شبكة قدس الإخبارية

21 عامًا على اغتياله .. والعياش حيّ

٢١٣

 

هيئة التحرير

غزّة - قُدس الإخبارية: تمر اليوم الذكرى الواحدة والعشرين لاستشهاد المهندس، قائد مجموعات الاستشهاديين بكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس يحيى عياش، إثر عملية اغتيال نفذتها قوات الاحتلال شمال قطاع غزة.

لم يكن العياش مقاومًا عاديًا أبدًا، كانت تعرفه عيون الاحتلال جيدًا بعدما عُرف بعملياته الكبرى التي تسببت بمقتل 76 إسرائيليًا وجرح نحو 400 أخرين، حيث أثخن في جيش الاحتلال ومستوطنيه كما لم يفعل أحد.

ميلاده وحياته

ولد عياش في قرية "رافات" في محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة، في 22 مارس 1966، ودرس في قسم الهندسة الكهربائية "قسم الإلكترونيات" في جامعة بيرزيت، فحصل منها على شهادة البكالوريوس عام 1991، حتى برع "المهندس" في صنع المتفجرات والعبوات الناسفة واستطاع ابتكار طرق مختلفة للتفخيخ والتفجير وأجاد التحرك والاختفاء.

وبعد تخرجه حاول الخروج إلى الأردن لإكمال دراسته العليا، لكن سلطات الاحتلال رفضت طلبه، وعقّب على ذلك رئيس مخابرات الاحتلال آنذاك يعكوف بيري بالقول، "لو كنا نعلم أن المهندس سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا، بالإضافة إلى مليون دولار".

تزوج عياش من ابنة عمه، وأنجب ابنه البكر "البراء"، لكنه لم يهنأ بالجلوس معهما، إذ أعلن الاحتلال عن مطاردته، ورغم ذلك، استطاع إنجاب ابنه الثاني "عبداللطيف"، الذي غُيّر اسمه فيما بعد إلى "يحيى" تخليدًا لاسم والده بعد استشهاده.

عملياته الكبرى

6 نيسان 1994، فجّر الشهيد رائد زكارنة سيارة مفخخة قرب حافلة إسرائيلية في مدينة العفولة مما أدى إلى مقتل ثمانية إسرائيليين وجرح 30 آخرين كرد أولي على مذبحة المصلين في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل.

13 نيسان 1994، فجّر الشهيد عمار عمارنة شحنة ناسفة ثبتها على جسده داخل حافلة إسرائيلية في مدينة الخضيرة بالداخل المحتل، مما أدى إلى مقتل 5 إسرائيليين وجرح العشرات.

19 تشرين أول 1994، فجّر الشهيد صالح نزال نفسه داخل حافلة إسرائيلية في شارع "ديزنغوف" في مدينة "تل أبيب" مما أدى إلى مقتل 22 إسرائيليًا وجرح نحو 40 آخرين.

25 كانون أول 1994، الشهيد أسامة راضي- وهو شرطي فلسطيني وعضو سري في مجموعات القسام- يفجر نفسه قرب حافلة تقل جنودًا في سلاح الجو الإسرائيلي بالقدس ويجرح 13 جنديًا .

9 نيسان 1995ّ، حركتا حماس والجهاد الإسلامي تنفذان هجومين استشهاديين ضد مستوطنين في قطاع غزة مما أدى إلى مقتل 7.

24 تموز 199، فجّر استشهادي من مجموعات "تلاميذ المهندس يحيى عياش" التابعة لكتائب القسام شحنة ناسفة ثبتها على جسده داخل حافلة إسرائيلية في "رامات غان" بالقرب من "تل أبيب" مما أدى إلى مقتل 6 إسرائيليين وجرح 33 آخرين.

21 أب 1995، استهدف استشهادي حافلة إسرائيلية في "رامات أشكول" في مدينة القدس المحتلة مما أسفر عن مقتل 5 إسرائيليين وإصابة أكثر من 100 آخرين، وأعلن "تلاميذ المهندس يحيى عياش" مسؤوليتهم عن الهجوم.

وبالإضافة إلى ذلك، نفذ عياش عشرات عمليات إطلاق النار وزرع العبوات الناسفة برفقة مجموعته الفدائية، لكن نتيجة الملاحقة المكثفة لعياش، واعتقال أقربائه وأصدقائه بعد استشهاد رفيقيه علي عاصي وبشار العامودي، نقل مركز نشاطه إلى قطاع غزة، ونجح في الوصول إلى غزة متخفيًا بزي مستوطن إسرائيلي، وهو ما أُعتبر ضربة قوية لأمن الاحتلال.

ماذا قال عنه عدوّه؟

دفعت العمليات النوعية التي نفذها "المهندس" قيادة الاحتلال إلى معرفة المهندس والخشية منه، إضافة إلى اعتباره العدو الأول لهم، حتى أعلن رئيس وزراء الاحتلال آنذاك، إسحق رابين أنه يعتبره "عدوًا شخصيًا"، وقال في إحدى جلساته، "أخشى أن يكون جالسًا بيننا في الكنيست، ولا شك أنه يمتلك قدرات خارقة لا يملكها غيره، وإن استمرار وجوده طليقًا يمثل خطرًا داهمًا على أمن "إسرائيل" واستقرارها".

بينما قال عنه وزير الأمن الداخلي بحكومة الاحتلال السابق موشيه شاحل "لا أستطيع أن أصفه إلا بالمعجزة، "اسرائيل" بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حلاً لتهديداته"، كما قال رئيس الأركان الجنرال أمنون شاحاك، إن "إسرائيل" ستواجه تهديدًا استراتيجيًا على وجودها إذا استمر ظهور أناس على شاكلته".

رئيس مخابرات الاحتلال الأسبق يعكوف بيري، قال "إنني أقر أن عدم القبض على المهندس يمثل أكبر فشل ميداني تواجهه المخابرات منذ إنشاء الدولة"، بينما قال مذيع اسرائيلي في أحد البرامج التلفزيونية "إنني أخشى أن يفجر المهندس هذا الاستوديو أمام أعين المشاهدين".

المطلوب رقم (1)

جعلت العمليات النوعية التي أشرف على تنفيذها المهندس عياش، منه المطلوب رقم 1 للاحتلال، حيث طاردته سلطات الاحتلال على مدار خمس سنوات، أملًا في التخلص منه.

وكانت أبرز محاولات اغتيال عياش تلك التي وقعت في "دير بلوط" بـ6 أغسطس 1993م حيث اصطدمت سيارته بحاجز عسكري أسفر عن استشهاد رفيقه عزيز مرعي، واعتقال محمد ريان، بينما تمكن هو من الانسحاب.

وفي حي القصبة بنابلس في 11 تموز 1994م تعرض منزل كان يأويه ومجموعته للقصف، وبعد ساعات من الاشتباك استشهد علي عاصي وبشار العامودي اللذين غطيا انسحاب المهندس، كما نجا من محاولة اغتيال في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، حينما استشهد رفيق دربه الشهيد كمال كحيل، والشهيد إبراهيم الدعس.

الاغتيال

تمكن الشاباك من الوصول إلى معلومات عن موقع عياش في بيت لاهيا شمال قطاع غزة عن طريق أحد عملائه، وهو "كمال حماد" خال "أسامة حماد" الذي كان يأوي المهندس في منزله قبل خمسة أشهر من استشهاده.

واستطاع عميل الاحتلال إيصال هاتف نقال "بيلفون" مفخخ بـ50 جرام من المتفجرات إلى المهندس، فانفجر برأسه حينما كان يهاتف والده في 5 يناير 1996.

وما إن انتشر خبر استشهاد يحيى حتى عمّت المسيرات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأعلنت "إسرائيل" الاستنفار تحسبًا لردود فعل من المقاومة، وخرج في تشييعه حشود تاريخية بمدينة غزة، تجاوزت النصف مليون مشيّع في شمال القطاع.

وأدانت السلطة الوطنية اغتيال المهندس، وصدرت الأوامر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة في ظروف استشهاده، وتوجّه شخصيًا لتقديم واجب العزاء فيه.

الثأر المقدس

لم يمر 40 يوماً، على استشهاده، حتى انفجرتا حافلة تقل جنوداً إسرائيليين في مدينة القدس، ومحطة حافلات بمدينة عسقلان، إيذاناً بانطلاق عمليات الثأر المقدس.

وكان العقل المدبر لهذه العمليات التي أدت في مجملها إلى قتل أكثر من 46 إسرائيلياً، هو القائد الأسير في سجون الاحتلال، حسن سلامة، حيث روى في كتابه الثأر المقدس تفاصيل هذه العمليات، مؤكداً أن التخطيط للانتقال إلى الضفة وتنفيذ سلسلة عمليات منها كانت هي خطة المهندس عياش نفسه قبل استشهاده.

وبُعيد استشهاد عياش قرر القائد محمد الضيف بأنه لا بد أن يكون هناك رد يساوي حجم الذي حدث وليكون درساً للمعتدين يجعلهم يفكرون كثيراً قبل الإقدام على مثل هذه الفعلة مرة أخرى، وعرض على حسن سلامة الخروج إلى الضفة الغربية لكي يكون مسؤولاً عن عمليات الثأر.

وأعد حسن سلامة خطة للتسلل إلى الضفة الغربية عن طريق اجتياز الحدود الشرقية والدخول إلى الأراضي المحتلة ومن ثم إلى الضفة، وبعد أيام من الرصد والمتابعة للحدود نجح سلامة في الدخول إلى الأراضي المحتلة بعملية معقدة.

استقر سلامة وعدد من رفاقه ومعهم كمية من المتفجرات والأسلحة في بيارة برتقال في أسدود المحتلة، ثم انتقل إلى الضفة الغربية ليلتقي بمجموعة قسامية من القدس.

أوصى سلامة مجموعة القدس برصد أهداف عسكرية ومدنية إسرائيلية لتنفيذ عمليات فيها، وتواصل مع عدة أشخاص في رام الله والخليل كان يعرفهم خلال مدة اعتقاله، أبرزهم الشهيد محيي الدين الشريف وعادل عوض الله ومحمد أبو وردة وأكرم القواسمي، بهدف ترشيح الاستشهاديين لتنفيذ العمليات.

رصدت مجموعة القدس عدة مواقع عسكرية ومدنية إسرائيلية ووقع الاختيار على حافلة تقل جنودًا إسرائيليين في الخط رقم 18 بمدينة القدس ومحطة حافلات بمدينة عسقلان، وبعد اختيار الاستشهاديين ومعاينة أماكن العمليات حددت ساعة الصفر، وانطلق الشهيد إبراهيم السراحنة إلى عسقلان والشهيد مجدي أبو وردة إلى القدس.

وفي صبيحة يوم الأحد 25/2/1996 توالت الأنباء على كل الوكالات والقنوات الإخبارية عن انفجار في القدس تلاه آخر في عسقلان خلفا عشرات القتلى والجرحى الإسرائيليين، إثر هاتين العمليتين شنت قوات الاحتلال والسلطة الفلسطينية حملة اعتقالات شرسة طالت معظم أبناء حركة حماس وكوادرها وقياداتها، وحظرت التجول في مدن الضفة كافة وأغلقت قطاع غزة والقدس.

ورغم ذلك، انطلق الشهيد رائد الشرنوبي، إلى ذات مكان تنفيذ عملية الحافلة 18، بحيث أن الاحتلال لن يتوقع أن تنفذ عملية أخرى في ذات الموقع السابق في وقت وجيز، ففي صبيحة يوم الأحد 3/3/1996 فجر الشهيد الشرنوبي نفسه، ليقتل ركاب الحافلة كافة، وعددهم 20 إسرائيليًا.

وشدد الحصار والإغلاق بعد العملية الثالثة ولم يستطع حسن سلامة التنقل بين قرية وأخرى تهرب إلى بيت لحم والخليل وكاد الاحتلال والسلطة أن يعتقلوه أكثر من مرة.

استقر سلامة في الخليل وخطط منها لتنفيذ عملية خطف جندي إسرائيلي وإجبار الاحتلال على تنفيذ صفقة تبادل يُحرر فيها الأسرى الفلسطينيون، وفعلا تمكنت مجموعة قسامية بقيادة الشهيد محيي الدين الشريف من اختطاف جندي إسرائيلي في القدس لكنه تمكن من الفرار من المجموعة الخاطفة، حتى أعتقل حسن سلامة وحكم عليه بالمؤبدات إثر تصديه للاحتلال واستكماله لطريق رفيقه العيّاش.