شبكة قدس الإخبارية

كيف يصل بك "المنسق" إلى العمالة والسقوط؟

أحمد شحادة

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: يقول زيجمونت بويمن، "لا يوجد شيء اسمه حداثة وما بعد الحداثة هذا التقسيم يشير إلى أنهما مرحلتين منفصلتين وهم على عكس ذلك، هناك حداثة صلبة وحداثة سائلة"، هذا التعريف يمكننا من الوصول إلى فهمٍ أعمق للاحتلال ما بعد أوسلو، فالحداثة الصلبة هي الاحتلال المباشر العسكري والحداثة السائلة هو الاحتلال في كل نواحي حياتنا دون تواجده الفعلي وهو الاحتلال الشمولي.

في هذا السياق، سعى العدو لاستغلال مسائل حياتية مهمة ليصنع منها فرصة أو مدخلًا لاحتلال مساحة في وعينا والعبث به؛ وبالتالي التأثير على شريحة واسعة وصرف جهودهم إلى قضايا ثانوية لا تخدم قضيتها، فهو يسعى إلى تشويه وعينا ودفعنا إلى دائرة التشكيك في أي أمر نواجهه؛ وبالتالي نشر حالة من التذمر، تدفعك لا إراديا إلى اللجوء إليه لحل مشاكلك وبالتالي التحكم بك بشكل كامل، بالرغم من شعورك بأنك قد كسبت منهم شيئا.

مظهر من مظاهر الاحتلال الشمولي يظهر في صفحة على موقع الفيسبوك يديرها شخص يطلق على نفسه اسم (المنسق) -لاحظ التسمية- مهمته نشر أخبار وتصريحات تهم شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني كتصاريح العمل والزيارة والتنسيق لخروج المصلين من غزة، وتسهيلات جديدة وغيرها وذلك عن طريق التفاعل بين من يدير الصفحة ومن يقوم بالتعليق عليها وهم كثر بالمناسبة!

هذا المنسق تراه يهنئك بأعيادك ويفرح لفرحك ويحزن لحزنك، يشكرك إذا ما ساعدت مستوطن تعرض لحادث سيارة ويشتم ويتوعد أبناء شعبك الذين يلقون الحجارة على الحواجز، كل هذه الرسائل تتلقاها أنت بنوع من الأريحية النفسية ودون غضب وبعضهم يعلق شاكرًا أو مستفسرًا عن أمرٍ ما.

إن أولى مراحل الخضوع والتعاطي مع الاحتلال وكأنه شيء طبيعي هو كسر الحاجز النفسي بينك وبينهم، ولا يحمل المعنى هنا أن تكسر حاجز خوفك، وإنما أن تنسى أنهم احتلالًا مهما فعلوا ومهما قالوا، وبالتالي الوصول إلى مرحلة التعاون اذا ما عرض عليك ذلك! قد تستهجن الفكرة وتقول لنفسك من المستحيل أن أفعل ذلك، ولكنك لا تستطيع أن تضمن الآلاف غيرك الذين قد يقعون في نفس الفخ. تذكّروا سخريتكم من "أفيخاي ادرعي" في هذا السياق.

عملية الاختراق للوعي تتم عبر عدة مراحل يفهمها الاحتلالُ جيدًا ويطبقها باحترافية كبيرة تبدأ من سجون الأسرى وتنتهي على شاشة حاسوبك أو هاتفك، هو يعذبك دون أن يرفع هراوة ويضربك، يعذّبك بالرفاهية القاتلة التي تكون عبر تسهيلات صغيرة هنا وهناك متغلغلة في جميع نواحي حياتك تعتقد أنها تسهل حياتك وترسخ في وعيك فكرة التماس الجانب الانساني للاحتلال "راجع مفهوم عقدة ستوكهولم".

لهذا السبب عندما يقوم (المنسق) بنشر خبر عن التسهيلات المقبلة، تنهال عليه عبارات الشكر والسلام لا إراديا. أولى هذه المراحل وهي الاتصال، في هذه المرحلة تكون عبارة عن صورة سريعة قد تكون كلمة أو تصريح أو فعل ويرتبط بعقلك على شكل وصلة نفسية، و قد تحس أنك على نفس مستوى الاتصال العقلي مع المرسل.

المرحلة الثانية، "مرحلة التأثير في عقلك" من خلال تخاطر فعليّ و اقتراحي حيث يبدأ ببث صورة أو فكرة محددة في عقلك. و تحتاج هذه المرحلة إلى درجة عالية من المهارة حتى تبدأ ومن دون وعي في أن تفعل ما يأمرك به المتحكم العقلي (مثال بسيط: كأن يطلب منك إعادة نشر ما يكتب)، لاحظ عدد المشاركات في صفحته!.

أما المرحلة الثالثة، فيتم التحكم بشكل كامل بمفاهيم وعيك وبالتالي تفاعلًا أكثر وتحويلك إلى مناقِش لا رافض والمناقش قد يقتنع في لحظة من اللحظات ويتحول الى مدافع (لاحظ بعض التعليقات على صفحة المنسق).

هذا الواقع يحتّم علينا الإنتباه إلى خطورة (المنسق)، كأداة للحرب النفسية التي لا يتوقف العدو عن استخدامها، كجزء من حربه الشاملة على الشعب وقضيته، يتطلب منك الاستعداد الدائم للتحصين الذاتي في مواجهة مثل هذه الحرب حتى لا تكون مدخلاً لنشر المفاهيم الجديدة ومحاولة إقناع الناس بها.

وتذكّر، أن الرسائل السياسية هي مجرد أداة من أداوت السيطرة؛ تكون عبارة عن خبر يُدغدغ اهتمامات الناس، ويمسّ مخاوفهم ورغباتهم وتطلعاتهم وآمالهم ومراكزهم السياسية والاجتماعية والوظيفية. بحيث يتناسب تأثير الرسالة طرديًا مع أهميتها ومدى غموضها، خاصة في ظروف الحرب والطوارئ والتوتر وحالات الهيجان الشعبي؛ وعكسياً مع قوّة المناعة والوعي والرقابة.

وعدم الأخذ بمثل هذه الأمور حتى لا تصل إلى المرحلة التي تكون فيها مجرد مسمار. يقول ابراهام ماسلو، "إذا كانت المطرقة هي الأداة الوحيدة معك فستعامل كل الأشياء و كأنها مسامير". وهكذا يعاملنا الاحتلال وسيقى يعاملنا إلى أن يزول.