غزّة- خاص قُدس الإخبارية: بعد سلسلة من الحروب التي خاضتها المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال خلال السنوات الماضية، انتقلت الحرب بين الطرفين من ميدان الأرض إلى ميدان العقول، وظلت تلك العقول تصارع لتنتصر في ميدان آخر، حتى عُرف ما يُسمى بـ" صراع الأدمغة".
وكانت المقاومة الفلسطينية بعد كل مواجهة مع الاحتلال تستخلص جملة من الدروس والعبر، التي من شأنها القدرة على تغيير تكتيكاتها وتحضيراتها في المواجهات المباشرة والغير مباشرة مع الاحتلال الاسرائيلي لاحقًا
ويمكن القول إن أهم انجازات المقاومة المعلنة في هذا الإطار هو إنشاء شبكة أنفاق متطوّرة، وقوى مقاتلة مدّربة تدريبات خاصة، إضافة إلى إدخال وتصنيع نوعيات مطوّرة من الأسلحة الحديثة، لكن ما يبدو مهمًا أيضًا هو بدء الصراع في الجانب التقني والاستخباراتي، مما يعزز الصمود على المستوى الشعبي أيضًا.
الزواري نموذجًا
وأثار نبأ اغتيال الشهيد التونسي محمد الزواري، الذي استشهد اثر اغتياله يوم الخميس الماضي في الخامس عشر من كانون أول الحالي، بمدينة صفاقس على يد "الموساد" الإسرائيلي، الحديث عن فعالية المقاومة وعملها المستمر ضمن "صراغ الأدمغة" بالاستعانة بعقليات من الخارج لدعم المقاومة.
ونعت حركة "حماس" وجهازها العسكري الشهيد الزواري، قائلة إنه انضم إلى صفوفها قبل عشر سنوات، وهو أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل، التي أعلن عنها الاحتلال خلال العدوان الأخير عام 2014.
وكانت مفاجأة المهندس المخترع محمد الزواري من تونس، مدوية للاحتلال، حيث كان مشاركًا بارزًا في معركة العقول الابداعية ليفرض معادلة توازن القوى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما دفع المسؤولين الإسرائيليين لحالة من الصمت، تشابه صمتهم على تحليق طائرات المقاومة فوق العمق الإسرائيلي لمسافة تجاوزت ثلاثين كيلو مترا.
ويحاول الاحتلال استعراض قوته في الوصول لقادة المقاومة في كل مكان واغتيالهم، في محاولة لاسترجاع هيبته أمام شعبه إلا أنه فعليًا يضع نفسه أمام ورطة كبيرة، فإن كان سابقًا يحاول أن يلاحق القادة الفلسطينيين، فهو الآن يواجه جنودًا وقادة مجهولين في دول أخرى ينضوون تحت لواء المقاومة الفلسطينية، وهذا أمر لا يمكن التنبؤ به حيث الزواري دليلٌ على ذلك وهو الناشط في المقاومة منذ عشر سنوات.
اعترافات اسرائيلية
الكاتب الإسرائيلي اليئور ليفي، قال إن بصمات الزواري اتضحت خلال المواجهات العسكرية التي خاضتها حماس و"إسرائيل" في الحروب الثلاثة الأخيرة، وأظهرت الحركة امتلاكها لهذا النوع من الطائرات دون طيار.
وأضاف في مقاله على صحيفة "يديعوت احرونوت"، بدأت حماس مشروع تصنيع الطائرات دون طيار بإيعاز من مؤسس صناعاتها العسكرية الأول عدنان الغول الذي اغتالته "إسرائيل" عام 2004 في غزة، مشيرًا أن الطائرات التي صممها الزواري لا تحمل أسلحة أوتوماتيكية، لكنها مؤهلة لحمل مواد متفجرة، وهي بالأساس مصممة لتصوير مواقع عسكرية.
ونقلت الإذاعة العامة الإسرائيلية، عن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، خلال مؤتمر لنقابة المحامين وردًا على سؤال حول تورط الموساد بالعملية قوله: "إذا ما قتل أحدهم في تونس فعلى ما يبدو لم يكن يحب السلام أو مرشحًا للحصول على جائزة نوبل للسلام، وسنقوم بما علينا القيام به بالشكل الأفضل، ونحن نعرف كيفية الدفاع عن مصالحنا"، على حد وصفه.
وبحسب تقرير أجرته سابقًا صحيفة "معاريف" مع رئيس شعبة الأعمال العدائية في المنطقة الجنوبية، قال، "حماس تستخلص العبر، وهذا التنظيم يدرس المنطقة جيداً ويديره قادته في الجناح العسكري، وفي النهاية وصلنا إلى نتيجة أن الجناح العسكري بحماس يفكر مثلنا!"
وأضاف في معرض قوله عن حركة حماس، "يقومون بالجلسات التفصيلية التي نقوم بها نحن، هذا تنظيم بدأ بنشاطات "إرهابية"، على حد وصفه، وتحول اليوم إلى جيش بكل ما للكلمة من معنى، التنظيم تطوّر وشكّل أنظمة وتدرّب وطوّر نفسه ومعلوماته العسكرية، حتى أنه تطور في إطلاق الصواريخ المضادة للدروع والصواريخ الأخرى، وأيضًا تطوروا في صناعة المتفجرات وكل ذلك يوجه ضدنا هذه الأيام".
إنجازات محققة
المحلل السياسي ابراهيم المدهون، قال إن "حرب الأدمغة والعقول مستمرة ولا يمكن حسمها بكل سهولة، والاحتلال الاسرائيلي يعتمد على دعم الدول الأجنبية الخارجية له خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية خلاف المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على قوتها الذاتية بشكل أساسي"
وأضاف المدهون، أن هناك انجازات كبيرة حسمت لصالح المقاومة الفلسطينية، بالرغم من أن الاحتلال الاسرائيلي لدية مساحة كافية لاستغلال القوى الشرقية والغربية في عالمنا، أما المقاومة الفلسطينية فهي محاصرة دوليا ومحاربة من تلك القوى".
"تحليق طائرات الأبابيل في سماء فلسطين والتي اعتبرت مفاجأة قوية للاحتلال الإسرائيلي، وأيضا تطور السلاح التقني ومنظومة الأنفاق، وقدرة المقاومة على معرفة معلومات من داخلجيش الاحتلال ومعرفة نقاط قوته وضعفه، واختراق أجهزة اتصال اسرائيلية وقنوات عبرية، والرسائل الموجهة من المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال، و قدرة المقاومة في المحافظة على الأسرى الإسرائيليين على مدار سنوات عدة دون معرفة أي معلومة عنهم، تبدو جميعها انجازات مشهودة للمقاومة الفلسطينية" يقول المدهون.
العامل النفسي
وقال المدهون "العامل النفسي له أهمية كبيرة في صراع الأدمغة والعقول، والمقاومة الفلسطينية بدأت تجمع قواها لتنقض على الاحتلال بالوقت المناسب، ورأينا ذلك خلال الحروب الماضية على القطاع حيث استخدمت المقاومة الاعلام بالشكل الأمثل لترهيب العدو.
وأشار إلى أن المقاومة نجحت في استخدام الحرب النفسية كذلك، التي تعتبر أقل ضررًا من المواجهة المباشرة بين المقاومة والاحتلال، وهي ما نجحت بها المقاومة بشكل كبير خلال السنوات السابقة، حيث نجحت في تفكيك الجبهة الداخلية الاسرائيلية على عكس الجبهة الداخلية في قطاع غزة التي يمكن وصفها بالتماسك".
وما يؤكد نجاح المقاومة الفلسطينية في حربها النفسية مع الاحتلال، تقرير سابق نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، "أن المستوطنين جميعهم نزحوا إلى الملاجئ المحصنة تحت الأرض، خوفا من استهدافهم من صواريخ المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة".
وأشارت إلى أن "ارتفاعاً حاداً في توجه الإسرائيليين إلى عيادات الطب النفسي”، مشيرة إلى أن “نسبة الذين يطالبون بدعم نفسي جراء إصابته بالهلع نتيجة سقوط عدد من الصواريخ في البلدات المحاذية للقطاع كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، حتى امتد الأمر لقادة الاحتلال الذين باتوا يحلمون بغزة ورعب المقاومة القادم من هناك".