فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: تواصل الأخطاء الطبية التي تعصف بالمنظومة الصحية في فلسطين حصد أرواح المزيد من الأهالي، كان آخرها وفاة فائدة الأطرش من مخيم الدهيشة في مستشفى بيت جالا الحكومي حسب نتائج تشريح الجثمان في معهد الطب الشرعي في أبو ديس، وقبلها فصل رأس مولود عن جسده خلال عملية ولادته في مستشفى الخليل الحكومي، وغيرها من الأخطاء التي أودت بحياة أناس دخلوا المستشفيات لضرورات غير خطيرة وخرجوا منها محمولين على الأكتاف.
خلال السنوات الأخيرة أشارت بعض المؤسسات الحقوقية الفلسطينية إلى وجود حالات من الإهمال الطبي في المشافي العامة والخاصة، وصلت حد الوفاة أو الإعاقة الدائمة في بعض الحالات، إما نتيجة إعطاء كمية مرتفعة من المخدر لا تتلاءم مع سن أو وزن المريض، أو إعطاء وحدات دم ملوثة وترك مواد في بطن المريض، وعدم دقة التشخيص.
وتشير تقارير حقوقية إلى تعرض العديد من المواطنين الفلسطينيين لأخطاء طبية متنوعة، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة، بسبب تلك الأخطاء، وجراء الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، وفي معظم تلك الحالات لم يحصل هؤلاء الضحايا لا على العلاج ولا على الإنصاف بعد الممات.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن جميع الحالات التي ثبت فيها وجود خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء العاملين في المستشفيات (خاصة وعامة) ضاعت حقوقهم بعد وقوعهم ضحايا، والسبب صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي.
الوزارة لا تنكر
يقول وكيل وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور اسعد الرملاوي لـ"قدس الإخبارية": "إن الوزارة تهتم بأوضاع مستشفياتها لتقديم أفضل الخدمات للمرضى، وبخصوص الخطأ الطبي فهو جنوح بالممارسة، وأنه تدخل فيه وجهات نظر مختلفة ومتعددة، ولا يمكننا إنكار خلو مستشفياتنا من الأخطاء الطبية".
ويوضح أن "الوزارة تحاسب على الإهمال والتقصير وليس على "الخطأ الإنساني" الذي ممكن حدوثه"، مشيراً إلى أن تجاوب وتعاطي الوزارة مع بعض الشكاوى التي تقدم إلى وحدة الشكاوى التابعة لها منح الأهالي الثقة بالوحدة وبالوزارة، ولفت إلى قيام الوزارة مؤخرا بتشكيل لجنتي تحقيق لقضية واحدة".
في حين، يبين الباحث الحقوقي ماجد عاروري أن وزارة الصحة في متابعتها لقضايا الأخطاء الطبية تفتقر لأنظمة رقابية فعالة على الطواقم الطبية، ونوه لوقوع العديد من الأخطاء بسبب الضعف في جاهزية المستشفيات، وعدم وجود أنظمة رقابية فعالة على جودة المستحضرات الصيدلانية، دون استيفاء شروط الفحص الطبي.
اتهامات بالتقصير
وكانت النائب في المجلس التشريعي الدكتورة نجاة أبو بكر قد اتهمت وزارة الصحة والوزير جواد عواد بالتقصير واللامبالاة تجاه أرواح الناس، ورد عليها الوزير عواد باتهامها بعدة تهم اعتبرتها النائب أبو بكر تشهير بها، ما دعاها لرفع دعوى قضائية ضد الوزير عواد.
وقالت أبو بكر في حديث لـ"شبكة قدس": "تقع الأخطاء الطبية بشكل عام نتيجة لافتقاد وزارة الصحة للحكمة والإدارة، وهي بحاجة لإعادة البناء على أرض الواقع وليس في وسائل الإعلام، الأمر الذي يجنب الناس شر الأخطاء الطبية، وتكدس المراجعين بالمئات في عياداتها بانتظار العلاج".
وأشارت أبو بكر إلى أن "الكادر الطبي في المستشفيات الحكومية غير كافي لمتابعة المرضى والمراجعين، كما أن غرف العناية المركزة غير كافية لاستيعاب أعداد كبيرة من المرضى، وسياسة الوزارة التحريضية دفعت الأطباء للعزوف بسبب عدم شعورهم بالأمان، الأمر الذي يشير إلى استمرار الأخطاء والإهمال الطبي وبأشكال مختلفة".
في حين رأى الباحث والأكاديمي الدكتور محمود فطافطة والدي قام بتأليف كتاب عن الأخطاء الطبية في فلسطين أن "المشكلة ليس في وقوع الخطأ الطبي، بل بعدم التعاطي المناسب لمعرفة جذور أسبابه أو الجرأة والاهتمام بمعالجته، وانه لا يتم التعاطي معها بشكل جدي من الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية".
ويرى المحامي أسامة المطور أن أهم المعيقات التي تواجه المرضى في حال وقوع أخطاء طبية مسألة إثبات الخطأ الطبي في حق مرتكبه، وأنه يتوجب تضمين التشريعات نصوصاً قانونية تُفرض على الأطباء والمستشفيات التأمين ضد الأخطاء، وسن القوانين والتشريعات الرادعة للحيلولة دون تكرار الأخطاء .
رأي مختلف
وقال عضو نقابة الأطباء الفلسطينيين الدكتور خالد سراحنة لـ"قدس الإخبارية": "إن النقابة مخلصة وشفافة في عملها ولا يمكن لها أن تتطاول على القوانين أو تسمح بأي خلل أو تقصير من قبل طبيب دون أن تعاقبه، وأن النقابة تدافع عن أعضائها وعن المرضى على حد سواء"، زاعما أن معظم الاتهامات ضد الأطباء "كيدية أو تحريضية".
وأشار سراحنة إلى أن "المتضرر أو من ينوب عنه من المفترض أن يقدم شكوى مكتوبة للنقابة بطبيعة ما حصل، ثم ترسل نسخة للطبيب المدعى عليه ليرد عليها خلال أسبوعين، وبناء على الرد تقرر النقابة أن الشكوى ليست ذات أهمية أو منطقية يتوجب إحالتها للجنة الفرعية للنقابة للنظر فيها، وهذا يحدث في جميع الحالات".
غياب التشريعات
في حين لفت باحث دائرة سياسات المراجعات والتشريعات في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان معن ادعيس إلى عدم وجود إحصائية حقيقية حول الأخطاء الطبية التي تعرض لها المرضى الفلسطينيين لأسباب تتعلق بعدم قيام العديد من المرضى بتقديم الشكاوي، وعدم اكتراث وزارة الصحة لتوثيق الأخطاء والشكاوي بحقها.
وأشار ادعيس إلى أنه لا يوجد في النظام القانوني الفلسطيني أية أحكام تشريعية خاصة بموضوع الأخطاء الطبية، وإنما ينطبق عليها الأحكام القانونية الإدارية والمدنية والجزائية العامة التي تنطبق بالعادة على مخالفة الأسس المهنية المتبعة من أصحاب المهن المختلفة، والتي يمكن أن تندرج في إطار التقصير أو الإهمال.
وطالب ادعيس مجلس الوزراء الفلسطيني بضرورة تفعيل قانون التأمين الفلسطيني والصحي لسنة 2005، كونه يساعد لجان التحقيق ويسهل من مهامها بإدانة الأطباء في حال ثبوت الأخطاء "لأن القانون سيعوض المتضررين ماليا ليس من جيب الطبيب وإنما من خلال الجهة الخاصة أو الحكومية التي تدفع لمشغلينهم".