يحمل اسم "النقاط العشر" ذكريات مؤلمة للشعب الفلسطيني، ففي عام 1974، أقر المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته الثانية عشرة، برنامج النقاط العشر، والذي يدعو إلى إنشاء سلطة وطنية على أي قطعة محررة من أرض فلسطين. ما دفع الحركات الفلسطينية المعارضة لقرارات المجلس الوطني للخروج لتشكيل جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية.
بعد 42 عاماً، من إطلاق منظمة التحرير الفلسطينية برنامج "النقاط العشر" سيئ الصيت، وضع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلّح، مبادرة من عشر نقاط، أطلق عليه برنامج "النقاط العشر"، هدفه الخروج من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية.
شتان ما بين المبادرتين فـ "النقاط العشر" لمنظمة التحرير (1974) تبحث عن ركام سلطة قبل التحرير، أما مبادرة الجهاد هدفها كما جاء في البند رابعاً، "إعلان أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ما زالت مرحلة تحرر وطني من الاحتلال، وأن الأولوية مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المقاومة المسلحة، ما يتطلب إعادة الاعتبار للمقاومة بل وللثورة الفلسطينية وتعزيز وتطوير انتفاضة القدس لتصبح انتفاضة شاملة وقادرة على هزيمة الاحتلال ودحره عن أرضنا بلا قيد أو شرط".
أعادت مبادرة الجهاد الإسلامي الاعتبار لشعار تحرير فلسطين كل فلسطين، بعيداً عن الغرق في تفاصيل البحث عن وهم "الدولة"، فأثبتت التجربة أن كل التنازلات السياسية التي قدمت منذ النقاط العشر (1974) تحت حجج الواقعية، أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه وما شابه، قد فشلت فشلاً ذريعاً.
رمضان شلح ألقى الكرة في ملعب جميع الفصائل الفلسطينية، عندما قال: إعادة "بناء منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح هي الإطار الوطني الجامع الذي يضم ويمثل كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني". والسؤال هنا، كيف يُعاد بناء "المنظمة"، التي استخدمتها القيادة المتنفذة كمعاول هدم عندما اعترفت بالعدو الصهيوني، ومشت في جنازة بيريز؟! أجاب شلح على ذلك بقوله: "منظمة التحرير التي مشت في جنازة بيريز لا تمثل في ذلك قطاعاً واسعاً من حركة «فتح»، فضلاً عن أن تمثل "الجهاد" و"حماس" وبقية القوى والفصائل وغيرهم".
وأضاف في البند ثانياً، أن "تعلن منظمة التحرير سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني (إسرائيل)".
إن سحب الاعتراف بالعدو الصهيوني، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطيني، تعني بدون مواربة إنهاء "وجود سلطتين وكيانين في غزة ورام الله"، كما ورد في البند خامساً. وهذا يتطلب "صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه" كما ورد في البند سادساً.
وهنا أجد لزاماً إبداء بعض الملاحظات:
▪ لا يجوز أن يعلق تطبيق "النقاط العشر" على مزاجية رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود؛ وانتظار موافقته على "إلغاء اتفاق أوسلو"، و"وقف العمل به في كل المجالات"، فعبّاس أضحى خارج السياق، والأحرى أن نتعامل معه باعتباره خارج التاريخ؛ لأن متطلّبات التحرُّر الوطني تتجاوز ذلك الرجل؛ وهذا لا يعني أن نُعادي حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" من أجلِهِ؛ كونها جزءاً مُستلَباً من المشروعِ التحرُّري الفلسطيني.
▪ لم تطرح المبادرة جواباً على السؤال التالي: ماذا لو رفض عبّاس المبادرة؟! أو التزم الصمت؟! وهو الذي يحاول دائماً، إيهام العالم بأنّهُ صاحب الشرعيَّة الفلسطينيَّة؛ فيقول: "لن يكون أي تمثيل فلسطيني؛ سوى الرئيس الشرعي للبلاد"؛ فيما يُصِر عبّاس دائماً أنه رئيساً مُنتخباً لكلِّ الفلسطينيّين!!
▪ إن كان هناك توافق فلسطيني شعبي وفصائلي على المبادرة، لماذا لا تتبنى حركة الجهاد الإسلامي، الدعوة إلى عقد اجتماع عاجل للقوى والفصائل والشخصيات المستقلة الفلسطينية للبحث في تطبيق المبادرة، ووضع الجميع أمام مسؤولياته التاريخية؟!
▪ إن كان هناك ترحيبٌ من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، فلماذا لا يتم التوافق فصائلياً على حل السلطة في قطاع غزة؟ والعمل على إنشاء إدارة محلية فلسطينية لشؤون الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتفرغ المقاومة إلى حماية مكتسباتها، والحفاظ على سلاحها في قطاع غزة.
أخيراً؛ "نقاط عشر عن نقاط عشر بتفرق!!"
* كاتب وباحث فلسطيني في التاريخ القديم