فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: تمرّ حركة فتح في هذه الأيام في ظروف صعبة وقاسية، بحيث لم تمر بها فيما خاضته عبر تاريخها، فلا أيلول الأسود وأحداثه الجسام التي نتج عنها خروج القوات الفلسطينية من الأردن إلى لبنان، ولا ما حدث عقب اجتياح لبنان عام 1982م، وما أعقبه من انشقاق بعض القيادات كأبي موسى وأبي صالح وتشكيل ما أطلق عليه آنذاك" بفتح الانتفاضة"، لم تكن تلك الأحداث أخطر مما يحدث اليوم لهذه الحركة الوطنية الفلسطينية، وذلك لأسباب كثيرة أهمها أنّ البيئة التي حدثت فيها تلك الأحداث لم تشابه بيئة ما يحدث اليوم، فقد كانت المقاومة الفلسطينية المتمثلة بشكل أساسي من حركة فتح وحركات اليسار الفلسطيني تعيش في بيئة أنظمة عربية رسمية تعلن أنها داعمة للحق الفلسطيني، وتسعى لرأب أي صدع في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا ما حدث أثناء أحداث أيلول، حيث تدخلت الزعامات الرسمية للدول العربية وقامت بحقن دماء الأردنيين والفلسطينيين.
إضافة لذلك فقد تميزت تلك المرحلة بوضوح رؤية وعدم ضبابية في الأهداف المرحلية والمستقبلية مما أسهم في ضبط إيقاع العمل الوطني الفلسطيني الذي اقتصر بصورة أوضح على العمل الفدائي.
كذلك فلم تعد الحاضنة التي رعت المقاومة الفلسطينية وقضيتها التاريخية على عهدها من تحمل المسؤولية بصورة واضحة وجلية، بل قد تتحمل مسؤولية التقهقر والانهيار في ملف القضية الفلسطينية التي وصلت إلى حدود الانجماد.
واليوم وقد وصل الخيار السياسي الذي اختارته حركة فتح "خيار المفاوضات المباشرة" لطريق مسدود، حيث لم يحقق أي اختراق للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967م، وفي وقت انشغل فيه العرب والعجم بأحداث وأولويات تخص كل طرف منهم على حدا، وما تعانيه كذلك الحركة من تجاذبات داخلية تشغلها عن أهدافها الأساسية كحركة تحرر وطني.
هي الآن مقبلة على مؤتمرها السابع بهذا الحمل الثقيل، إذ ينظر الفلسطينيون إليها وكلهم أمل من أن تعيد حركة فتح حساباتها وترشّد برامجها موحدة نحو ما يتفق الفلسطينيون عليه، فصائل وأفراد ومؤسسات، ومن هنا فما هو المطلوب من حركة فتح في مؤتمرها السابع والذي من المقرر أن ينعقد في نهاية هذا الشهر.
أولاً وعلى صعيد برنامجها السياسي الذي اختارته قبل حوالي خمسة وعشرين عاما، والذي يعتمد على مبدأ الأرض مقابل السلام من خلال المفاوضات، حيث قامت الحركة من خلال رئاستها لمنظمة التحرير بتوقيع عدة اتفاقيات سياسية واقتصادية كجزء من اتفاق شامل يقود إلى الدولة الفلسطينية المستقلة، وها نحن اليوم وبعد هذا الوقت الطويل وإذا بنا عدنا لنقطة الصفر، حيث ترى "إسرائيل" أنه لا إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية على أراضي عام 1967م، وأن حدوث ذلك يهدد أمنها، وهي تريد أن تجلس على طاولة المفاوضات دون التنازل عن وقف الإستيطان أو تفكيك المستوطنات القائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبذلك هي تشتري الوقت لترسيخ عملية السيطرة الكاملة على ما تبقى من أراض فلسطينية.
كذلك فإن الذي رعى عملية السلام هو اليوم غير قادر على تحقيقه، ومع قناعات الإدارة الأمريكية الجديدة المتحيزة بشكل لم يسبق له مثيل، إضافة لرفض "إسرائيل" لأي مؤتمر دولي للسلام أو أي مبادرة تعيد الأطراف للتفاوض، وكان آخر ذلك رفضها المبادرة الفرنسية التي وافقت عليها منظمة التحرير بقيادة حركة فتح، يصبح مشروع حركة فتح المبني على المفاوضات عبثياً، ومن هنا فالواقع والحال يفرض عليها البحث عن مخرج من هذه العبثية وصياغة برنامج مختلف تماما عن سابقه يعتمد على انتهاج طريق خاضته حركة فتح سابقاً ولها تجربة به لتعيده واقعاً عملياً وتبحث عن وسائله الممكنة للنهوض من الواقع الحالي.
وثانيأ فإن حركة فتح وبعد أن تعيد صياغة برنامجها السياسي، هي مطالبة بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية المبنية على الشراكة الكاملة مع باقي الفصائل الفلسطينية وخاصة حركة حماس، فالواقع اليوم قد تغير بصورة واضحة من حيث التعددية في الشارع الفلسطيني، ولا يمكن لفصيل ما أن ينكر وجود هذا الواقع، ومن هنا فإنه من غير المعقول أن يتفرد فصيل ما بقيادة السفينة، ويتحمل هذا العبء منفرداً فهو حمل كبير ويحتاج لجهود المجموع متفقين لا متشرذمين سواء في ملف السلم أو الحرب، وهذا الأمر يحتاج من حركة فتح أن تقدم بعض التنازلات في سبيل الوصول لعملية المصالحة الفلسطينية.
وأخيراً فإنّ حركة فتح الفصيل الأكبر في منظمة التحرير، هي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إعادة الحياة لمنظمة التحرير، بصياغةٍ ورؤيةٍ جديدة تجمع الكل الفلسطيني على أساس الأهداف الوطنية التي ستقود الشعب الفلسطيني للتحرر والانعتاق من الاحتلال، مراعية الخارطة المكونة لشرائح الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج.
تشكّل هذه الأهداف مطلبا أساسيا واستحقاقا تأخر وقتا من الزمن، وفي حال أنهى المؤتمر السابع أعماله وقد حقق هذه النتيجة وهذه الأهداف، فهو ناحج بامتياز، ولا يمكن أن يصل لذلك دون تحقيق إجماع من حركة فتح على ذلك، وعنده تحقق هذه حركة انعطافة تاريخية في هذا الوقت العصيب الذي تمر به القضية الفلسطينية.