود الاحتلال لمنزله: "طوقوا المنزل فجرا وقاموا باقتحام المنزل بالقوة، وسألوا عن ابني محمد واعتقلوه ليتبين لاحقا أن قوات الاحتلال تتهمه برشق الحجارة".

فيما يقول حسن محمد وهو صاحب بقالة صغيرة تتوسط القرية: "ما أن يقتحمون القرية حتى يطالبونا بإغلاق المحال، ويبدأوا بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع داخل المنازل والمحال التجارية، أما الأصعب فهو تعرض الأولاد الأطفال لحالات اختناق من الغاز وحالة لا توصف من الرعب".

ولم تقتصر اعتداءات الاحتلال على الأرض والبشر، بل طالت اعتداءاتهم مُقدرات القرية الطبيعية، فبسبب الجدار عزلت القرية عن مصادر المياه الرئيسية وهي عين فارة والفوار، ومنع التوسع الهيكلي للقرية.

قدمت قرية حزما كغيرها من القرى الفلسطينية ثلة من أبنائها شهداء منهم الشهيد محمد عبد العزيز الحلو، والشهيد خالد محمد عسكر، والشهيد رامي عبد الفتاح مطاوع، والشهيد محمود عبد الجواد اسعيد، والشهيد أحمد صالح الحلو، والشهيدة تحرير سليمان عسكر، والشهيد حيدر جدوع كنعان، والشهيد ثابت محمود صلاح الدين وشقيقه مؤيد صلاح الدين خلال الانتفاضة الثانية، ولا يزال العديد من أخالي القرية ينتظر لا يأبهون بالموت ولا برصاص الاحتلال.